الطريق
الأربعاء 8 مايو 2024 01:08 مـ 29 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد الجليل يكتب: عن بنت عامل النظافة التي ”طمرت” فيها التربية في زمن الجحود

الطالبة الجامعية
الطالبة الجامعية

ظهرت فتاة رد الجميل، الطالبة الجامعية التي تخرجت للتو وحصلت على شهادتها العُليا وشعرت أن عليها جزءا من دين كبير لن تستطيع الوفاء به مهما طال بها الزمن وصارت قدر ما تصير، فراحت تقبل يد أبيها امتنانا لما قدم من تضحية وشقاء وعطاء غير مجذوذ.

هذه الطالبة التي تضحك لمستقبلها ويضحك لها هي "بنت الأصول" في زمن النكران وجحود لآباء وأمهات انتهت بهم الحال إلى مصير مؤسف ونهاية حزينة لرحلة طويلة كانت محطتها الأخيرة في غرفة منزوية بإحدى دور المسنين وحدهم، بلا جليس معهم ولا سلوى من ابن أو ابنة، والمحزن حقا أن وحدتهم تأتي في عز احتياجهم!

الابنة لم تستنكف أو تخجل من الذهاب إلى أبيها في محل عمله لتقول له "شكرا"، ومقطع الفيديو الذي ظهرت فيه حصد آلاف التفاعلات والمشاهدات، وكأننا نعزّي أنفسنا بهذه الطالبة وهذا الأب في زمن العلاقات البلاستيك وغلبة المصلحة، كأننا نقول لبعضنا "الدنيا لسه بخير"، كأن هذا المقطع "طبطب" على أرواحنا المنهكة في سعي محموم وراء المادة التي أفقدتنا جوهرنا وطمست فطرتنا وحولتنا لمسوخ بشرية تحت وطأة إيقاع الحياة القاسية.

ضحكة البنت وهي تبشر أباها بتخرّجها أشعلت تيارًا من البهجة في قلوبنا وقلوب كل من رأى الفيديو، حتى رواد الكافيه الذين حضروا الواقعة وتفاعلوا مع هذا المشهد العاطفي المؤثر، فبدأوا التصفيق، ثم بدا أن كبار السن كانوا الأشد تأثرا، إذ لعلهم رأوا في هذه الفتاة ما يتمنونه في ذريتهم، تلك أمانيهم المتواضعة، مجرد الوفاء وأن نذكرهم في شيخوختهم وعجزهم!

حتى السيدة الشابة التي ذهبت إليها وقالت لها "انتي أجدع من 100 رجل"، لم تتمالك نفسها فسالت دموعها خشية حاضر يضج بالنكران والجحود، ومستقبل بارد كعلاقاتنا الإنسانية التي تحولت لسلعة قابلة للشراء والبيع!

حسنًا هل وصلتك كل هذه المشاعر الإيجابية ونفخت فيك الروح؟

يؤسفني إذًا أن أخبرك أن كل ما مضى مجرد مشهد تمثيلي، نعم، جميعا كان يود لو كان حقيقة تُسهم في إزالة الجحود والبرود عن هذا العالم، لكنه للأسف ليس كذلك. والغرض منه قياس رد فعل الناس إزاء هذا التصرف المنقرض، تصرف البنت التي تعترف بجميل أبيها عليها ولا تخجل من مهنته!

أعرف ما يدور بخلدك الآن، مع ذلك، ورغم كونه ليس حقيقيًا، فقد داعب خيالنا ومنحنا لحظات من السكينة، ومن يدري، لعله ليس حقيقيا هنا، لكن في مكان آخر وزمن آخر، يصبح هو الحقيقة المطلقة، وكل ما عاداه من قصص العقوق مجرد أساطير وحكايات من زمن غابر!

أتمنى.