علاء الدماصي يكتب: ثقافة جبر الخواطر.. والمناعة النفسية

قلب في صفحات ذاكراتك، أبحث في أغوار إنسانيتك، راجع خطواتك في الماضي وأفعالك في الحاضر وتصرفاتك النابعة من داخلك، واسأل ذاتك سؤال.. هل فكرت في يوم أن تجبر خاطر إنسان قريب منك أو بعيد؟ هل تنازلت يومياً عن كبر نفسك وحاربت هاجس الأنا في ذاتك لكي تجبر بخاطر إنسان؟ ، إذا كانت الإجابة " نعم " فأنت تمتلك خلق رفيع لا يصل له الا النبلاء والانقياء والأشخاص الذين لا يعانون من انفصام الشخصية والتمحور حول الذات .
إن للجبر الخواطر عدة اشكال وصور، ليس فقط مساعدة الفقير ، ومساندة الضعيف ، والرفق بالمريض ، فجبر الخواطر قد يكون كلمة تواسي بها مكروب أو تخفف بها ألالام شخص خذلته الظروف وكسرته المواقف او شخص تعرض لأزمات وصدمات إجتماعية .
وقد حثنا ديننا الحنيف على الوقوف بجانب الآخرين وجبر خواطرهم ، حيث قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) : " مَن نَفَّسَ عن مُسلِمٍ كُرْبةً من كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسِرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن سَتَرَ على مُسلِمٍ، سَتَرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كان العَبدُ في عَونِ أخيهِ .
ويقول سفيان الثوري: " ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم"، وقديمًا قالوا : من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه لطف اللهُ في جَوفِ المَخاطر.
الأثر النفسى لجبر الخواطر يمتد إلى المناعة النفسية وهي شبيه تماما بمناعة جسدك في مقاومه الامراض ولكنها تختص بالنفس اي بقدرتك على مقاومه الحزن والضيق والتوتر تلك المناعة التي تختلف من شخص لآخر، وضعف هذه المناعة السبب الرئيسي في استعدادك للمرض النفسي، فهناك اشخاص مصابون بضعف المناعة النفسية وهم الأكثر عرضه للمرض النفسي، وعلمياً كلما قويت المناعة النفسية ، كلما قل احتمال حدوث المرض النفسي، بجانب أنه فى وفقا للأراء العلمية فإن الصلابة النفسية تعزز من المناعة الصحية ومن ثم تقل نسبة الإصابة بأمراض الجسم.
وقد عاتب الله نبيه محمد-ﷺ- لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم وكان أعمى عندما جاءه سائلا مستفسرا قائلا: علمني مما علمك الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام ، منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله: عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ،أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى سورة عبس:1 – 4، التفسير البسيط للواحدي (23/210).
ولا شك أن كل إنسان منا قد حفر في ذاكرته أشخاص كان لهم الدور الفاعل والعمل الدؤوب بمواقف سطرت وحفظت سواء بالقول أو الفعل أو رسالة أو فكرة أو كلمة خير جبرت نفوساً وأثلجت صدورا، فهذه المواقف تحفظ ولا تنسى .
هذه المواقف وغيرها تدعونا للإحسان إلى البشر وجبر خاطرهم ، وفي هذا الزمان ، تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم البعض واختلاف نواياهم، فما أجمل أن نقتصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس يضطر للسير على قدميه باحثا عن رزقه مساعدة له وجبرا لخاطره...وما أعظم أن تقتطع من وقتك لجبر خاطر وتفريج هم لو بكلمة ...فبعض الكلمات نور وبعض الكلمات قبور .
ثمرات الفكر
الأحياة هم الذين يحيا بداخلهم القلب والضمير، وإنسانيتهم تحملها أرواحهم وتطغى على تفكيرهم، ام دون ذلك فهي وسائل للإعاشه فقط ...كن أنت كما يريد ضميرك ولاتكن كما يريد هواك .