محمد دياب يكتب: مشهد بلا نخوة فى زمن ماتت فيه المروءة

تداول الناس مقطعاً مؤلماً لمشهد قطع رأس مشهد تجمّدت فيه القلوب قبل الأجساد مشهد لم يؤلمني فيه القاطع ولا المقطوع فالأول قد ارتكب فعلته وانتهى أمره والثاني لقي مصيره وانطوت صفحته لكن ما آلمني بحق هو أولئك المتحلقون حول المأساة الذين وقفوا كأنهم يشاهدون عرضاً في سيرك بلا نخوة ولا رجولة وبلا أدنى إحساس بما تبقى من الإنسانية.
المفارقة المؤلمة ليست في الجريمة نفسها فالتاريخ مليء بمشاهد القتل وسفك الدماء ولكن الفاجعة الحقيقية تكمن في هذا البرود القاتل في تلك اللامبالاة التي سلبت الإنسان جوهره الأخلاقي وحوّلته إلى مجرد آلة تصوير تبحث عن الإثارة بدلاً من التدخل أو حتى الشعور بالاشمئزاز.
لقد تحوّل المشهد إلى انعكاس صادق لحال مجتمع تآكلت فيه القيم وأصبحت المروءة فيه عملة نادرة. لم يعد يُنظر إلى الجريمة على أنها فاجعة تستحق الاستنكار بل أصبحت مجرد "ترند" يتصدر منصات التواصل تُتداول تفاصيله وكأنه جزء من مشهد سينمائي مثير يُناقَش ويُحلل دون وازع أخلاقي أو إنساني.
والسؤال الذي يطرح نفسه: متى أصبحنا نُشاهد القبح دون أن تهتز ضمائرنا؟ متى تحوّلنا إلى متفرجين باردين نبحث عن الإثارة في المآسي بدلاً من البحث عن حلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟.
لا تحسبهم استثناءً فهؤلاء الذين تجمّعوا حول المشهد لم يكونوا سوى انعكاس لنا جميعاً لواقع نعيشه كل يوم حينما نقف متفرجين أمام الظلم حينما نرى الخطأ ولا نحرك ساكناً حينما نُقابل المعاناة بالتصفيق أو الصمت المطبق.
إن انتزاع النخوة من القلوب ليس سوى عرض من أعراض مرض أشد فتكاً مرض الاعتياد على القبح حتى يغدو أمراَ مألوفاَ وتصبح الكرامة" شيئاً هامشياً لا قيمة له أمام "المحتوى" و"المشاهدات".
في زمن مضى كان الرجل يقف عند أدنى موقف يتطلب الشهامة أما اليوم فتمر الجرائم أمام الأعين وكأنها أخبار عابرة لا تحرك ساكناً ولا توقظ ضميراً. لقد تحوّلنا إلى مجتمع فاقد للروح يرى الفجيعة ولا يذرف دمعة يشاهد الجريمة ويكتفي بإرسالها للآخرين.
وما بين الماضي والحاضر يبقى السؤال قائماً: هل لا يزال هناك أمل في استعادة إنسانيتنا؟ أم أن الأمر قد انتهى كما انتهى القاطع والمقطوع؟