محمد دياب يكتب: الحج والعمرة.. عبادة أم مجرد رحلة؟

من العجيب أن ترى شخصاً يعود من الحج أو العمرة، يفترض أنه عاد كيوم ولدته أمه، نقيّاً كالمطر، طاهراً كالثلج لكنه بدلاً من أن يعود بقلب طاهر ولسان طيب، يعود بلسان سليط وقلب ممتلئ بالضغينة، بل أحياناً أشد قسوة مما كان عليه قبل أن يذهب! كأنما طاف بالكعبة بجسده، ولم يطُف بها قلبه، وكأنما وقف بعرفة بجوارحه، لكنه لم يقف هناك بروحه يبحث عن الصفاء والتوبة.
كم من حاجٍّ عاد ليقطع رحمه؟ كم من معتمر عاد لينشر الفتنة بين الناس؟ كم من شخصٍ أنفق الآلاف على رحلة مقدسة، لكنه لم يتعلم منها شيئاً؟ وكأن الحج عنده أصبح رفاهية، وسياحة دينية، وصورة يعلقها على جدران بيته ليُقال: "حاج فلان" أو "الحاجة فلانة"، بينما نفسه أبعد ما تكون عن مقاصد الحج الحقيقية! الحج ليس مجرد طواف وسعي، وليس مجرد وقوف بعرفة ورمي للجمرات، إنما هو درس عملي في الرحمة والتسامح والتهذيب، فمن لم يخرج من رحلته بروح نقية وسلوك راقٍ، فليعلم أنه لم يحج إلا بجسده، أما قلبه فما زال غارقاً في ظلمات الجهل، وما زالت روحه مكبلة بأغلال الكِبر والرياء
يا من حججت واعتمرت، هل حججت بقلبك قبل أن تحجّ ببدنك؟ هل سعيت إلى الله قبل أن تسعى بين الصفا والمروة؟ هل طفت بروحك بحثاً عن المغفرة، أم طفت بجسدك فقط لتعود كما كنت، بل أسوأ؟ الحج ليس طقوساً جامدة، ولا خطواتٍ تُحفظ، بل رحلة تبدأ بعد العودة، فإن لم تَعُد أكثر رحمةً، أكثر صدقاً، أكثر تواضعاً، فاعلم أنك لم تحجّ إلا بجواز سفرك، ولم تَعتمر إلا بثيابك البيضاء، بينما بقي قلبك معلقاً في ظلمة الغلّ والكبر والقطيعة
النبي ﷺ قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه"، لكن هل يكفي أن نمتنع عن الفسوق أثناء المناسك ثم نعود لنمارسه بكل أشكاله بعد العودة؟ ماذا عن الغيبة؟ ماذا عن النميمة؟ ماذا عن قطع الأرحام وظلم الأقارب؟ ماذا عن قسوة القلب، والتعالي على الناس، والنظر إلى الآخرين وكأنهم أدنى منزلة لأنهم لم يحجّوا بعد؟ أليس هذا هو الفسوق بعينه؟! أيّ دين هذا الذي يجعل الإنسان يظن أنه تقرّب إلى الله، ثم يعود ليبتعد عنه بأفعاله وكلماته؟ أيّ حجّ هذا الذي لا يجعل صاحبه أكثر تواضعاً ورحمة وإنسانية؟
يا من عدت من الحج أو العمرة، اسأل نفسك: هل خرجت منها كما أراد الله، أم كما أردت أنت؟ هل تغيرت إلى الأفضل؟ هل سامحت من ظلمك؟ هل وصلت رحمك؟ هل نزعت الغلّ من صدرك، أم أنك عدت به أثقل مما كنت؟ إن لم تفعل، فاعلم أن رحلتك كانت مجرد سفر بلا أثر، ومناسك بلا روح، وطقوس بلا معنى. إن لم يغيّرك الحج، فأنت لم تحج، وإن لم تهذبك العمرة، فأنت لم تعتمر. فراجع قلبك قبل أن تراجع جواز سفرك، فقد تكون عدت إلى بيتك، لكنك لم تعد إلى الله بعد