سعد الفقي يكتب: الإمام الأكبر ومواقف لا تُنسى

قليلون يرحلون عن عالمنا فتخلد ذكراهم وتظل سيرتهم عطرة على الألسنة وفي القلوب منهم مولانا الإمام الراحل الشيخ/ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق. الراحل الكريم منذ وطأت قدماه وزارة العدل مرورًا بدار الإفتاء المصرية وانتهاءً بإمامة الأزهر الشريف. كان نموذجًا في الإيثار والتضحية. عرفته عن قرب لم يداهن ولم ينافق ولم يتزلف.. فقد كان قويًا وتشتد قوته إذا انتهكت محارم الله وكان لا يخشى في الله لومة لائم. مهما كانت العواقب لإيمانه الراسخ أن الآجال محدودة ومكتوبة والأرزاق أيضًا وهو واحد ممن تكالبَت على رأسه المناصب ولم يثبت أنه سعى إليها أو أنه وقف ذات يوم راجيًا والصحيح أن السلاطين جميعَهم كانوا يقصدونه للوقوف على آرائه الصائبة التي تتفق مع صحيح الدين الذي لا يعرف الإفراط أو التفريط. في قرية بطرة بمركز طلخا بالدقهلية نشأ وترعرع فعرف الحق وكان يباهي ويُفاخر أنه أحد أبناء الريف المصري. وفي الأزهر الشريف كانت مواقفه التي لا تعد ولا تحصى وكفاه في حياته موقفين لا ثالث لهما أولهما صلابته التي لم تهتز أمام توصيات مؤتمر السكان المشبوه وما تضمنته من دعوات صريحة للانحلال والتفسخ والعري. ثانيهما عندما وضع المتاريس أمام الصهاينة والأمريكان ووقف بالمرصاد أمام محاولاتهم المستمرة لتدنيس الأزهر الشريف جامعًا وجامعة. في قريته ومسجده المعلوم بقرية بطرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية.. أقيمت آخر احتفالية بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته وقد تشرفت بحضورها ضمن كوكبة من أساتذة جامعة الأزهر. يومها قال عنه الدكتور الراحل/ محمد أبو ليلة ذهبت إلى دمياط لشراء بعض الأثاث لمنزلي وطلبت من التاجر أن تكون البضاعة متوسطة الحال حتى أتمكن من الوفاء بثمنها فقال لي لقد سبقك في طلبك الإمام الكبير الشيخ/ جاد الحق علي جاد الحق وبنفس الشروط. وقال عنه الأستاذ/ تهامي منتصر الصحفي المعروف رافقته في كثير من الأسفار وكنا في إندونيسيا أكبر البلاد الإسلامية عددًا فاستقبله رئيس الدولة على سلم الطائرة ضاربًا عرض الحائط بالبروتوكولات المعهودة والمعروفة وعندما ذهبنا إلى الفندق استأثروا لفضيلته بمكان يليق به. فطلب منهم أن يكون معنا أو نكون معه وكان له ما أراد.. وكانت رؤيته أن نتساوى جميعًا في المأكل والمشرب والمسكن وقد يغيب عن كثيرين أن الإمام الراحل هو أول من تصدى للأفكار المنحرفة من خلال مواقفه الواضحة ولن ننسى أبدًا كتابه بيان للناس الذي قدم فيه بالأدلة والثوابت تهاوي أفكار التكفير ودحض قضايا كثيرة لطالما روَّج لها المتأسلمون وما زالوا يروجون لها حتى اليوم. وكفاه أيضًا أطروحة الفتاوى والتي تعد أحد أهم المراجع في الفقه المعاصر. رحم الله الإمام الزاهد الورع فقد كان نموذجًا فريدًا في دعوته الوسط