الطريق
الأحد 1 يونيو 2025 03:13 صـ 5 ذو الحجة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
المستشار محمود فوزي يدعو لدعم المبادرات الخيرية: كل جهد قادر على إحداث تغيير وزير الحكم المحلي الفلسطيني: مصر تلعب دورًا محوريًا في محاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار الأهلي يفوز على الاتحاد واللجوء لمباراة فاصلة لحسم الفائز بدوري سوبر السلة الجولة الأخيرة فى الدورى.. أيمن الرمادى يعلن تشكيل الزمالك أمام فاركو فى الثامنة مساء اليوم.. وصول لاعبى الزمالك إلى ملعب مباراة فاركو سياسي عماني: تصريحات الجولة الخامسة هادئة وعُمان تقدم مقترحات تحفظ ماء الوجه للطرفين الغربية ترفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة موجة الطقس السيئ يرفض تعيين أمين عمر وغيره.. الزمالك يخاطب اتحاد الكرة بشأن حكام نهائي كأس مصر النيابة تستمع لشهود العيان في واقعة عقر طفلي الفنانة زينة داخل كمبوند بالشيخ زايد محافظ الغربية يبحث الاستعدادات النهائية لانطلاق حملة ”من بدري أمان” للكشف المبكر عن الأورام الانتهاء من أعمال رصف شارع الروضة بدمنهور لتحقيق السيولة المرورية البحيرة تواصل توريد القمح بإجمالي تجاوز 290 ألف طن حتى صباح اليوم

شحاته زكريا يكتب: من يملك الرواية.. يملك السلطة

فى كل زمان كان من يروي القصة هو من يكتب التاريخ ومن يكتب التاريخ هو من يوجّه البوصلة. الرواية ليست مجرد حكاية تُروى بل سلطة تُمارَس، وقوة ناعمة تُعيد تشكيل العقول والضمائر ولهذا لم يكن الصراع يوما على الأرض وحدها بل على السرد لا على الوقائع بل على معانيها وتأويلاتها.

فى عالم يتنازع فيه الخطاب وتضج فيه المنصات، لم تعد الحقيقة وحدها تكفى لا يكفى أن تكون على صواب، بل يجب أن تحكى هذا الصواب بشكل يُقنع ويُبهر ، ويصمد أمام سيل من الحكايات البديلة، التى قد تكون زائفة لكنها براقة.

القوة الصلبة قد تفرض أمرا واقعا لكن الرواية هى التى تمنح هذا الواقع شرعية وتُحوله إلى قناعة. من يملك الرواية لا يشرح فقط ما حدث بل يقول لماذا حدث؟ وكيف يجب أن يُفهم؟ ومن هو البطل؟ ومن هو العدو؟ وهنا تبدأ السلطة الحقيقية.

تأمل كيف تُروى قصة فلسطين الآن ليس الخطر فقط فى القتل والتدمير، بل فى إعادة صياغة المأساة كحرب متكافئة والنكبة كدفاع عن النفس من لا يملك الرواية يُصبح ضحية مرتين: مرة بالقصف ، ومرة بالحذف من السرد.

فى مصر خضنا عبر تاريخنا معارك كبرى ، سياسية وعسكرية وثقافية لكن واحدة من أخطر معاركنا اليوم هى معركة السرد. كيف نحكى تاريخنا؟ كيف نشرح واقعنا؟ كيف نُفسر قراراتنا؟ من يكتب قصتنا أمام أنفسنا والعالم؟

الرواية لا تُكتب فقط فى الكتب بل تُصاغ فى الإعلام، والمسرح، والسينما، والتعليم، والمناهج، وحتى فى حديث المقاهى ومنشورات التواصل الاجتماعى. كل هذه أدوات تشارك عن وعى أو غفلة فى تشكيل الرواية الكبرى.

ولأن السلطة الحقيقية هى سلطة المعنى فإن الاستثمار فى الخطاب لا يقل أهمية عن الاستثمار فى البنية التحتية. يمكن لدولة أن تبنى آلاف الكيلومترات من الطرق والكبارى، لكنها تحتاج إلى جملة واحدة مُلهمة تُفسر هذه الأفعال، وتربطها بالمصير حتى تصبح جزءا من الحكاية الوطنية ، لا مجرد خبر عابر فى نشرة الساعة التاسعة.

لسنا بحاجة إلى رواية مُضللة أو براقة بلا مضمون بل إلى رواية صادقة، متماسكة، تُنير الواقع ولا تُزيفه، تُشرك المواطن فى فهم مسار بلده وتُقنعه بأنه ليس مجرد متفرج، بل بطل فى الحكاية حتى لو كان دور البطولة صامتا أحيانا.

فى زمن التشظى المعلوماتى باتت "السلطة" مرتبطة بقدرتك على تنظيم الفوضى على إنتاج رواية وسط الصخب لا أن تترك الحكاية تُروى من خصمك أو تُختزل فى لقطات مجتزأة وعبارات مبتورة.

لهذا فالمسئولية اليوم ليست فقط على الحكومات بل على النُخب المثقفة والإعلاميين والمبدعين ورجال الدين والمعلمين. كل من يملك منبرا ، يملك إمكانية أن يكون شريكا فى صياغة الرواية. والسؤال: هل نملك الوعى بأن نكون رُواة جيدين لقصة بلادنا؟

فالرواية ليست رفاهية لغوية بل وعاء الذاكرة، ومن دون ذاكرة حية لا يبقى للأمم سوى جدران صامتة ومشاريع بلا روح. إن البناء الحقيقى لا يبدأ من الطوب والحجر بل من الفكرة التى تمنحه معنى، ومن القصة التى تجعله جديرا بالبقاء. وكل مشروع لا تحرسه حكاية يذوب سريعا فى زحام التفاصيل. إننا لا نعيش بالوقائع وحدها بل بالمعنى الذى نخلعه عليها والوجدان الذى يربطها بحلم أكبر من اللحظة.

وفى عالم يبحث عن الحقيقة وسط الغبار تظل الرواية الجيدة هى السلاح الأقوى. سلاح بلا دم لكنه قادر أن يُنقذ أمة أو يُفنيها.

موضوعات متعلقة