الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 02:17 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

مصر أولًا

قال معاوية خليفة المسلمين فيما مضى «لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت»، قيل كيف؟ قال «لو أرخوها شددتها ولو شدوها أرخيتها»، لتصير مقولة الخليفة المثير للجدل وقت ولايته «قاعدة سياسية ذهبية» تصلح لكل العصور، من تمسك بها نجا ومن خرج عنها هلك، والعُرف في السياسة يقول إنه كلما بعدت المسافة بين المسؤول ورعيته، زادت فرص الاستغناء عنه والعكس صحيح، فالقرب من الناس يقلص المسافات ويوحد الرؤى ويقرب الخلاف ويزيد فرص التفاهم والالتقاء عند مصالح مشتركة وخطوط عريضة.

في السنوات العشر الأواخر من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، زادت تلك الهوة بين طبقات أبناء الوطن الواحد، فتسيدت طائفة رجال الأعمال المشهد وتصدروا قوائم المال والاستثمارات والمنتجعات، وطفت على الساحة مراكز قوة نواتها رجال البيزنس من العيار الثقيل، انتهت إليهم في النهاية خيوط اللعبة السياسية ليصيروا «لوبي» يحكم من خلف الستار، وبالطبع تقهقر المواطن العادي في ذيل الأولويات ليزداد فقرًا ونقصًا في الخدمات والحياة اليومية، قابلته موجة من الحوادث المتعلقة بالحريات السياسية، التي مهدت لما عُرف لاحقًا بثورة يناير.

ولأنهم التنظيم الأكثر قدرة على الحشد والعزف على كل الحبال وبما يمتلكونه من ميديا قوية، ورثت جماعة الإخوان الدولة بعد ثورة يناير، لكنها تنكرت لقاعدة معاوية ولم تعترف بـ«شعرته السحرية»، واكتفت بأعضائها بديلًا عن الشعب، واستبدلت الجميع بمائدة مكتب الإرشاد، واستغنت عن النقاش بمبدأ السمع والطاعة، فحق عليها ما حدث ولفظها المصريون سريعًا، فالوطن للجميع، والحياة لكل مصر، وهو ما كفرت به الجماعة فآلت للسقوط المحتوم.

بلاشك أن موجات عاتية عاشها المصريون في الفترة من سقوط الإخوان ورفضهم التسليم بالإرادة الشعبية، وبين إجراء انتخابات رئاسية جديدة اكتسح فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي، مستندًا لشعبيته الجارفة كمنقذ مصر حينها من براثن الفتن وحمامات الدم، التي كانت مصر على وشك الخوض فيها، وقد كان الرئيس السيسي الأذكى في التعامل مع الشعب، واختار الاتصال المباشر مع الجماهير، كاشفًا كل الحقائق والوضع على الأرض بكل أمانة، عارضًا بالأرقام المتاح والمستهدف، وواضعًا نفسه في عين المسؤولية، مختارًا الطريق الأصعب في مواجهة المشكلات وحلها من جذورها، وقد نجح في ذلك مستعينًا بثقة وصبر المواطنين، وهي إنجازات لا ينكرها إلا جاحد.

التحدث وجهًا لوجه، سواء كان في مؤتمرات الشباب أو عبر تطبيقات «اسأل الرئيس» أو خلال الندوات الثقافية وافتتاح المشروعات، كان سياسة الرئيس السيسي المباشرة في التعامل مع مواطنيه والتواصل بين القيادة السياسية والمواطنين، معلنًا في كل مرحلة عما سيتم وما تحقق وتكلفته وموعد تنفيذه، وعلى مدار ست سنوات، عاش المصريون لحظات إنشاء وبناء مشروعات عملاقة نفذت في أزمنة قياسية بشهادة الجهات المختصة والدولية منها، في مقدمتها قناة السويس الجديدة، وانتهاء بأنفاق بورسعيد، وبينهما مئات المشروعات ذات العيار الثقيل.

ومع وضع رؤية «مصر 2030»، بدا للجميع أن مصر على أعتاب عودة مجدها القديم كواحدة من أهم دول العالم اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وثقافيًا، فاستشعر الخطر «مقاولو الهدم ومهندسو تخريب الأوطان وتحويلها لأطلال تفوح منها رائحة الموت» وقرروا التآمر، وجمعتهم الرغبة في إسقاط البلاد وزرع الفتنة بين أهلها وإعادة الفوضى التي لن تبقي ولا تذر هذه المرة، لا قدر الله.

ليس عيبًا أن يساند المرء وطنه في الأزمات أو حين يستشعر الخطر عليه مهما تكن الأوضاع، بل عكس ذلك هو الخيانة بعينها، فلا جدوى من خلاف وشعارات في بلد محروق، كما أن المزايدات الشخصية والفكرية والسياسية الضيقة لن تجدي في مخيمات اللاجئين أو المشردين في صحاري مصر حينها.

هل تخيلت عزيزي المصري أو تساءلت ماذا سيحدث إذا عمت الفوضى من جديد؟، كم حجم الخسارة؟، وهل تخيلت حجم الانتقام والتناحر الذي تغذيه أطراف خارجية؟، هل شاهدت ما حولك من دمار في بلاد مجاورة نهشها الاختلاف حتى أكلها وشرد أطفالها؟

حين تنادي وتحرض وتحشد.. عليك بالنظر بعيدًا، وقتما ترى الإجابة سوف تعرف لماذا تحرض قنوات وفضائيات عالمية تخصص كل وقتها للتحريض على حرق بلدك.. ولماذا أنفقت المليارات من أجل تشويه كل إنجاز ومحاولة تفخيخ كل قيمة جديدة تكتسبها مصر، ولماذا كل تلك الهجمة المسعورة على منصات السوشيال ميديا والتواصل الاجتماعي، والاستعانة بفيديوهات قديمة لإشعال النار، تحت دعاوى حرصهم على بناء ديمقراطية مصرية بمواصفات خاصة، وحرصًا على توفير حياة كريمة.. لا تصدقهم فهؤلاء ليس بينهم صديق أو محب لمصر، بل ثلة من الكارهين والحاقدين،.. لكن هيهات فمصر لاتعرف سوى الرباط والعزة والمنعة.. فهي اسم جميل ضد السقوط.