محمد عبد المجيد هندي يكتب: مصر لن تنحني.. والدم العربي لن يضيع هدراً!
منذ فجر التاريخ، كانت مصر صمام الأمان وحجر الزاوية الذي ترتكز عليه الأمة العربية والإسلامية، وكانت على الدوام ميدان المعارك الفاصلة التي حسمت مصير المنطقة. واليوم، في زمن تكالبت فيه الأمم علينا، وتآمر القريب قبل البعيد، يأتي القرار المصري الحاسم بعدم قبول زيارة الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي لأمريكا استجابةً لنداء الشعب، ليؤكد للعالم أن مصر ليست تابعًا لأحد، وأن كلمتها لن تُشترى بالضغوط، وأن زمن الإملاءات قد ولى إلى غير رجعة. هذا القرار لم يكن مجرد رفض دبلوماسي، بل هو رسالة قوية بأن القاهرة لن تكون ساحةً للابتزاز السياسي، ولن تسمح بأن تُستخدم كأداة لتنفيذ أجندات تهدف إلى إخضاع الأمة وإذلالها.
مصر.. قلب الأمة وسيفها
إنها مصر التي لم تخضع في يوم من الأيام، لم ترضخ عندما اجتمعت عليها جيوش الهكسوس والتتار والصليبيين، ولم تركع أمام أساطيل الاستعمار، ولم تستسلم أمام المؤامرات التي حيكت في دهاليز السياسة الدولية، ولن تفعل اليوم. من يظن أن الضغوط الغربية أو تهديدات القوى الاستعمارية الحديثة قادرة على لي ذراع هذا البلد فهو غافل لا يعرف حقيقة هذه الأمة ولا يعي أن إرادة المصريين أقوى من الحديد وأشد من النار.
أمريكا التي ترعى الكيان الصهيوني، والتي تغذي آلة القتل في فلسطين، لم تكن يومًا وسيطًا نزيهًا، ولم تكن راعية سلام كما تدعي، بل هي الدولة التي نصبت نفسها حامية للاحتلال الإسرائيلي، وضامنة لاستمرار جرائمه، ومُشرعنة لكل ما يرتكبه من مذابح بحق أطفال غزة والضفة ولبنان وسوريا. فكيف يُعقل أن تقبل مصر، بتاريخها وشرفها العسكري والسياسي، أن تجلس على طاولةٍ يُراد لها أن تكون مسرحًا لمسرحية جديدة من الخداع والمراوغة؟ إن من يراهن على مصر ليكون أداةً في يده، واهم، ومن يظن أنها ستخضع، مخطئ، ومن يتخيل أن قرارها يمكن أن يُباع أو يُشترى، فليبحث عن غيرها، لأن مصر ليست للبيع، لا بمال، ولا بضغط، ولا بتهديد.
الأمة أمام اختبار تاريخي
إننا اليوم أمام لحظة فارقة، إما أن نكون أمةً تحترم نفسها، وتنتفض لاستعادة كرامتها، وإما أن نظل أسرى لحالة من التبعية والضعف والانقسام الذي لم يجر علينا سوى الخسائر والهزائم. لم يعد هناك مجال للمجاملات، لم يعد هناك وقت للانتظار، لم يعد هناك رفاهية الاستمرار في سياسة الخنوع والخذلان. فإما أن تكون الدول العربية والإسلامية على قدر التحدي، وإما أن تسقط في هاوية لا خروج منها. إننا نطالب كل دولة عربية وإسلامية، كل قيادة وطنية، كل زعيم مسؤول عن شعبه، أن يعلن موقفه بوضوح ودون مواربة، لأن التردد في مثل هذه اللحظات خيانة، والصمت تواطؤ، والمجاملة نفاق، والتأجيل هروب من المسؤولية.
تحرير فلسطين.. قضية أمة لا مزايدة سياسية
قضية فلسطين ليست قضية فلسطينية فقط، بل هي قضية كل عربي ومسلم، هي اختبار لكل من يدّعي أنه قائد، وهي المحك الحقيقي لكل من يتحدث عن الشرف والسيادة والاستقلال. لا يمكن أن يكون هناك حل إلا بزوال الاحتلال الصهيوني، لا يمكن أن يكون هناك سلام في ظل وجود الكيان الصهيوني، لا يمكن أن تُحقن الدماء بينما المستعمر الجاثم على الأرض يواصل مذابحه ويرتكب جرائمه دون حساب.
أين الجيوش العربية؟ أين القوة العسكرية الإسلامية التي طالما تغنّى بها القادة؟ أين الدول التي تتفاخر بترساناتها الضخمة وصناعاتها الدفاعية؟ هل خُلقت هذه الأسلحة لحماية الأنظمة فقط؟ أم أنها وُجدت لحماية المقدسات والأرض والشعوب؟ إذا لم يتحرك العالم الإسلامي اليوم، فمتى سيتحرك؟ إذا لم يعلُ صوت الحق الآن، فمتى سيرتفع؟ إذا لم تتوحد الصفوف لاستعادة الحقوق، فإلى متى سنظل أذلاء في أرضنا؟
سوريا ولبنان والأردن.. معركة التحرير واحدة
إن المعركة ليست في فلسطين وحدها، بل هي في لبنان الذي يعاني من تهديدات العدو الصهيوني، وهي في الأردن الذي يتعرض لمخططات تستهدف وحدته وأمنه، وهي في سوريا التي لا تزال تدفع ثمن صمودها في وجه المخططات الغربية والإسرائيلية. إن التحرير لا يكون إلا بتحرير جميع الأراضي المحتلة، والمواجهة لا تكتمل إلا إذا كانت جبهة القتال واحدة، وإرادة المواجهة موحدة، والقرار مصيريًا لا تراجع فيه ولا مساومة عليه.
مصر تحذر.. والخيارات واضحة
إما أن تستفيق الأمة وتدرك أن الزمن ليس في صالحها، وإما أن تتحول إلى كيانات مفككة تنتظر دورها في مخطط التفكيك الشامل. لم يعد هناك وقت للتردد، لم يعد هناك متسع للاستمرار في سياسة الاستجداء، لم يعد مقبولًا أن نظل نطلب الرحمة من أعدائنا، لأن هؤلاء الأعداء لا يعرفون إلا لغة القوة، ولا يحترمون إلا من يملك قراره بيده.
رسالتنا واضحة، إما أن تقف الدول العربية والإسلامية وقفة رجل واحد لدعم مصر في موقفها، ودعم فلسطين في معركتها، ودعم لبنان وسوريا والأردن في صمودهم، أو ليعلم الجميع أن الدور قادم عليهم لا محالة. إن مصر اليوم تتخذ قراراتها بشرف، وترفض الخضوع بإرادة، وتقول لا في وجه من يريدها أن تقول نعم، وهذه رسالة لكل من يظن أن مصر يمكن أن تُبتلع في لعبة التوازنات السياسية، أو تُحاصر بين مؤامرات التفاوض والمساومات المشبوهة.
الختام.. لا سلام إلا بالقوة، ولا استقرار إلا بالتحرير
العالم يحترم القوي، ولا مكان للضعفاء في معادلات السياسة، ومن يريد أن يضمن مكانه في مستقبل المنطقة، عليه أن يختار اليوم بين خيارين: إما أن يكون مع مصر في موقفها المشرف، أو أن يجد نفسه في طابور التابعين الذين لا يملكون قرارهم، ولا يستطيعون الدفاع عن وجودهم.
تحيا مصر حرةً أبيةً قويةً، ويحيا كل من يحمل راية الأمة بلا خوف، والمجد لشهدائنا الذين رسموا بدمائهم طريق العزة، والخزي والعار لكل متخاذل وخائن ومتواطئ.