الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 05:51 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

د. رحاب غزالة تكتب: كورونا تريد

د. رحاب غزالة
د. رحاب غزالة

ظهر فيروس كورونا للمرة الأولى، في منتصف ديسمبر 2019 حينها لم يتوقع أكثر المتشائمين أن يدرك هذا المرض المستجد مرتبة الوباء العالمي في بضع أسابيع وقد أقرت بذلك منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحفي بجنيف الأربعاء 11 مارس 2020.

انطلق كورونا من مدينة ووهان الواقعة بمقاطعة هوبي بالصين فحسب معركته الأولى في هذا البلد ذو الكثاف السكانية، ثم اكتسح دولا مجاورة وسرعان ما بسط نفوذه على الجميع في كل بقاع المعمورة وأدخل الذعر في البشرية جمعاء وتمكن أخيرا من إكراه مدن بأكملها على العزلة إلى أجل غير مسمى تواصلت الآثار المدمرة لكورونا فلحقت لكل مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية والفنية واتسعت دوائر المنع والحجر ولم تعد المساجد والكنائس ملاذا يهرع إليه الهارب عن الهموم والكوارث فلا عمرة ولا صلاة في جماعة ولا حج وإن تواصلت هذه الأزمة المنذرة بالفاجعة الكونية والأخطر من هذا كله أثر كورونا في العقول والأذهان فالأمر لا يقتصر على علامات الخوف والهلع ولا ينحصر في آيات اللهفة والارتباك إنما يشمل ما هو أعمق وأكثر ديمومة فقد يكون لهذا الفيروس الوبائي دور في إعادة تشكيل فهمنا للأشياء والوجود والمصير وقد يدفع نحو مراجعة بعض القيم والمفاهيم في فترات الأوبئة، تتراجع سائر الرهانات والهواجس والمطامع والطموحات وتتسع دائرة الاهتمام بالحد الأدنى من شروط البقاء أي المحافظة على الجسد سليما معافى خاليا من الأمراض والفيروسات حينئذ يصبح الطبيب والممرض هما المقصدان الأساسيان وتتحمل وزارة الصحة العبء الأكبر ففيها الاجابه عن مخاطر كورونا وسبل مواجهتها وفيها التوصيات والأرقام التي لا غنى عنها في هذه المرحلة العصيبة فقد اقترنت العزلة إما بالتأمل أو بالزهد أو بالاكتئاب أو الانطواء.

وقد أرجع العديد من الباحثين هذا السلوك إلى أسباب شتى، أهمها الإعراض عن الدنيا بمختلف ملذاتها في المقابل يعتبر الشغف بالمهرجانات والمسارح والرياضة إقبال على الحياة، هذه القراءة ما عادت تنطبق على واقعنا الحالي ففي زمن الكورونا أصبحت العزلة علامة وعي وسلوكا حكيما ينبئ عن حذر وتمسك بالصحة والبقاء لفائدة الفرد والمجموعة فقد أحدث فيروس كورونا تحولا في السلوك والفكر والمفاهيم والأولويات وسيادة القرار وينطبق هذا على كل درجات الوصال مصافحة وتقبيل وعناقا وبناء على ذلك عدل الناس عن مفهوم السائد للسعادة والحب ففي آيام السلامة والأمان كانت السعادة مقترنة بمعنى اللذة والحرية والأنشطة الفنية أما الآن فهي أقرب إلى الفلسفة فقد اهتدى الفيلسوف ابيقور إلى ما معناه أن السعادة الحقيقية لا تشترط غير التوازن الصحي فمن خلال جسده من الآلام والأوجاع فقد بلغ مقصد السكينة والهناء وبالأخير فإن كورونا قد أحدث تحولا في السلوك والفكر والمفاهيم والأولويات وسياده القرار هذا التحول فيه ما يمكن تصنيفه ضمن الإجراءات الوقائية الظرفية وفيه ما سيظل عالقا بالنفوس والأذهان وفي رؤيتنا للحياة والوجود والمصير والإنسان.