200 سنة برلمان
في تاريخ أنظمة الحكم، تتربع مصر كأول دولة في التاريخ عرفت واخترعت مصطلح الحكومة والمؤسسات الحاكمة وإدارة شئون البلاد والدواووين، لذا لا يمكن لأي دولة أخرى أن تزايد على قدرة مؤسسات الدولة المصرية التشريعية والنيابية أو التشكيك في عراقتها، فعرفت مصر الوزارات والوزير الأعظم والعزيز وهو رئيس الوزراء والمستشارين بينما كان العالم الأخر يغرق في ظلام بائس ويفتقر لأبسط معاني التحضر.
التاريخ يقول أيضا إن مصر هي صاحبة أول مجلس نيابي منتخب يمتلك اختصاصات نيابية في منطقة الشرق الأوسط، وفى مايو عام 1805 شهدت مصر أول ثورة ديمقراطية ناضجة فى العصر الحديث، وهى الثورة التى قادها علماء الأزهر واشتركت فيها كل فئات الشعب .. وقام قادة هذه الثورة بتنصيب محمد على باشا والياً على مصر " باسم الشعب " دون انتظار لقيام السلطان العثمانى بإرسال والٍ من قبله.
وتحت مبدأ «الأمة هى مصدر السلطات» تمت مبايعة محمد على حاكماً بشروط الشعب، التى تتضمن الفكرة القائلة بأن.. حيث نصت هذه الشروط على أنه " تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألايفعل أمراً إلا بمشورة العلماء . وأنه متى خالف الشروط عزلوه". وعقب استقلاله بحكم مصر .. بدأ محمد على ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة ، بما فيها إقامة مجلس نيابى تمثيلى حديث.
منذ 196 سنة وتحديدا في عام 1824 تم تكوين «المجلس العالى»، الذى يعد البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة حيث تكون من 24 عضواً فى البداية، ثم صار عددهم 48 عضواً بعد إضافة 24 شيخاً وعالماً إليه، وفى يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالى وحددت اختصاصاته بأنها "مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد على فيما يتعلق بسياسته الداخلية.." وقد تضمنت اللائحة الأساسية كذلك مواعيد انعقاد المجلس وأسلوب العمل فيه.
شهد عام 1866 الخطوة الأهم فى تطور الحياة النيابية فى مصر بإنشاء "مجلس شورى النواب " فى عهد الخديوى إسماعيل . فهذا المجلس يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية ، وليس مجرد مجلس استشارى تغلب عليه الصفة الإدارية. وقد صدر المرسوم الخديوى بإنشاء المجلس فى شهر نوفمبر 1866 ، متضمنا اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس.
إضافة إلى رئيس المجلس الذى كان يعين بأمر من الخديوى، وكانت مدة المجلس ثلاث سنوات ينعقد خلال كل سنة منها لمدة شهرين، وقد انعقد مجلس شورى النواب فى تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية ، وذلك فى الفترة من 25 من نوفمبر 1866 حتى 6 من يوليو عام 1879م.
ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئاً فشيئاً، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة. وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب .
كما القانون النظامى الصادر عام 1883 تكوين البرلمان المصرى من مجلسين هما : " مجلس شورى القوانين " و " الجمعية العمومية" . كما أنشأ هذا القانون مجالس المديريات التى كانت وظيفتها إدارية لا تشريعية ، ولكنها كانت تختص بانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين .
الغرض مماسبق، وهي تواريخ موثقة في هيئات مصرية ودولية، يتضح أن الحياة النيابية في مصر جزء لا تتجزأ من الحياة اليومية للمصريين، وكان الوعي الشعبي لما يدور في البلاد أحد أهم أسباب ازدهارها، فكان المصريون يتابعون جلسات المجالس النيابية كما يشاهدون مبارايات المنتخب الوطني لكرة القدم، ويبدون أرائهم في القوانين والمناقشات المعروضة علي تلك المجالس، بل في كثير من الأحيان كانت القوانين تعدل من أجل مجاراة الرأي العام أو رفضه وتأييده لتلك القوانين.
اليوم نحن على أبواب استحقاقات انتخابية ونيابية جديدة تكرس من دولة الدستور والقانون في مصر والتي أعاد الهيبة لها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعادت مصر "دولة مؤسسات"، لذا الخروج والمشاركة واجب وطني وتاريخي تؤكده عراقة الحياة النيابية المصرية وامتداد لتاريخ محفور من ألاف السنين.
