الطريق
الأربعاء 24 أبريل 2024 07:38 صـ 15 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
الطريق تنشر في عددها الجديد: جهود الحكومة لرفع الصادرات إلى 145 مليار دولار على خطى لازمة أحمد العوضي ”أحلي ع الأحلي” لـ محسن الشامى يقترب من 100000 مشاهدة أطفال دراما رمضان للمرة الأولى في ضيافة ”الستات مايعرفوش يكدبوا” فاطمة محمد علي وبناتها بحلقة غنائية في ”معكم منى الشاذلي ” الخميس الحكومة تخصص 179 مليار جنيه استثمارات لقطاع الزراعة بموازنة العام المقبل معيط: تخصيص 134.2 مليار جنيه لدعم السلع التموينية بموازنة العام المالي المالية: تخصيص 154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية العام المالي المقبل «المركزي»: ارتفاع الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار بنهاية ديسمبر مصر تنفي تماما تداول أي حديث مع إسرائيل حول اجتياح رفح «سمير»: حريصون على تقديم كافة الدعم لتعزيز نفاذ الصادرات المصرية للأسواق الخارجية ”الزعيم الصغنن”.. محمد إمام يحتفل بمولوده الجديد الرقابة تسمح بالتعامل على أسهم الخزينة من خلال سوق الصفقات الخاصة والسوق المفتوح

ناصر البحيري يكتب: الموت سهوا

استيقظ أحمد ذو الثامنة عشر عاما من نومه ،ونظر حوله ولكنه لم يستطع تحديد الوقت بدقة ، حيث أن صديقه محمود الذي يملك جهاز الموبايل الوحيد في الغرفة قد ذهب لا يدري إلى أين ، فرك أحمد عينيه بيديه ، وأخذ السيجارة الوحيدة التي كان يضعها تحت وسادته التي صنعها من شيكارة أسمنت وحشا بها جوالا – استأذن صاحب الفرن التي يعمل بها ليأخذه – أشعل سيجارته وأخذ منها نفسا عميقا رغم أنه لم يضع شيئا في فمه كنوع من تغيير الريق نظر أحمد الى سقف الغرفة التي يسكن بها هو وصديقه محمود وأخرون ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم ، كان سقف الغرفة كهلا طاعنا في السن لا يعرف أحمد لماذا تخيله على هذه الهيئة هل لأن السقف به نتوءات وتجاعيد أم لأن مكوناته من الخشب والعروق قد أكلها السوس وأصابها الانحناءات والثقوب التي تتساقط مكوناتها حتى أنهم أصبحوا يدارون صحاف الأكل وهم يتناولونه خوفا من هذا الغبار الذي يسّاقط من السقف ، لم يكن حال أحمد أكثر من ذلك في بلدته حيث أن سقف منزلهم هناك لا يختلف كثيرا عن ذلك السقف فلم يشعر أحمد بفارق كبير وهو يعيش في القاهرة – مصر أم الدنيا – نفس السقف ونفس الحصيرة البلاستيك ربما الوسادة تختلف قليلا حيث أن أم أحمد صنعتها من ثوبه القديم وحشتها بدلا من الجوال ببعض الأسمال التي خلفها والده بعد أن مات ، أنهى أحمد سيجارته وخرج من الغرفة محاولا معرفة الوقت من السماء واستطلاع حال الشمس.

عرف أحمد أن الساعة لم تتجاوز السابعة ، ذهب الى الحمام فغسل وجهه ومسحه بقميصه الذي يرتديه وأخذ حذائه واتجه مباشرة الى عمله فلا وقت لتناول أي شئ على عربة الفول الخاصة بعم سيد الحاتي ، مشى مسرعا نحو الفرن التي لا تبعد كثيرا عن بيته في منطقة الدرب الأحمر

كان ميعاده في الفرن السابعة والربع ، وقد وضع صاحب الفرن التي يعمل بها نظاما قاسيا للتأخير فمن يتأخر خمس دقائق يتم خصم ربع يوم من المتأخر أيضا ابتدع صاحب الفرن نظاما لفتحه في الصباح فإن لبابها أربعة أقفال أعطى لكل موظف من موظفيه مفتاح وحدد لهم السابعة والربع ميعادا لفتح الفرن ومن يتأخر عن هذا المفتاح ممن معهم مفتاح يتم خصم نصف يوم كامل هذا إذا تأخر خمس دقائق ثم يتم حساب كل دقيقة بجنيهين كاملين الى أن يجئ ذلك المتأخر وإذا لم يجئ بالمرة حسب عليه ثمن التاكسي الذي سيذهب الى بيت المعلم لجلب النسخة الاحتياطي مع حساب عملية التأخير حتى يتم فتح الفرن

وقد كان أحمد يكره هذا النظام ويشفق على المتأخرين خاصة الذين يسكنون بعيدا عن مكان الفرن خاصة أن المواصلات في مصر شديدة السوء خاصة المناطق القريبة من وسط البلد ولكنه على أي حال كان شديد الإلتزام بتلك الأنظمة الموضوعة لكي لا يضيع عليه أجره

وصل أحمد مكان العمل في الميعاد تماما حيث كانت الفرن لا تبعد كثيرا عن مكان السكن دخل أحمد الى الفرن وذهب ليغير حذائه حيث أن أحد العاملين بالفرن أعطاه ” شبشب” كان ملكا لأحد العاملين السابقين في الفرن كان الحذاء هو الشئ الوحيد الذي يغيره أحمد أثناء العمل وعندما ترتفع حرارة الفرن بشكل لا يطيقه يقوم بخلع قميصه ليعمل بالفانلة الداخلية ورغم أنها مجرد خرقة وبها ثقوب تكاد تكشف عن كامل جسده إلا أن شدة الحرارة تجبره على ذلك وقف أحمد في مواجهة السير الذي يوضع فوقه العيش من الناحية الأخرى ليصل الى أحمد وقد نضج الخبز ليقوم أحمد بوضع الخبز على الأقفاص المصنوعة من جريد النخل ويضع فوق كل قفص عشرين رغيفا يذهب بها الى عم يوسف الواقف في منفذ البيع لم تكن المسافة بين أحمد وعم يوسف مسافة كبيرة حيث أنها لا تتعدى خمسة عشر مترا إلا أن هذه المسافة تأخذ من الوقت الذي يكفي أن يلفظ سير الخبز أكثر من عشرين رغيفا يعود أحمد مهرولا ليضعها فوق أحد الأقفاص لم يكن أحمد ليقف عن هذه الهرولة جيئة وذهابا الى عم يوسف ووضع الخبز على الأقفاص إلا عندما تنفذ العجنة فيستريح قليلا رغم أنه عليه أن يجمع ما احترق من الخبز الذي يلقيه عادة أسفل السير في مكان مخصص لهذا النوع من الخبز الذي يطلق عليه سحلة

كان أحمد يتفانى في عمله الى أبعد حد ليس حبا في العمل لكن حبا في انقاذ نفسه باكتمال ما بدأه من تعليم وانقاذ أمه التي باتت تحلم بأن يتخرج أحمد فيساعدها لكي تستريح الأيام التي تبقت من عمرها

إستأنف سير الخبز الدوران ولفظ الأرغفة واستأنف أحمد الهرولة من أمام السير الى عم يوسف ومن عند عم يوسف الى السير وكان أحمد يأخذ الارغفة من فوق السير رغم درجة حرارتها العالية التي تعود عليها رغم أنه في بداية العمل في الفرن كانت تلك الحرارة فوق طاقة تحمله وكان عم يوسف يضحك كثيرا من أحمد وأحيانا كان يساعده عندما تكثر عليه أعداد الأرغفة التي يلقيها السير لأحمد وقبل أن تقع على الأرض يأتي عم يوسف ليساعد أحمد في تهوية العيش لقد تعرف عم يوسف على أحمد أثناء تناول العشاء في يوم الجمعة حيث أن صاحب الفرن رغم فظاظة قلبه مع العاملين إلا أنه كان له تقليد أسبوعي يحسب له وهو أنه يأتي بكمية من اللحم تكفي لكل العاملين في الفرن ويضعون اللحم وأي نوع من الخضار في صينية ينضجونها بوضع سيخين فوق حرارة السير يضعونها عليه ويشرف على إنضاجها عم يوسف وعندما يأتي الظهر يجتمع جميع العاملين ليتناولوا غذاءا شهيا تعرف عم يوسف عن قرب بأحمد في يوم الجمعة التالي لمجئ أحمد ولا يعرف لماذا وقع في نفسه موقعا حسنا واحبه للوهلة الأولى ربما لأن عم يوسف لديه ولد وحيد لكنه عاق وفاسد لكم قاسى عم يوسف من ولده هذا ورغم شظف العيش الذي يحياه عم يوسف وساعات العمل الطويلة التي يقضيها من أجل توفير احتياجات أسرته وولده ورغم تمنيه أن يعوضه هذا الولد من أيام الشقاء تلك إلا أنه لم ير من ولده سوى القسوة والمشاكل مع الآخرين للدرجة التي تمنى فيها أن يموت هذا الولد العاق فلكم أُ خَذَتْ

منه جنيهاته القليلة عنوة ليأتي ولده بالمخدرات ولفافات البانجو كان عم يوسف يتمنى أن يكون له ولد مثل هذا يشاركه في الكفاح ويرفع به رأسه عندما ينجح في الجامعة أحب عم يوسف حديث أحمد عن والدته وعن حلمه بعد التخرج في أن يريحها ويذهب بها الى الحج لزيارة الرسول في ذلك اليوم أنهى أحمد عمله وساعد العاملين في تنظيف الفرن

في اليوم التالي ذهب عم يوسف الى الفرن كان غريبا أن يتأخر أحمد عن موعد العمل أنتظروه أكثر من رع ساعة ثم ذهبوا وأحضروا نسخة المفتاح الإحتياطية وفتحت الفرن وبدأ السير يسير ويلفظ الأرغفة وعم يوسف واقف وكله قلق فقد تعود أحمد وحركاته وقفشاته وأحلامه وأحب أمه وبيتهم وعندما توقف السير بعد إنتهاء العجنة الأولى قرأ عم يوسف في الجريدة اليومية التي يرسل أحد العاملين ليأتيه بها خبر عن إنهيار المنزل الذي يسكنه أحمد وقرأ إسم أحمد ضمن الضحايا ولم يكمل قراءة الخبر فقد دار السير مرة أخرى وظل يلقي في أرغفته.