الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 03:14 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

حاتم الهادي يكتب: بأي حالٍ عدت يا يوم المرأة  

كما جرت العادة في يوم المرأة العالمي من كل عام، ارتفعت هذه السنة الهتافات التي تطالب بارتقاء حقوق المرأة لمستوى يقرب لحقوق الرجال في المجالات المختلفة، وكتبت أقلام بارزة عن ما تم تحقيقه من تقدم مشهود في هذا المجال على الصعيدين العالمي والوطني، وعبرت أقلام أخرى عن آمالها في إنجازات أكبرفي الفترة التالية. ومثل كل عام، تفاوت تفاعل الرأي العام بين مؤيد ومعارض وساخر ثم مضى اليوم وانتهى ولكن، هل انتهى الحوار عن قضايا المرأة؟

فعلى غير المعهود في السنين الماضية استمرّت أصوات غاضبة احتجاجا على نماذج الانتهاك الصارخة في حق المرأة والتي برزت على الساحة في نفس التوقيت. وها نحن بعد مرور أكثر من أسبوع على يوم المرأة العالمي، وحتى كتابة هذا المقال، نرى مظاهرات في بريطانيا واستراليا بخصوص ما تتعرض له المرأة من عنف وتحرش وقهر. وقد اخترت مظاهر الاستياء من الانتهاكات ضد المرأة في تلك البلدين بالتحديد لأنهما قد عُرفا بتجاربهم المشهودة في الارتقاء بملف المساواة بين الجنسين. ولكن هذا العام، وبهذه المظاهرات الغاضبة، أعلنت أصوات شعوبهم أن الطريق للمساواة المنشودة لا زال طويلا ومليئا بالصعاب. وسيسهل على القارئ ان يجد الاسباب وراء الغضب العارم في هذه المظاهرات وأن يبحث عن المؤشرات والمعايير الدالة على تقدم أو تأخر "مكانة المرأة" في تلك المجتمعات ، وأيضاً يمكنه أن يقارن تلك المؤشرات بمثيلاتها في منطقتنا العربية ويتساءل: ما وضع المجتمعات العربية في تحقيق المساواة بين الجنسين؟ وما دور كل فرد في المجتمع في المساهمة لتحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال؟

فالسعي نحو تحقيق المساواة بين الجنسين قد أصبح مطلب إنساني في كل بقاع العالم. ويعد ميثاق الأمم المتحدة الذي تم التوقيع عليه في سنة 1945 أول اتفاقية دولية تؤكد على مبدأ المساواة بين المرأة و الرجل في الحقوق .

وعلى مدار العقود التالية وحتى وقتنا هذا، عززت الامم المتحدة ووكالاتها هذا المبدأ، وأكدت بدورها على مشاركة المرأة بوصفها شريكاً مساوٍ للرجل لتحقيق التنمية المستدامة والسلام والامن واحترام حقوق الانسان. ومن ثمّ رعت الأمم المتحدة العديد من المبادرات والمؤتمرات العالمية لمناقشة كيفية تحقيق هذا المبدأ الاساسي لسلامة الانسانية وازدهارها. وقد تخللت العقود الثمانية منذ هذا الاتفاق العالمي، العديد من التطورات في شتى مساعي الإنسانية. ففي هذه الفترة الوجيزة نسبياً في عمر الانسانية، تقدمت الحضارة المادية بشكل لا يقاس وحققت الإنسانية إنجازات مذهلة في العلوم والتكنولوجيا، وفتحت أبواب المعرفة الإنسانية على مصرعيها. وقد فرضت سرعة الازدهار المادي هذه واقعا جديدا يصعب التعايش معه بنفس المفاهيم والنظريات الاجتماعية البالية بما فيها من أنظمة الهيمنة والإقصاء والتعصب بكل أشكاله – وخاصةً تجاه المرأة.

فالسعي الصادق نحو المساوة بين الجنسين في هذه المرحلة يعد مظهرمن مظاهر سعي الانسانية نحو نضج أكبر وتكافل أعظم. وواحد من الأدلة الواضحة على أن البشرية سائرة في هذا الاتجاه هو أن أوجها من السلوك الانساني الذي كان في الماضي القريب يعد مقبولا وتسبب في بعث روح النزاع والتمييز، نراه اليوم بعيوننا، وبشكل متزايد ، يتناقض والقيم التي تسود في مجتمع العدل والإنصاف الذي ننشده. وعليه، أصبح الناس في كل مكان أكثر جرأة في رفض المواقف والأنظمة التي حالت دون تقدم ونضج مجتمعاتهم. وأصبح استكشاف وتطبيق المبادئ والمفاهيم الاجتماعية والوجدانية اللازمة لمواكبة التقدم المادي الهائل الذي حققناه غايةً يصبو إليها كل ذي عقلٍ واعٍ. إن هذا السعي النبيل يعد تلبية للتوق الدفين في وجدان الإنسانية لتلج عصراً جديداً يناسب نبلها الأصيل الذي لا يُسمح فيه بأي تمييز لأي إنسان على اسس عنصرية ، أو جندرية ، أو عقائدية . وقد أصبح هذا المسعى مجال تعلم وبحث يحتاج تنمية قدرات خاصة واكتساب مفاهيم جديدة لها أن تدلنا إلى مصير محتوم تسعى إليه جميع المجتمعات ، لتصل لمرحلة النضج الفكري والاجتماعي ويؤذن ببداية حضارة إنسانية تشمل كل مكونات المجتمع المتنوعة.
إن هذا الواقع الجديد الذي فرض نفسه على شعوب العالم قاطبة أصبح يطاردها لتعيد النظر في بعض المسلّمات التي وضعتها الموروثات الثقافية قيودا على التفكير بخصوص المكانة المناسبة للمرأة في المجتمع . ولذا ، إن أردنا أن نرتقي بالحوار السائد في مجتمعاتنا العربية بخصوص ملف المساواة بين الجنسين علينا أن نبحث بعمق في تلك الافتراضات والمورثات الثقافية والفكرية المتعلقة بمكانة المرأة ودورها في حياة المجتمع، وعلينا أن نفتح مجالا أكبر للحوار في هذا الشأن يرحب بمشاركة كل أطياف المجتمع .

إن إحراز تقدم ملحوظ في هذا المضمار سيتتطلب منا أن نرى أن المساواة بين الرجل والمرأة وجه من وجوه الواقع الانساني وليست مجرد خطوة لتحقيق الصالح العالم ، وأن ما يجعل الكائن البشري إنسانا هي حقيقة النبل والكرامة الفطرية المتأصلة فيه والتي لا تتصف لا بالذكورة ولا بالأنوثة. إن البحث عن المغزى والهدف وتكوين المجتمع والمقدرة على المحبة والإبداع والمثابرة لا تعرف هوية جنسية. إن إدراك هذه الحقيقة الدامغة سيكون له آثار عميقة في تنظيم جميع جوانب المجتمع.