الطريق
الخميس 28 مارس 2024 11:35 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
تحرير سعر الصرف وتأثيره على سوق العقارات.. جمعية رجال الأعمال: تكلفة الوحدات السكنية الجديدة سترتفع مصر والأموال الساخنة.. فرص استثمارية وتحديات اقتصادية في مواجهة الحكومة عضو المجلس القومي للمرأة في حوار لـ«الطريق»: المرأة شهدت العصر الذهبي في عهد الرئيس السيسي مصر أول دولة في العالم تضع استراتيجية... سيدات الأهلي يحققن الثنائية المحلية للموسم الثاني على التوالي ”الحشاشين”.. مسلسل يكشف استخدام الإخوان لمفاهيم السمع والطاعة المطلقة 6 جنيهات.. حملة لتثبيت سعر تعريفة التوك توك داخل سمالوط رئيس الوزراء يؤكد ضرورة وضع أجندة تنفيذية لمخرجات المرحلة الأولى للحوار الوطني رسالة جديدة من نتنياهو لعائلات المحتجزين البترول تسدد 30 مليون دولار جزء من مستحقات شركة كابريكورن إنرجي مصرع شاب على يد آخر في مشاجرة بالمنيا مواد غذائية شائعة يحظر تناولها أثناء تفاقم التهاب المعدة جي بي مورجان يتوقع ارتفاع برميل النفط إلى 100 دولار بسبب روسيا

بعد 3 سنوات من رحيله.. ماذا يتبقَّى من أحمد خالد توفيق؟

أحمد خالد توفيق
أحمد خالد توفيق

محمد عبيه: كتابات توفيق للشباب ككتابات أجاثا كريستي للقارئ الإنجليزي

شريف ثابت: ظاهرة توفيق كأديب رعب بدأت الانحسار قبل وفاته بأعوام

أحمد صبري غباشي: حضور توفيق الآن أكبر مما كان على قيد الحياة

شيرين هنائي: كتابته المرجع الوحيد بالعربية للماورائيات كعلم لا خرافة

نورا ناجي: توفيق صاحب منجز أحبَّه الناس.. والكُتّاب عمومًا لا يموتون

ثلاثُ سنوات كاملة مرَّت على رحيل واحد من أهم نجوم الكتابة الشبابية، ورائدٍ من رواد كتابة الرعب في الوطن العربي، صاحب السلاسل ذائعة الصيت، والمقالات التي شكَّلت وجدان كثيرين في فترة حرجة من تاريخ مصر: أحمد خالد توفيق، الطبيب والمترجم وعرَّاب الشباب الذي ربما سبقه إلى هذا اللون من الإبداع عديدون كرؤوف وصفي، لكنه كان أكثر من لفت الانتباه إلى هذه المساحة بين المراهقين وصغار السن، خاصة مع مسحة السخرية المحببة التي أضفاها عليها، والأسلوب -الذي رغم بساطته- حمل عمقًا وتحليلًا نفسيًا وتشريحًا للحالة المصرية، مكَّنه من اجتذاب عدد ضخم من القراء في كل مكان.

ولعلّنا ما زلنا نذكر حالة الحزن الكبيرة التي سيطرت على مريديه حال وفاته، وانتقلت من صفحات مواقع التواصل إلى الشارع حيث شارك في تشييعه الآلاف، وأقيمت صلوات الغائب على روحه في أغلب الدول العربية، وعُقدت الندوات واللقاءات للحديث عنه، وصولًا إلى تحقيق واحد من أحلامه وهو تحويل سلسلته الأشهر "ما وراء الطبيعة" إلى أوّل مسلسل رعب عربي تنتجه نتفليكس، من إخراج عمرو سلامة.

العرَّاب، يحمل وصفًا فريدًا بين محبيه، حرصوا على كتابته على قبره، وسط مئات من باقات الزهور التي زيّنوه بها وعبارات المحبة التلقائية والورد والدعوات والمرثيات التي لا تزال تتزايد عامًا بعد عام، لعله يكشف سر ارتباط قرائه الكبير به: "أوّل من جعل الشباب يقرأون".. فهل كان "ظاهرة" فريدة لن تتكرر؟ أم أن مر السنين كفيل بخفض صوته وتبديد مشروعه الإبداعي؟ وماذا يتبقى من أحمد خالد توفيق اليوم؟

نورا ناجي

رفضتْ الروائية نورا ناجي، وصف أحمد خالد توفيق بالظاهرة، وقالت إنها تفضّل توصيفه بالكاتب صاحب المُنجَز الذي أحبه الناس، وأكَّدت أن الكُتَّاب عمومًا لا يموتون، ما دامت كتبهم تُتداول بين القرّاء، وتمثِّل لهم حالة من الإشباع. وتابعت: "ما زلت حتى اليوم ألجأ إلى "ما وراء الطبيعة" لأتذكر الماضي الجميل".

وهو نفس ما ذهب إليه الكاتب والفنان أحمد صبري غباشي، الذي أكَّد أن كتابات توفيق لم تكن "تريند" لينتهي في لحظة ما، وفنه ومقالاته لم يكونا مجرد موجة أو ارتبطا بفترة زمنية معينة، وإنما كان "يكتب ما هو مرتبط بالإنسان، كتابة مخلصة، للتسلية والإمتاع والإفادة، كتابة يمكنها أن تبقى، وما ألاحظه بشكل شخصي أن اسمه أصبح يتردَّد أكثر بين جيل الشباب، وحضوره يزداد قوة، ربما أكثر مما كان عليه وقت حياته".

وقال الصحفي والسيناريست محمد هشام عبيه، إن توفيق كاتب مؤثر، قدَّم أدبًا سيعيش لأجيال، حتى مع توقف نشر أعمال جديدة له، وسيتحول إلى علامة كلاسيكية في الأدب العربي الموجّه بالأساس للقارئ الشاب، وأكد: "من الصعب على أي قارئ ألا يمرّ بكتابات توفيق، إنها مثل روايات أجاثا كريستي للقارئ الإنجليزي".

بينما ذكر الكاتب شريف ثابت أن الأمر يتوقف على تعريف "ظاهرة أحمد خالد توفيق"، وأكمل: "هل المقصود نموذج كاتب الرعب الناجح صاحب الشعبية الهائلة وسط جمهور من المراهقين واليافعين؟ أتصور أن هذه الظاهرة قد انتهت برحيل توفيق، لأنها كانت وليدة ظروف زمانية واجتماعية وثقافية احتشدت معًا لتنتج أطراف الظاهرة: الكاتب - الناشر – الجمهور. هذه الظروف لم تعد موجودة الآن بعد ما يقرب من أربعين سنة بنفس الصورة، لم يعد هناك نموذج الناشر المثقف صاحب الرؤية والحلم والطموح الذي مثَّله الناشر العظيم حمدي مصطفى، رحمه الله، والأهم من ذلك أن جمهور القراء نفسه قد اختلف".

واستطرد: "ملمح مهم من ظاهرة توفيق أنه كان يكدح في أرض بكر، ويقدم للقارئ صنوفًا من أدب الرعب والفانتازيا لا عهد له بها. كذا كنا قبل ثلاثين عامًا، أما قارئ اليوم، فقد شبَّ على أفلام الرعب ومسلسلاته ولم يعد من السهل إبهاره أو إخافته. لم يعد بإمكانه خوض تجربة قراءة "حلقة الرعب" و"الجاثوم" و"رعب المستنقعات" والتفاعل معها كما فعلنا سابقًا، لأجل كل هذا أتصور أن ظاهرة د. أحمد خالد توفيق كأديب رعب قد بدأت الانحسار قبل بوفاته بأعوام".

شيرين هنائي

وقالت الروائية والمترجمة وكاتبة الرعب شيرين هنائي إن الظاهرة ليست كتابات توفيق، ولكن رد فعل جمهوره العاصف إثر رحيله، حالة الجدل الواسعة التي وقعت، مَن يتساءل عن تفسير ومَن ينتقد ومَن يهاجم، ومَن يدير مناقشات حامية لمحاولة فهم سر الشعبية الجارفة التي تمتع بها الرجل، في محاولة للتقليل منها أو نفيها أو تقليدها، وهو ما استمرَّ لليوم، لكن مع الوقت ستنتهي العاصفة قليلًا إلى هبّات نسيم عليلة تدوم إلى الأبد".

قدَّم الدكتور أحمد خالد توفيق عشرات القصص للشباب عبر سلاسل الروايات التي كانت تصدر عن المؤسسة العربية الحديثة، وترجم أعمالًا كلاسيكية مهمة، بالإضافة إلى رواياته الأخيرة التي خاطب فيها فئات أكبر سنًا وطرَق موضوعات لم يعتد عليها جمهوره التقليدي، ومئات المقالات عبر الوسائط الورقية ومواقع التواصل الاجتماعي، غير مواقفه مع قرّائه ومريديه في مصر والوطن العربي التي انتشرت عقب رحيله، فماذا يتبقى من كل هذا؟

قال عبيه: "الباقي من أدب توفيق كثير؛ سلاسله الشهيرة، ورواياته التي لا تقف عند حدود عمرية مثل يوتوبيا وشآبيب، وحتى كتبه التي تضم المقالات بشتى أنواعها" وتابع: "كل هذه الكتب لا يزال أغلبها يتصدر قائمة الأكثر مبيعًا، ولا تزال صالحة للقراءة بشغف واستمتاع، ولا تزال مؤثرة في قطاع كبير من القراء، وأعتقد أن ذلك سيستمر سنوات طويلة، وهو ما يتطلع له أي كاتب؛ أن تعيش كتبه حتى بعد رحيله".

وأكدت نورا ناجي قدرة كتابات توفيق على البقاء، وأضافت: "وستبقى أيضًا ذكرياته مع قرائه وتلامذته ومن يحبّونه، ومن التقوا به وعاشوا معه، وبالنسبة لي، لا أنسى مواقفه وسيرته الطيبة بصرف النظر عن كونه كاتبًا، ولا توجد جلسة أو لقاء مع الأصدقاء لا تذكره فيها ونذكر أحاديثه".

وألمح غباشي إلى نقطة يراها تعبّر عن إرث توفيق قائلًا: "ما سيتبقى من أحمد خالد ما كتبه بصدق، وكل ما كتبه كان صادقًا وينفع الناس، وليست كتاباته وحدها التي كان صادقًا فيها، وإنما معاملاته أيضًا، ولقاءاته، وكل هذا سيبقى".

أحمد صبري غباشي

واتفقت هنائي مع غباشي في ما يخص السيرة الطيبة لتوفيق، وعلاقته الخاصة جدًا بقرائه، وألمحت إلى نقطة مثيرة، هي أن ما كتبه "ربما يكون المرجع الوحيد باللغة العربية للماورائيات كعلم لا خرافة، أمثال هادم الأساطير، E.S.P.E.R وغيرها، كما توثّق مقالاته بعض الأحداث -منذ الستينيات وحتى وفاته- بشكل ذكي وعفوي".

ولمست هنائي وترًا مهمًا بقولها: "وبشكل شخصي أعتبر أن السلاسل التي كتبها لليافعين والشباب ضرورية كمرحلة انتقالية بين قراءة قصص الأطفال والروايات الأكثر تعقيدًا، إذ تقدم أبطالًا يشبهوننا، بضعفهم ونواقصهم، وتغطي أحداثها أماكن وثقافات عدّة أراها مهمة لبناء وعي اليافعين وإعدادهم لمواجهة العالم وفهم الكتابات الموجهة للفئات العمرية الأكبر".

في حين قال ثابت: "بعد وفاته ببضعة أسابيع تواصلت معي جهة إنتاجية للظهور في فيلم وثائقي عن توفيق، وفوجئت في جلستي مع المنتجة العشرينية أنها لم تقرأ له سوى الاقتباسات المنتشرة على صفحات السوشال ميديا".

ومع ذلك يؤكد ثابت أن إرث توفيق -وإن كان بطبيعته متوقفًا عند حيز الجيل الذي خاض التجربة معه وشبّ على قراءة سلاسله، وفق قوله- سيبقى لسببين: "الأول التوظيف السياسي لرواياته الأخيرة البعيدة عن مضمار الرعب، وتحديدًا "يوتوپيا" من الإعلام المُعادي للنظام المصري وترويج الاقتباسات المقتطعة من سياقها عبر مئات الصفحات والجروبات والحسابات الشخصية المصطنعة، مما أدى لانتشار أكبر لاسم توفيق، لكن بعيدًا عن القيمة الحقيقية لمنجزه الثقافي، بل وربما يكون قد خصم منه، والثاني وهو الأخطر والأهم: الأثر الهائل الذي تركه في عقول قرائه وقلوبهم، وكثيرٌ منهم قد تحولوا بفضله إلى كتّاب ناجحين يفتخرون بأنهم من تلاميذ "العرّاب".

شريف ثابت

بهذا الأثر الكبير الذي تركه توفيق، وارتياده مناطق لعله يكون أوّل من طرقها، هل يوجد من يحل محله، أو يمثل بديلًا لقراء الشاب؟

تقول هنائي إنه ليس في وسع أي كاتب أن يملأ فراغ المساحة الكتابية لكاتب ناجح آخر، لهذا تُعتبر الكتب وسيلة للخلود في الحياة الدنيا، ولا يترك رحيل الكاتب فراغًا، بل يخلق مساحة لذوي المواهب كي يطوروا أشكالًا أخرى من الكتابات التي تتوافق مع متغيرات عصرهم، ويؤيدها ثابت مضيفًا أن "السبب الآخر لعدم إمكانية تحقيق ذلك أن الجمهور والسوق والآليات والثقافة العامة قد اختلفت، وأن هناك كتابًا شبابًا ناجحون الآن، لكن داخل مساحات خاصة بهم تلائم ظروف زمانهم المحكومة بقواعد مختلفة، في ما ستظل مساحة أحمد خالد توفيق مقتصرة على تجربته، بخصوصيتها ونبل طموحها وما حملته من سمات شخصيته المتفردة".

وقالت ناجي إنه يوجد أناس آخرون يأتون ويفعلون أشياء جيدة، لكن لا أحد يحل مكان أحد، وأكدت وجود كتاب رعب متميزين في الوقت الحاليّ، وألمحت إلى سلسلة "بوابات الجحيم" التي صدرت منها خمسة أجزاء، وتجمع بين الخفة والرعب والجمال. وذكر غباشي أن كل فنان له مساحته الخاصة، ومن يسير وراء أحد ليسد مكانه لا ينجح، وتابع "لذا لا أتمنَّى أن يحاول أحدٌ سلوك طريق توفيق، ولكن أن يظهر مبدعون أقوى وأفضل، وهو ما يتمناه العرّاب نفسه كما أعتقد".

وسار عبيه في الطريق نفسه، مبررًا ذلك بأن توفيق "لم يكن رائدًا في كتابة أدب الرعب بالعربية، أو روائيًا متمكنًا من أدواته بدرجة جعلته واحدًا من أوائل من كتبوا بالعربية في أدب (الديستوبيا)، أو كاتب مقال سياسي واجتماعي ساخر، أو حتى ناقدًا سينمائيًا مخضرمًا فقط، وإنما كان كل هذا وأكثر، وكان على تعدد مواهبه في الكتابة بكل فنونها تقريبًا، مشغولًا بهمٍّ إنساني ووطني وقومي، وإلى جوار هذا وذاك كان شديد التواضع، وغير مشغول سوى بالكتابة". وختم كلامه بقوله: "الموهبة في مصر لا تنضب بطبيعة الحال، لكن أعتقد أننا سنستغرق وقتًا طويلًا حتى يأتي أحمد خالد توفيق آخر".

محمد هشام عبيه

 

يبقى الدكتور أحمد خالد توفيق، علامة مميزة في تاريخ الأدب العربي، والحالة الإبداعية المصرية، وحتى بعد غيابه، لا يزال قادرًا على إثارة المناقشات والأفكار، ودفع محبيه ومنتقديه -على حد سواء- إلى الحديث بشأنه، ومناقشة إرثه، وهي الحالة التي أحسب، وفقًا لما لمسناه من آراء، سوف تستمر فترة لا بأس بها من الزمان، ولعل هذا هو أهم ما تركه توفيق في النهاية: الاشتباك والنقاش من أجل فهم ما يجري حولنا وتعلم دروس ربما تنفعنا في قادم الأيام.

للتواصل مع الكاتب