الطريق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 09:53 مـ 14 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

السرقات الأدبية والبحثية... هل تتساهل مصر في تطبيق القانون؟

السرقة الأدبية والعلمية
السرقة الأدبية والعلمية

إيهاب الملاح: جمال الغيطاني لم يسرق ابن إياس وأسس لشكلٍ روائيٍّ جديدٍ

د.حمدي النورج: الاتهام بالسرقة أصبح وسيلة ضغط على بعض المبدعين والباحثين!

د.رضوى زكي: بعض أساتذة الجامعة يسرقون أبحاث طلابهم!

رانيا شكري: السارق يعاني من تقدير مُنخفض للذات ولا حلّ إلا فضحه معاقبته بالقانون

ليست السرقات الأدبية أو البحثية ظاهرة جديدة أو معاصرة، فلها جذور عميقة في أدبنا القديم، كالذي وقع مثلًا بين امرئ القيس وطَرَفة بن العبد، إذ يقول امرؤ القيس: (وقوفًا بها صحبي على مطيّهم/ يقولون لا تهلِك أسىً وتجمَّلِ) وهو ما أخذه طرفة بن العبد في معلِّقته الشهيرة وقال: (وقوفًا بها صحبي على مطيِّهم/ يقولون لا تهلك أسى وتجلّدِ).

وفي العصر الحديث، ومع سهولة الوصول إلى المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وغيبة الرادع والرقيب وبالتأكيد الوازع الأخلاقي، أصبحنا نسمع كل يوم حكاية جديدة عن سرقة المنشورات ووضع كلمة "منقول" عليها، أو الأسوأ وضع اسم المنتحل، وتلقيه الثناء والتقريظ من متابعيه بكل فخر!

هذا طبعًا غير سرقة الأعمال الأدبية ونسبتها إلى غير أهلها، سواء العمل بأكمله، أو بعضه. وخلال الشهور الماضية، تفجَّرت قضية عضو اتحاد الكتاب الذي أصدر ديوان شعر، وبه قصيدة (اختاري) الشهيرة لنزار قباني، التي غنَّاها كاظم الشاعر، مُزيّلة باسمه، وبعدها بفترة وجيزة تعرَّض محرِّر "الطريق" لأمر مماثل عندما أرسل إليه أحد القراء قصة يوسف إدريس الشهيرة "بيت من لحم" للنشر في الجريدة باسمه!

فما حدود السرقة الأدبية؟ وما الفارق بينها وبين التناص؟ وما الذي يدور في ذهن المنتحل عندما يُقدم على مثل هذه التصرفات؟ وهل يعتمد على جهل المتلقي أم عدم يقظته وقلّة تدقيقه؟ وكيف يتصرَّف إثر انكشاف أمره؟ وهل يمكن أن يُكرَّر فعلته مرة أخرى، أم أنه يكتفي عادة من الغنيمة بالإياب؟

يقول الكاتب الصحفي والناقد الأدبي إيهاب الملاح، إن السرقة هي النقل المباشر، أي أخذ نص كامل ونسبته إلى غير صاحبه، أما النقل في سياق موضوعي مع الإحالة للمصدر، فلا بأس به، وإن كانت له ضوابط تحكمه، من ناحية الكم، وطريقة التوثيق.

وأيَّدته د.رضوى زكي، الباحث الأكاديمي في الآثار الإسلامية بمكتبة الإسكندرية، بقولها إنه لا مشكلة في الاقتباس، شرط أن تضع ما اقتبستَه بين علامتي تنصيص، وتوثِّقه في الهامش، أي تكتب المصدر بشكل يمكن الرجوع إليه لمن يحب.

ولفتت إلى وجود نسبة معينة يجب ألا يجاوزها الكاتب عندما يقتبس، وإلا أصبح سارقًا، وتابعت: "لكن للأسف بعض الباحثين ينقلون الفكرة عينها، أو صفحات بأكملها كما هي، مع تغيير طفيف في بعض الكلمات" وفجَّرت مفاجأة بقولها: "وللأسف يحدث هذا تحت مسمع ومرأى ومسمع من أساتذة الجامعة، لأن بعضهم يفعل الأمر نفسه، بل ويأخذ أبحاثًا من الطلبة وينسبها لنفسه!"

حمدي النورج

وعن مدى انتشار السرقة الأدبية في عصرنا اليوم، يقول د.حمدي النورج، أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون: "كان الناس يُطلقون مصطلح السرقة الأدبية على شطر بيت أو ربما معنى ضمني أو لفظة تحركت من مكانها واتّسقت في مكان آخر بجوار أختها وفي موضوع بعينه. الآن تستطيع أن تسميها السرقة فقط، دون أدبية، لأنها استشرت وتكيَّفت وتعددت وتلونت".

وتعرَّض الملاح إلى طريقة تعامل الكتاب الكبار مع الإرث الأدبي، وتحديد معنى التناص، يقول: "في الإبداع، الأمر أكثر تعقيدًا، مثلًا نص مثل الزيني بركات، أورد فيه مؤلفه جمال الغيطاني صفحات كاملة من تاريخ ابن إياس، فهل يمكنني القول إنه سرقه؟ بالتأكيد لا، فما فعله الغيطاني يُسمّى في اللغة العربية "التناص"، أو تشبيك النصوص ببعضها، لتحويلها إلى نص آخر جديد مختلف عن النص الذي استُقي منه، له سماته وخصاصه المستقلة. الغيطاني بنى أجزاء من نصه في سياق نص تأسيسي، شق به طريقًا مختلفًا للرواية العربية التي تبحث عن شكل خاص يستلهم الجذور القديمة".

وحرص على التأكيد: "وهذا يختلف بلا شك عمن يأخذ نصًا كاملًا وينسبه لنفسه دون أي إضافة أو توظيف أو تشبيك".

ونظر النورج إلى زاوية أخرى من الموضوع قائلًا: "لقد أصبح اتهام بعضهم بالسرقة وسيلة ضغط على بعض المبدعين وكذلك الباحثين، فأسنِد الأفكار إلى أهلها والأقوال إلى أصحابها، وخذ ساترًا ومُر كما مرَّ أصحاب النصوص الأخرى الذين قالوا نحن هنا لكن هؤلاء هناك".

وحذَّر من التسرع وطالب بالتثبت والاستيثاق جيدًا قبل اتهام أي أحد: "لا داعي لاتهام بعضنا والتشهير بأحدنا الآخر قبل التيقن، كلنا ننتهب من غيرنا وإن لم يكن من بطن حضارتنا فمن النهش في حضارة الآخرين".

 

أما عن الفارق بين تعامل المصريين والدول العربية مع ظاهرة السرقة الأدبية، وتعامل الغرب، قالت زكي: "في الخارج، حال اكتشاف السرقة العلمية، يتعرَّض المنتحل لعقوبة شديدة، لأن هذا ضد النزاهة الأكاديمية، ولديهم مواقع وبرامج مخصصة يمكنهم عن طريق البحث خلالها اكتشاف هذه السرقات، والمحاسبة عليها، لكن في مصر للأسف توجد حالة من التراخي والتساهل بخصوص السرقات العلمية".

وذكرت أنه حتى رسالتها للدكتوراه، يخبرها أساتذتها للآن بمحاولات عديد من الباحثين استخدام موضوعها نفسه وتسجيله باسمهم، مع نية تغيير أجزاء منه، للإيحاء باختلافه، وتابعت: "بل إن بعضهم كان يتواصل معي شخصيا لطلب مراجعي والاستعانة بأجزاء كاملة من الدراسة، دون أي حياء أو مواربة، كأني (ببيع دُرَة)".

وعن تعرضها للسرقة فعليًا، أكَّدت أنها أعدَّت بحثًا عام 2015 عن الحوض المرصود، أحدث ضجة حال نشره، ثم وجئت بسرقته ونشره عبر منصات عديدة معنية بالتاريخ والتراث، يعني يفترض بها التدقيق والتقصي، لكن هذا ما لم يحدث بالتأكيد!

فهل الحل إخفاء المُنتج الإبداعي كي لا يتعرض للسرقة؟ وهل يمكن تطبيق ذلك بالفعل، يقول النورج: "من الصعوبة اليوم أن تخفي بضاعتك الأدبية لأن فعل الخفاء لن يُولّد إلا خفاء ومن ثمَّ موتًا، كان الشعراء قديمًا لا ينطقون إلا في حضرة الخلفاء وكان كلامهم يُوزن بالذهب فصلُح أمر الشعر وازداد النظر فيه، فما يوزن بذهب يجب أن يكون كذلك".

ونصحت زكي الباحثين ممن يكتشفون سرقة أبحاثهم التحلي بالشجاعة والإصرار على فضح السارقين والمطالبة بعقابهم، هذه هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الحقوق.

رضوى زكي

وعاد النورج ليؤكد أن السارق لا يكتفي بالسرقة فقط في بعض الأحيان، بل يتخطَّى ذلك إلى فعل أكثر جرأة وهو انتقاد مَن سرقه لمداراة فعلته، يقول: "أشد أنواع السرقات أن تسرق بلا إحالة وأن تسرق ثم تعيب وأن تسرق ثم تُحيل لنفسك كل شيء وأن تسرق وتعتقد أنك المفكر. فقط كان المفتاح يلف في اليمين فجعلته يلف في الفضاء!".

وعن الحلول المقترحة لمكافحة هذه الظاهرة، تقول زكي: "أول شيء تعظيم فعل السرقة، وتأكيد أن رأس مال الباحث النزاهة العلمية، فإذا تجرد منها فماذا يتبقى له؟ والثاني سن قوانين حقيقية تردع المجترئين وتدفعهم للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على هذا الفعل المشين، والثالث عمل قاعدة بيانات لسجّلات الماجستير والدكتوراه، فهي للآن ورقية، من ثمّ يمكن لأحدهم ادِّعاء أنه لم يكن يعرف أن أحدًا سجل رسالة بالعنوان والموضوع نفسه الذي يعالجه".

ويشايعها النورج بقوله: "سرقات البحث العلمي يجب أن يحكم فيها قانون حاسم بالرفض قولًا واحدًا وما يترتّب على فعل السرقة من حقوق مادية ومعنوية".

وعن سيكولوجية السارق، وكيف يتقبل نفسه، تقول الاستشارية النفسية رانيا شكري: "أعتقد أن رغبة أي إنسان في سرقه المجهود الفكري والأدبي لآخر، رغبة في أن يراه الناس وينال قبولهم، حتى لو عن طريق سرقة مجهود آخرين وهو ما ينم عن تقدير ذات منخفض".

وتابعت: "أعتقد أنه في أحيان كثيرة، يكون غير مهتم إذا انكشف أمره من عدمه، فرغبته في أن يراه الآخرون وسماع كلمات الإطراء أهم كثيرًا من أن يضع فكرة انكشافه في الحسبان، أعتقد أنه لا يعطي أهمية لفكرة انكشاف سرقته ظنًا منه أن المتلقي لن يربط أو يرى أوجه الشبه".

وعن ردود فعلهم عندما ينكشف أمرهم، تؤكد شكري أن معظمهم يتصرف بشكل لا مبالٍ وقتها، وهي وسيلة دفاعيه للتغطية على الموقف، أو بسبب الإحساس بالخزي، وبالتأكيد يحاول أن يثبت أن السرقة غير مقصودة، أو أن الآخر يبالغ في رده الفعل، وبعضهم يختفي تمامًا ويهرب من المواجهة وتحمل عواقب فعلته.

وعما إذا كان يمكن لم يُضبط متلبسًا بالسرقة أن يكرر فعلته، تقول شكري: "أعتقد ما دام الشخص لم يعالج مما يدور بداخله، والسبب الرئيسي الذي جعله يلجأ إلى السرقة في المرة الأولى، فإن هذا الفعل قد يظل يتكرَّر، ولا رادع سوى كشفه وفضحه أمام الجمهور، أو أن تتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة".

رانيا شكري

إن السرقة الأدبية والعلمية، لا تُكرِّس فقط للاستسهال والتراخي، وتضيع ثمرات العقول ونتاج سنوات الدراسة والتقصي والإبداع، لكنها إن ظلت دون رادع هكذا، فسوف تضرب فكرة البحث الجاد في مقتل، وتُجرّئ الأراذل على تجربتها، كما تصم المطبوعة أو المجلة التي تُنشر فيها، وتمثل إهانة لمجتمع البحث العلمي، فما أحوجنا إلى سنِّ تشريعات حاسمة وواضحة تنتصف للعلم وتعاقب المذنب وتحمله نتيجة عدم نزاهته وخيانته الأمانة.

للتواصل مع الكاتب