توقعات بعواقب كارثية على الاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية العالمية

تواجه الحكومة الأمريكية أزمة مالية تهدد بتخلفها عن سداد الديون أو الالتزامات الداخلية أو الخارجية رسميا في سابقة لم تحدث في التاريخ الأمريكي، وذلك بسبب الخلاف الطاحن بين الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي في الكونجري الأمريكي حول تعليق سقف الدين الخارجي أو رفعه، ومنها تعنت الحزب الجمهوري في تمرير القرار، ورغم انتهاء الخلاف بين الحزبين وموافقتهم على قرار برفع سقف الدين عند مستوى 28.4 تريليون دولار، مع اقتراب موعد 18 أكتوبر وهو الموعد الذي حذرت فيه وزارة الخزانة أنها لن تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وأعلن زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، أنه جرى التوصل إلى اتفاق لتجنّب تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وبحسب وزارة الخزانة، فإنه سيتم بلوغ هذا الحد في 18 أكتوبر الحالي، إلا أن استمرار الحكومة الأمريكية في رفع سقف الديون، ينذر بكارثة مستقبلية، مما يشكل تهديدا صارخا قد يدمر الاقتصاد الأمريكي، وربما تحدث أزمة اقتصادية عالمية أعنف من سابقتها في عام 2008، حيث تسببت وقتها أزمة الرهونات العقارية في كارثة اقتصادية عالمية، تأثرت بها اقتصادات الشرق والغرب على حد سواء.
وزاد سقف الدين الحالي البالغ 28.4 تريليون دولار، بعد تصويت الكونجرس بواقع 480 مليار دولار، والمتوقع أن ينفد هذا المبلغ في الثالث من ديسمبر القادم، الذي ينتهي فيه التمويل للبرامج الاتحادية لسد الفجوة، مما يوجب التوصل إلى حل وسط بشأن الإنفاق حتى سبتمبر 2022، وأيضا تجنب أزمة جديدة بشأن سقف الدين.
بدأ الكونجرس الأمريكي وضع سقف للدين الخارجي مع الحرب العالمية الأولى 1917 للسماح للحكومة الأمريكية بالاقتراض ضمن السقف المسموح به بناء على الإنتاج المحلي الإجمالي بسبب ما تطلبته الحرب من تكاليف تسليح وغيرها من شئون الحرب، حيث كان المتبع قبل الحرب العالمية الأولى أنه إذا أرادت الحكومة الاستدانة كانت تطلب من الكونجرس الموافقة على كل قرض تطلبه الحكومة الأمريكية مما يستغرق وقتا، ومع الحرب العالمية الأولى كانت هذه الطريقة غير مجدية، لذلك قام الكونجرس بتفويض وزارة الخزانة للاستدانة ضمن سقف الديون المسموح به دون الرجوع للكونجرس، وتم رفع سقف الديون 80 مرة منذ عام 1960 حتى الآن حتى وصل حد الدين إلى 22 تريليون دولار بسبب زيادة التزامات الحكومة الأمريكية آخرها كان في أغسطس عام 2019 حيث قام بتعليق سقف الدين لمدة سنتين، والذي سمح للحكومة الأمريكية بالاقتراض غير المحدود وبأي مبلغ خلال سنتين، وانتهت فترة السنتين في 31 يونيو الماضي، حتى وصلت الديون إلى 28 تريليون و 430 مليار دولار وهذا المبلغ أكثر من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن الناتج الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020 وصل إلى 20.9 تريليون دولار، وبعد انتهاء مدة التعليق عاد سقف الدين للحد المتفق عليه وهو 22 تريليون دولار، أصبحت الحكومة الأمريكية غير قادرة على الإقتراض حيث أن عجز الموازنة وصل إلى أكثر من 3 تريليون دولار في السنة المالية في 31 سبتمبر الماضي، وأغلب الاقتراض خلال السنيتين الماضيين كانوا بسبب جائحة كورونا وتخفيض الضرائب في عهد دونالد ترامب.
يؤثر عجز الموازنة الأمريكية على الاقتصاد رغم الضرائب المحصلة بمقابل الالتزامات المطلوبة، لذلك قامت الحكومة الأمريكية بعمل قرارات استثنائية لتقليل النفقات، بالإضافة إلى الإقتراض بناءا على قرار الكونجرس الأخير برفع سقف الدين.
ويعتبر تفاقم الدين الأمريكي واستمرار الاقتراض في صالح الصين اقتصاديا، والذي كان ضمن الخلافات بين الحزبين السابقة للقرار بالإضافة إلى اعتراض الجمهوريين على أجندة جو بايدن بإنفاق 3.5 تريليون دولار.
تستطيع وزارة الخزانة إصدار قرارات كحلول مؤقتة للأزمة ومنها صك عملات فضية والإنفاق منها ولكن هذا الحل مستبعد في الوقت الحالي.
ورغم رفع سقف الدين إلا أن المشكلة لا تزال قائمة إذا لم يزيد الولايات المتحدة الأمريكية الإنتاج المحلي الإجمالي، لأنه مع زيادة إلتزامات الحكومة ستصل الديون للدرجة التي تستنزف الناتج الإجمالي مما سيحدث ركود عام، هذا بالإضافة إلى أن هناك 50 مليون مواطن متقاعد من كبار السن ستعجز الحكومة عن دفع مستحقاتهم، وقد تتوقف رواتب الجنود، فيما النتيجة الأكثر هولاً هي فقدان ثقة العالم في الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية، وظهور أميركا بمظهر الأمة الضعيفة مما ينبئ بكارثة خطيرة، حيث ارتفعت الديون الأمريكية بنسبة تخطت 400%، خلال 20 عامًا بما يعادل 6 أضعاف الديون الفيدرالية خلال عام 2000، والتي قدرت بنحو 5.6 تريليون دولار وصلت بعد 20 عام خلال العام الجاري2021، لنحو40 تريليون دولار، بزياده قدرت بنحو 10 تريليونات دولار عن عام 2020 والتي كان مقدر أن يتوقف عندها الدين عند 30 تريليون دولار.
كما انخفض التوظيف في التعليم الحكومي المحلي بمقدار 144000، والتعليم هو أحد أرباب العمل الرئيسة للمرأة، وتشير البيانات إلى أن سوق التوظيف النسائي فقدت نحو 26 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، بينما حصل الرجال على وظائف بأعداد كبيرة.
قال مكتب الميزانية في الكونغرس، إن عبء الدين سيتضاعف على مدى الثلاثين عاماً المقبلة، ليبلغ 202% من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2051، مع نمو العجز وارتفاع أسعار الفائدة.
وبدأت كارثة الديون الأمريكية هذا العام، حيث توقع مكتب الميزانية أن تصل الديون إلى 102% من الناتج الإجمالي، وأن ينمو العجز بدءاً من عام 2030 ليصل إلى 7.9% بحلول 2041، ثم يتصاعد إلى 11.5% في الفترة ما بين 2041 و2050.
وفي تقرير لصحيفة "ذا هيل" الأميركية، وجه الكاتب ستيفن مور، نقداً شديد اللهجة لسياسة الاستدانة التي يتبعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتماداً على انخفاض أسعار الفائدة.
فقد رصدت الإدارة الأميركية 6 تريليون دولار كنفقات ضمن ميزانيتها، وقد ترتفع إلى 8 تريليون دولار، ومنتظر أن يتم إقرار ضريبة بقيمة 2 تريليون دولار على الأثرياء، ومتوقع أن ترتفع الديون إلى 7.6 تريليون دولار، وهو أكثر من الديون التي تراكمت على الرؤساء الأميركيين الأربعة السابقين.
وأشار "ستيفن مور" إلى أن أطفال أميركا سيولدون والديون تلاحقهم، وعندما يولد طفل أميركي جديد سيكون مطالباً بسداد 150 ألف دولار من ديون بلاده حال توزيعها على المواطنين.