الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 07:01 مـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

السيناريست الكبير ناصر عبد الرحمن يكتب: محطة فسدق

فستق أو فسدق كما نقول في مصر

ملامحه تشبه الفستق

لا ينطق إلا القليل من الكلام

يبتسم بتلقائية.. يأكل القليل ويشرب بلا توقف

فستق يحب الماء...

يسكن خرابة سعاد...

كان بيتًا جميلًا به نخلة وشجرة نبق

ما زال طرحها مثمرًا جميلًا

يعيش فستق بين النخلة وشجرة النبق

لسور الخرابة شباك ومشربية وباب خشبي وثلاثة عمدان

كلما يحاول سكان الحارة

رمي الزبالة والحجارة والركام

داخل الخرابة

يقوم فستق من نومه قبل الفجر

يكنس ويحمل على كتفه الركام خارج الخرابة

يرمي السكان وينظِّف فستق

حتى جاءت سعاد ذات صباح

تثبت فستق في المكان

وتعلن بصوت وتحذير أن فسدق مكانها في الأرض

كل صباح يخرج فستق من الخرابة

يملأ كفيه بالنبق يوزِّعه على أطفال الحارة

في أثناء ذهابهم إلى المدرسة

وهو يتمتم في فرح

فسدق فسدق فسدق

فصار اسمه فسدق

حتى نسي الناس اسمه الحقيقي

فستق يعمل على مرجيحة

عند سيدي فرج

ولما اختفت ذات ليلة

لم يعد يعمل فستق أبدًا

يأكل النبق ويشرب الماء..

دائمًا تسخر منه النساء..

ويهاجمه الشباب

في كثير من الليالي

يصارع بائعي المخدرات

ويصاب بسكين أو بحجر أو يقيدونه في النخلة

في أحد الأيام بعد مقاومة تاجر مخدرات

ضُرٍب بسنجة وتُرِك ينزف..

لم يسانده أحد.

لكن صوَّره صبي

وأطلق صورة دون إنقاذه.

يسقط فستق وقلبه لا

يصطدم رأسه بطين الأرض وعيناه لا

ينظر إلى السماء وقت الفجر

ويعرض جرحه للندى

بعد أيام تختفي جراحه بماء الندى

ليظهر فستق من جديد يبتسم كما كان.

وفي يوم آخر

يبصق على وجهه شاب

كان يريد دخول الخرابة بصحبة فتاة

يمسح فستق وجهه وينظر للسماء

فتجيبه السماء بالمطر

تصالح قلب فستق

الذي يرقص حول الشجرة والنخلة

يرتوي من المطر

يخرج فستق من بين الشجر

يحمل النبق للأطفال..

يُفاجأ فستق بطفل وجهه كالملاك

ويعطي فسدق لعبة الفقاعات (بابلز)

فستق وهو متردد حائر

يختفي الطفل بين الأطفال..

يفرح فستق باللعبة يجري بها

حتى مخبئه بين النخلة وشجرة النبق.

ينفخ فستق في الأنبوبة البلاستيك

فتخرج فقاعات..

تملأ الفضاء من حوله

العجيب أنه ظلّ ينفخ في الأنبوب وظلت الفقاعات تخرج وبلا توقف

تطير في أحجام كثيرة

تملأ المكان

حتى أصبحت المساحة كلها فقاعات

بأحجام متباينة كأنها حية

مرنة لا تنفجر

يدخل فستق داخلها فتستقبله الفقاعة

يصبح داخلها سعيد يضحك يطير ويسبح

ينام داخل الفقاعة

وإذا أراد الطيران

تطير به الفقاعة

يشاهد الأطفال في يوم خروجهم للمدرسة

يلعبون مع فستق في فرحة

لتتحوَّل الخرابة إلى مزار

يشاهد الجميع فقاعات فستق

وتبدلت السخرية منه

إلى تبرك وخوف

يزوره العلماء للعلم والدرس

ويزوره رجال الدين للدليل والبرهان

ويزوره الأطفال للعب والانبساط

ويزوره المحتال ليكسب المال

أما سعاد فتضع مكتبًا وآلة حاسبة

وتأشيرة دخول.

الحي يبدل اسم الحارة...

إلى حارة فسدق

الأتوبيس والميكروباص

والمنادي

ميدان فسدق

شارع فسدق

حارة فسدق

محطة فسدق

ولم يفكر أحد أن يطمئن على فستق

الكل مشغول بالفقاعات

الذي امتنع عن شرب الماء وأكل النبأ

اختفى فسدق داخل إحدى الفقاعات

لم يشعر به أحد

ولم يبق من فسدق

غير اسم "محطة فسدق"

اقرأ أيضًا: السيناريست الكبير ناصر عبد الرحمن يكتب: السمكة الفضية (أ. ب. ج. د)