الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 03:35 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الهندرة Reengineering

قد تبدو كلمة الهندرة غريبة على أسماع الكثير منا ولا غرابة في ذلك، فهي كلمة عربية جديدة مركبة من كلمتي هندسة وإدارة، وهي تمثل الترجمة العربية في بداية التسعينيات للكلمتين، (Business Reengineering)

وقد ظهرت بالتحديد في عام 1992م، عندما أطلق الكاتبان الأمريكيان "مايكل هامر" و"جيمس شامبي" الهندرة كعنوان لكتابهما الشهير (هندرة المنظمات)، ومنذ ذلك الحين أحدثت الهندرة ثورة حقيقية في عالم الإدارة الحديث بما تحمله من أفكار غير تقليدية، ودعوة صريحة إلى إعادة النظر -وبشكل جذري- في جميع الأنشطة والإجراءات والاستراتيجيات التي قامت عليها الكثير من الشركات والمنظمات العاملة في عالمنا اليوم.

لقد اعتاد الكثير منا الذهاب إلى عمله يوميا وممارسة المهام والمسؤوليات المنوطة به، سواء كانت على شكل خدمات للجمهور أو أعمالا إدارية وتشغيلية وغير ذلك، ولكن هل حصل أن توقف الواحد منا فترات محدودة وسأل نفسه لماذا أقوم بهذا العمل؟ وما فائدة هذا العمل للعميل أو المستفيد الأخير من الخدمة أو العمل؟ هل ما أقوم به ذو قيمة مضافة تساعد على تحقيق رسالة وأهداف المؤسسة التي أعمل بها؟ وإذا كانت الإجابات بنعم، فهل تابع الأسئلة: هل هناك طريقة أفضل لتقديم هذه الخدمة أو القيام بهذا العمل؟

إن هذه الأسئلة على بساطتها في غاية الأهمية، وهي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها مفهوم الهندرة والتي تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في أساليب وطرق العمل بالمنظمات لتتناسب مع إيقاع ومتطلبات هذا العصر، (عصر السرعة والثورة التكنولوجية).

ولعل من المناسب أن نورد هنا قصة طريفة وواقعية حصلت في إحدى الشركات المحلية وتدلّ على أهمية المراجعة الدورية وضرورة التفكير في ما نقوم به من أعمال رتيبة، بدأت القصة عندما راجع أحد المستشارين بالشركة أنشطة ومهام أحد الأقسام، حيث يقوم العاملون في هذا القسم بتسجيل كافة البيانات المتعلقة بقطع الغيار المستوردة في دفاتر يتم حفظها بصفة دورية رتيبة، وعند سؤال العاملين لماذا يقومون بهذا التسجيل؟ كانت الإجابة التقليدية بعد قليلٍ من الحيرة والذهول إنه طلب منا القيام بهذا العمل منذ التحاقنا بهذا القسم وعليك سؤال المشرف فهو أدرى بالسبب، وكانت المفاجأة تكرار الحيرة والذهول لدى مشرف القسم!

وبالتحري والاستقصاء لمعرفة جذور هذا العمل، اتضح أن هذه الشركة قد ورثت نظامها الإداري من شركة أجنبية ينص النظام في بلدها أن يتم التسجيل بهذه الصورة لتتم مراجعة وفحص هذه السجلات بصفة دورية من موظفي مصلحة الضرائب بتلك البلد، بينما نحن في بلد ليس به ضرائب أو محصلو ضرائب، ولكم أن تتخيلوا مدى الهدر في الوقت والجهد والقوى البشرية الذي نجم عن هذه الممارسة الروتينية والتقليدية للأعمال والمسؤوليات دون مراجعة أو إعادة تفكير! وهو ما تسعى الهندرة إلى تحقيقه ليقوم العاملين بأداء الأعمال المفيدة وبالطريقة الصحيحة التي يريدها العميل ويتطلع إليها.

كما يجدر بنا ونحن بصدد الحديث عن الهندرة أن نتطرق الى إحدى قواعد الفكر الإبداعي، وهي قاعدة الخروج من الصندوق (Out Box)والتي تحض العاملين على الإبداع في أعمالهم والتخلص من قيود التكرارية والرتابة والنظر إلى الأمور المحيطة نظرة شمولية تساعد على تفجير الطاقات الإبداعية الكامنة في كل فرد منا.

إن رياح التغيير التي تجتاح عالم الأعمال اليوم هي الدافع والمحرك الحقيقي لمشاريع الهندرة في العالم أجمع.

وقد أظهرت نتائج مسح عالمي شمل عددا كبيرا من التنفيذيين في الشركات العالمية خلال التسعينيات، أن الهندرة كانت على رأس قائمة الجهود التي بذلتها الشركات والمنظمات المختلفة لمواجهة المتغيرات التي تجتاح السوق العالمية، ويكفي أن نعرف أن مجموع ما صرفته الشركات الأمريكية فقط لمشاريع الهندرة خلال هذا العقد قد تجاوز الخمسين مليار دولار أمريكي!

وهو استثمار كبير قامت به الشركات لقناعتها بأن العائد على هذا الاستثمار سيكون أكبر بكثير، وهو ما تحقق فعلًا لكثير من الشركات، ولا عجب إن قيل "إن التغيير ثابت" وهي جملة صحيحة وصادقة بكلمتين متناقضتين، فالتغيير شمل كل جوانب الحياة العملية ابتداءً من العميل ومرورًا بالمنافسين وانتهاء ببيئة العمل المحيطة بنا، ففي ما يخص العميل أو الزبون كما يسميه البعض لا يختلف اثنان أن عميل اليوم ليس عميل الأمس، فعميل اليوم كثير المطالب واسع الاطلاع، صعب الإرضاء، سهل الفقدان، إرجاعه والاحتفاظ به مكلف، وما هذا إلا نتيجة طبيعية للثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي زادت من ثقافة العميل بالمنتجات والخدمات من حوله، كما أن المنافسة الشديدة في أسواق اليوم جعلت الحاجة إلى التغيير المستمر ضرورية ولازمة من أجل البقاء والاستمرار.

رياح التغيير التي تجتاح بيئة وأسواق العمل محليًا ودوليًا حدث ولا حرج، فالعولمة واتفاقيات التجارة الحرة والتوجه إلى الخصخصة وحرب الأسعار وقصر عمر المنتج والخدمات في الأسواق نتيجة التطوير والابتكار المستمر يجعل الطريق صعبًا أمام الشركات التقليدية والرافضة للتغيير نحو الأفضل.

وهنا تبرز أهمية الهندرة، كأحد الأساليب الإدارية والهندسية الحديثة التي تساعد الشركات على مواجهة هذه المتغيرات وتلبية رغبات وتطلعات عملائها في عصر لا مكان فيه للشركات والمنظمات القابعة في ظل الروتين والبيروقراطية الإدارية، مع النظر إلى العملاء من برج عاجي مكدس بالأوراق والمعاملات والإجراءات المطولة التي أكل الدهر على بعضها وشرب.

ولعل أشهر وأبسط تعاريف الهندرة هو التعريف الذي أورده مؤسس الهندرة "مايكل هامر" و"جيمس شامبي" في كتابهما الشهير (هندرة المنظمات) والذي يقول:

الهندرة هي إعادة التفكير بصورة أساسية وإعادة التصميم الجذري للعمليات الرئيسية بالمنظمات لتحقيق نتائج تحسين هائلة في مقاييس الأداء العصرية: الخدمة والجودة والتكلفة وسرعة إنجاز العمل.

ولتبسيط هذا التعريف فإنه يمكن ملاحظة اشتماله على أربعة عناصر أساسية وهي:

١- إعادة التفكير بصورة أساسية، وقد تطرقنا إلى هذا الأمر"Fundamental Rethinking"

٢- إعادة التصميم بصورة جذرية، فالهندرة تسعى لإيجاد حلول جذرية لمشكلات العمل لا حلول سطحية ومؤقتة.

٣- نتائج تحسين هائلة، فالهندرة تسعى إلى نتائج هائلة من التحسين، ولا تكتفي بالتحسين الطفيف للأداء أو السطحي.

٤- التركيز على العمليات الرئيسية "Processes"

إذ تتميز الهندرة بالتركيز على العمليات الرئيسية وليس الإدارات أو المهام فقط، فالعمليات أشمل وأكبر وتغطّي سلسلة الإجراءات المتعلّقة بالعمل ابتداء من طلب العميل وانتهاء بتقديم الخدمة المطلوبة مرورًا بجميع الأقسام والإدارات ذات العلاقة، بما يحقق الصورة الكبيرة والشاملة لأعمال المنظمات والشركات العاملة في عالمنا اليوم.