الطريق
السبت 20 أبريل 2024 11:06 صـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

من العبث إلى العجائب.. شمروخ يرصد بداية ونهاية نجيب محفوظ الفيلسوف

محمد شمروخ
محمد شمروخ

أكد الكاتب الصحفي والقاص محمد شمروخ، أن الأديب نجيب محفوظ لم يكن يؤهل نفسه ليكون روائيا، وذلك بحسب حواراته وأحاديث عديدة أجريت معه، حيث كان مخطط "محفوظ" بعدما التحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب أن يستكمل مشواره مع الفلسفة، حتى أنه استعد لما بعد حصوله على الليسانس، ليعد دراسة للماجستير عن "علم الجمال في الفلسفة الإسلامية".

وأضاف "شمروخ" في دراسة أعدها خصيصا لـ "الطريق"، أن مسار الحياة حول حياة نجيب محفوظ إلى الرواية، مع أنه انهمك في الوظيفة التي التحق بها عقب التخرج وكان حرصه الأساسي أن يسلك الطريق التقليدي للموظف المصري.

وتابع: "نجيب محفوظ صار روائيا بعد نجاح رواياته الأولى التي أبانت عن مكامن في هذا الموظف ربما لم يتحسسها جيدا في نفسه ولم يرسم طريقه على هدى من ارتجاء تحققها".

مع ذلك فإن كان نجيب محفوظ قد أهمل الفلسفة من أجل الوظيفة وجنب الوظيفة من أجل الرواية، إلا أن الفلسفة لم تهمل نجيب وظل الموظف حاضرا بداخله باستمرار طوال مراحل حياته حتى أحيل إلى المعاش.

شخوص روايات نجيب محفوظ

وأكد أن نجيب محفوظ صار يلبس شخوص وأحداث رواياته وقصصه أفكارا فلسفية، هي التي أعطت محفوظ نكهته الحقيقية كأديب، فعالم الرواية كان ثريا بالروائيين في حقبة محفوظ الطويلة، لكن الصبغة الفلسفية كانت واضحة في إنتاجه حتى في أشد أعماله واقعية.

وتابع: "لست مع أولئك الذين يقسمون إنتاج نجيب محفوظ إلى مراحل بداية من (عبث الأقدار) سنة 1939، وهي أول رواياته التاريخية بعد مفتتح طريقه في وحتى (أحلام فترة النقاهة) سنة 2004، كانت مقاماته الفلسفية واضحة واختياره للأحداث والمواقف والشخصيات يدور في أفكار فلسفية كلية يمزجها محفوظ بعبقرية منقطعة النظير مع شخصياته ووقائع قصصه".

همس الجنون

وفي مجموعته التي تم طبعها تحت اسم "همس الجنون" تبدو الحداث منتظمة في إطار فلسفي تلعب المأساة دورا فيه، حتى في قصة همس الجنون تبدو نظرته الفلسفية عميقة للواقع وللإنسان من خلال رؤية اختلال عقلي يعيد تشكيل الوجود أمام البطل، فيصير كأنما الجنون يهمس همسا!.

والقصة وحدها وكذلك بقية المجموعة التي كانت أول مجموعة قصصية يكتبها محفوظ تهدر بالدلالات العميقة التي تحلق في سماوات الفلسفة "همس الجنون، الزيف، الشريدة، خيانة في رسائل".

ثمن الضعف

وأضاف أن أول قصة كتبها ونشرها في 3 أغسطس سنة 1934 بعنوان "ثمن الضعف" كانت قصيرة تناسب النشر في مجلة "المجلة الجديدة" باسم أديب ناشئ لا يعرفه أحد، مع ذلك كانت القصة على قصرها تحمل معاني عميقة من خلال بطلها الذي نشأ في أسرة بين أب مضطرب المزاج والصحة وأم رؤوم حنون وأقران يستغلون ضعفه سوى واحد منهم كان قويا للدرجة أن شمله بحمايته.

وكان الأقران يلقبونه بـ"الفتوة" وصار كالمرشد له برغم تماثل العمر، وكان أن عشق البطل الضعيف فتاة جميلة "بهية" لكن الفتاة وقعت في حب صديقه الملقب بالفتوة الذي أكمل تعليمه وأنهى دراسته في مدرسة البوليس وصار ضابطا ملء السمع والبصر، فتركت هنية فتاها وتزوجت بالضابط فلم يكن ثمة ما يغريها كي تستمر مع خطيبه الأول، وقد تسارعت الأحداث مرتين، الأولى في زواج الضابط ببهية بعد أن هربا معا لاعتراض أسرتها على الزواج لارتباطهم بكلمة مع خطيبها. والثانية في وقوع الطلاق بينهما بعد شهرين، ثم حانت الفرصة لكي تعود هنية لخطيبها الضعيف الذي لم يحب ولم يعرف كيف يحب سواها وواته الفرصة لكي ينتقم لكرامته التي جرحتها حبيبته بهروبها وزواجها من صديقه الأثير، لكنه رفض الزواج منها بعدما تيسر له ذلك وهنا تنتهي القصة.

وتساءل، هل كان رفضه ضعفا منه خشية أن تقارن بينه وبين حياتها القصيرة مع طليقها الضابط؟!

هل كان الرفض هروبا منها ومن نفسه ومن حب قديم، خاصة بعد أن تم نقله في وظيفته إلى الأرياف؟!

أتراه كان ضعيفا عن القبول أم واتته القوة على الرفض؟!

وأجاب، لا يهم أي إجابة.. المهم أن النهاية كانت ثمنا لضعفه في نشأته وطوال حياته وانتهت القصة القصيرة التي كشف عنها نجيب محفوظ بعد سنين طويلة، خلال حديث مع مجلة الهلال في أوج شهرة ومجد نجيب محفوظ الروائي والقصة لم ينشرها في أي مجموعة قصصية، بل كان نجيب نفسه يهتم بالرواية أكثر من القصص واشتهرت رواياته أكثر بكثير من مجموعاته القصصية، لكن كان القاسم المشترك الأعظم بين جميع الروايات والمجموعات القصصية، تلك النظرة الفلسفية العميقة التي يلبسها محفوظ وقائع إبداعاته هنا أو هناك، ترى أثر هذه الفلسفة بوضوح وبشكل مباشر في شخصيات كبرى في رواياته وعلى سبيل المثال لا الحصر: كمال عبد الجواد في الثلاثية بين سنتي 1956 و1957، وسعيد مهران في "اللص والكلاب" سنة 1961، وعمر الحمزاوي في "الشحاذ" سنة 1965، وجعفر الراوي في "قلب الليل" 1975، وأخناتون في "العائش في الحقيقة" سنة 1985.

الفلسفة حاضرة

أما في بقية الأعمال، فالفلسفة حاضرة ولكن بشكل غير مباشر في الشخصيات والأحداث ويمكن بكل ارتياح أن أزعم أنه في جميعها ومن بينها : "السمان والخريف" سنة 1962 و"الطريق" سنة 1964 "ميرامار" 1967 و"حضرة المحترم" 1975، فتتناثر الفلسفة فيها وفي كل الأعمال روايات ومجموعات وأقاصيص، تناثر العناوين والشخوص والأحداث، أحيانا تطغى الفكرة الفلسفية على النص فتصبح الحاكمة وأحيانا تتوارى وراء الفصول والمشاهد والشخصيات، لكن نجيب محفوظ بما تأثر به من سيادة التيارات الفلسفية التي صبغت الأجواء لاسيما خلال فترة شبابه، حتى صارت الانتماءات السياسية والفكرية مقرونة بكثير من الفلسفات الكبرى كالماركسية والوجودية بما تموج به من تيارات، وصار فلاسفة تتردد أسماؤهم كنجوم السينما، مثل نيتشة وهيدجر وسارتر، بل كانت الوجودية عند الأخير تقترن بالإنتاج الأدبي كما في الكتابات الفلسفية البحت!.

الفلسفة من عمق الواقع

وأوضح، أن محفوظ كان يستخلص الفلسفة من عمق الواقع أكثر مما يستنزل الأفكار ليلبسها وقائع قصصه ورواياته، وهذا هو سر بقاء محفوظ متصدرا قائمة الروائيين العرب، لأنه بالفلسفة ارتقى بالواقع المعاش إلى سماء الفكر، ومن الواقع المعاش استخلص فلسفته إلى أرض الواقع، فمزج بين الاثنين لأنه دائما يرى الحكمة في كل شيء حوله، حتى في العبث، ولعل ذلك ما جعله يقرر تغيير عنوان روايته "عبث الأقدار التي صدرت في سنة 1939، إلى "عجائب الأقدار" في طبعة جديدة بالنص نفسه دون تبديل أو تعديل سوى ما طال العنوان من إرساء العجائب بدلا عن العبث، فلا عبث عند نجيب محفوظ حتى فيما يبدو أنه "عبث".

وهذه خلاصة فلسفة نجيب محفوظ المبثوثة في كتاباته من البداية وإلى النهاية!.

اقرأ أيضا.. وزيرة الثقافة توجه بوضع آلية سريعة لصيانة أفران مركز حرف الفسطاط