الطريق
الخميس 2 مايو 2024 11:10 مـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

نظرية الكولاج الثقافية العربية.. وسؤال الهوية

محمد هلوان
محمد هلوان

وجود مثل هذه المصطلحات الحديثة لمحاولة وطف ظاهرة أي كانت نوعها ثقافية أو اجتماعية أو سياسية ليست سوى محاولة لإعطاء مثل تلك الظاهرة وصف أكثر دقة لها، وعلى الرغم من ابتداع مصطلحات قد تزيل العوائق المعرفية تجاه تلك الظاهرة إلا إنها تخلق مشكلات جديدة بتماسها مع مشكلات أخرى في مجتماعتنا.

فالكولاج هو تكنيك قائم على جمع أشكال مختلفة وقد تبدوا متنافرة لتكوين عمل أو شكل فني، أو أحيانا الجمع بين القديم والمعاصر في العمل الفني لتقديم شكل جديد لم يسبق وجوده من قبل، الكولاج طرح في أول الأمر من خلال الحقل الفني ولكنه تعده لحقول أخرى، تشابههم معه في المضمون دون المعنى الحقيقي، وأحيانا يلجأ المفكرين والفلاسفة إلى تفكيك المرادفة لمصطلحين هما الحداثة والأصالة، أو في فروع الفكر الفلسفي والديني باسم الأصالة والمعاصرة وأيضا مفهوم النقل والابداع كما هو عند المفكر حسن حنفي، تفكيك مثل ذلك المفهوم أظهر بعض من الجوانب الإيجابية والسلبية في الثقافة العربية المعاصرة، بل وطرح اشكاليات حاول البعض تسليط الضوء عليها من خلال أعمال فكرية وأدبية وشعرية بل حتى درامية في بعض الأحيان، كما في حالة مسلسل أربيسك، للفنان صلاح السعدني وكرم مطاوي.

مسلسل ارابيسك

وتفصيلاً للموضوع فإن الكولاج هو حالة من الدمج بين التراثي والمعاصر باختلاف مفردات كل فريق في حقل دراسته، ولكن يظل الشيء الأساسي الذي يجمعهم جميعا هو محاولة ربط القديم بالحديث، وهو ما يخلق أحيانا رؤى جديدة وأحيانا يخلق مشكلات وأزمات تؤدي لانهيار مثل هذه الأنظمة التي تحاول المحافظة على التراث بما أنه جزء مكون للثقافة والهوية.

استنادا إلى الشرح السابق فإن الكولاج يطرح تساؤل مهم، وهو مدى قابلية استيعاب الثقافة العربية ككل بمختلف مناحيها للمناهج المعاصرة في شتى المجالات، وطرحه لاتجاهات جديدة تسعى لفرض الهوية الثقافية التراثية القديمة على حساب المعاصرة، أم النزوح للمعاصرة على حساب الهوية الأساسية المُشكِلة لوعي المجتمع، أم محاولة التوفيق بينهما فيما يواكب المستقبل، ولنأخذ النقطة الأخيرة أولا كمثال، ومحاولة البعض للتوفيق بين القديم والمعصر إما بهدم القديم وإلغائه أو حتى تهميشه، وما بين انتقاء ما يمكن أن يستغل من التراثي في المعاصر ولكن كشكل ليلقى قبول من المجتمع الذي يلعب فيه دور الثقافي القديم الدور الحقيقي الفعال، وكأنه مرحلة دس السم في العسل، عن طريق الاحتفاظ بالهوية الشكلية دون المضمون، وهو ما يحول لانهيار ذلك النظام نظرا لتمسك المجتمع بالتراثي باستماته مطلقة.

كولاج معماري

والنقطة الثانية وهي طرح الحداثي المعاصر فقط دون سواه الذي أيضا سيلقى رفض نسبي وحوار مجتمعي سيؤدي إلى شقاق وتقسيم ما بين فريقين، يؤمن كل منهما بأنه الحائز على النموذج الأمثل للاستقرار والتطور من خلال منطلقاته، ولن يفيد إلا بزيادة الهوة بين الفريقين، كما هو الحال في بعض الفرق التي تعم الأفكار المبناة على أساس الهوية القديمة كالفرعونية نموذج، وعلى الرغم من الجانب الإيجابي لمثل تلك الدعوة على أصعدة كثيرة إلا إنها تحصر الفكر المجتمعي في نقطة واحدة دون التطرج للجوانب الأخرى، ما يجعلها نقاط مظلمة في ذلك المسار.

النقطة الثالثة الاستيعاب التراثي للفكر المعاصر وتداعياته من حيث القبول والرفض خوفا على التراث والهوية العامة المتأصلة في الفكر العربي، فعلى الرغم من اختلاف ثقافات مجتمعنا العربي إجمالاً إلا أن هناك بعض الدول التي استطاعت المحافظة على التراث والسير في طرق المعاصرة عن طريق اتخاذ إجراءات حقيقية للسير في ذلك المسار، الأمر الذي قوبل بالرفض والهجوم إلا إنه استطاع فرض نفسه بالقوة، واستطاع تغيير الوعي ولو بشكل نسبي لتحقيق التوازن بين المنحنيان، فهل أغلب مجتمعاتنا ستقبل بمثل ذلك الإجراء؟

إذا لاحظنا أن كل التساؤولات والنقاشات تدور حول مصطلح وحيد، تتشعب اتجاهاته ولكنه أصل في مثل تلك الموضوعات، وهو سؤال الهوية، أهي قديمة أم قديمة قابلة للتطور، أم قديمة ولا يمكنها المواكبة للمعاصر، كلها اتجاهات سياسية وأكاديمية واجتماعية أدت لفروق ومدارس كل منهم يتبني منهج خاص به ويحاول تأصيله بأدواته الخاصة، أما الحل الحقيقي الذي يجب أن يطرح على الساحة، هو النقاش بين كل تلك المدارسة، على أساس معرفي واقعي، فلن يفيد الحوار فيما قد سلف إذا لم يكن له أثر في الواقع والمستقبل إيجابي، تعزز موقفه وتساعد في رخاء وأمان للإنسانية ككل.

فالكولاج على الرغم من وجوده بشكل غريب في ثقافتنا إلا إنه فرض نفسه ليطرح مشكلات مهمشة ومستورة قد آن الآون لمناقشتها للتغيير الجزري في ثقافة مجتمعاتنا العربية بشكل عام والتراثية بشكل خاص.

اقرأ أيضا| صدام العقائد مع لغات البرمجة المنطقية.. إلى أين؟

موضوعات متعلقة