الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:33 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد هلوان يكتب: صدام العقائد مع لغات البرمجة المنطقية.. إلى أين؟

محمد هلوان
محمد هلوان

متابع لغات البرمجة والثورة التكنولوجية الحادثة في القرن الأخير، سيجد إشكاليات منطقية عديدة في تناول بعض الأمور، منها الأعمال الفنية كالصور والفيديوهات بما فيها من محتوى قد يُدرج تحت بند العُنف وخلافه، وأيضا فن النحت لما فيه من تجسيد لمفاتن الأشخاص كما في حالة التماثيل اليونانية القديمة أو الأعمال الفنية الحديثة في المعارض الغربية، وأيضا إشكالية فهم الخوارزميات المنطقية لمواضيع الشعر والقصص والانتحالات والدعاوى التي تقام إلكترونيا في سبيل نسب تلك الأعمال لأصحابها الاصليين، والعديد من الإشكاليات التي يحاول المبرمجون حلها، ولا سبيل إلى حلها إلا بوجود مؤسسات حقيقية للفحص والنقد والتمحيص كلُ متخصص في مجاله على مستوى العالم.

ليست هذه أكبر إشكالية بل أقلهم في الأهمية، حيث إن المعتقد هو الغالب في ثقافات الشعوب، ومن حيث وجود تنوع للمعتقد في بلدان العالم يتحول الأمر إلى مشكلة حقيقية من حيث فهم لغة البرمجة أو الحسابات المنطقية لظروف المعتقدات المختلفة.

فالعلم يذخر بالعديد من الأعتقادات، تم تقسيمها عند باحثي الأديان – او بعض منهم – إلى أديان روحية ومادية ومتعددة الآلهة وثنائية الالهة وتوحيدية وغيرهم الكثير والكثير، فكيف تفهم الخوارزميات كل دين بما أنه معتقد؟ اعتقد ان الدين يتم التعامل معه كلغة نصية في البرمجة دون تدخل في الجانب الإعتقادي لاصحابها، الامر الذي يُمكن الغالبية في التعبير عن رأيهم واعتقادتهم بكل صراحة ووضوح، ولكن بإشتراط محاذير، قد تم التوافق عليها بما انها محازير أخلاقية عامة ومعترف بها في جميع انحاء العالم، تلك المحازير لم يتثنى الا لمنصة واحدة على فضاء الإنترنت تاسيسها وهو موقع فيس بوك، وحتى ذاك الموقع إلا أنه في اختياره لمجموعة حكماؤه لم يختارهم إلا على نشاطاتهم العالمية وبروزهم في المجتمع الدولي وبعضهم على اعتبارات أخرى، أعتقد انه من الممكن ان ندعي بأنها سياسية في المقام الأول، وهذا يجعل السياسات الخاصة بتلك المنصة مقيدة بافكار هؤلاء الحكماء واعتقاداتهم التي حتى وأن كانت مرنه في التعامل مع المعتقدات الأخرى، الا انها ستختلف بشكل او باخر في واحدة أو أكثر مع معتقدات الآخرين ما يجعلها غير كاملة أو بالشكل المناسب لجمهور الموقع!

لغات البرمجة

إشكالية أخرى في الموضوع وهي تناول الجانب الروحي الذي تم التعبير عنه أحيانا بلغة مرنة كما في النصوص الصوفية والروحية، وإبتكار مشتقات للمعاني المختلفة حتى تتلائم مع المعنى الحقيقي المقصود، ولست هنا أقصد لغة بعينها، فكل لغة بها بعض المرونة التي تمكن متقنيها من التلاعب بها وإخراج معان جديدة لم يسبق أحد إليها، وهذا أحد نتائج التطور وهو تطور اللغة.

وإذا فرضنا أن هؤلاء الحكماء وأمثالهم في فضاء الإنترنت كانوا على دراية كافية للمواضيع العقائدية بكافة أشكالها التي يتصعب حصرها في مقال أو كتيب او حتى مجلدات موسوعية، كيف يمكنهم وضع قواعد جيدة للتعامل مع المعتقدات التي تخلف في بعض الأحيان معتقداتهم، ويتم وصفها بالعنف والرجعية والتخلف في بعض الأحيان، هل سيتم فرض شروط أكثر تقييدا في التعبير عن المعتقد بالنسبة لهم؟

اللغة البرمجية هي لغة منطقية، يتم كتابتها بوسطة عنصر بشري، وما دام في الأمر عنصر بشري في الموضوع فلا يمكن استبعاد أهواء أو معتقدات شخصية قد تؤثر بشكل ما على حرية الآخرين في التعبير عن عقائدهم، وبعض الاعتقادات لا يمكن وصفها أو وضع قاعدة من شانها تنظيم الإطار التعبيري عنها لمحاكاته والوقوف على مواضع الخلاف التي ينبغي وضع حد لها من وجهه نظر المبرمج، فهل سيقتصر الأمر على القيود الأخلاقية وبعض الأكواد التي تتعلق بكلمات بحثية معينة فقط ليتم حظرها، أم سيتم النظر للغات البرمجة من جديد لوضع قواعد للتعامل مع الموضوع الديني؟

أعتقد بناء على التوضيح السابق للموضوع وإشكالياته على الرغم من عدم تناولي سوى لقطوف بسيطة منه، إلا أنه أعمق وأغزر من أن يناقش في مقال بسيط كهذا، ولكن بقدر معرفتي الضئيلة حول الموضوع إلا أن هناك حل أمثل لتلافي كل هذه المشكلات، ولو أنه حل مؤقت وقاصر ويستلزم مجهودات كبيرة، ما سيحيله للأرشيف كغيره من الاقتراحات، وهو فتح لغة الحوار بين هذه العقائد، لنبذ الخلاف والفُرقة، وأيضا لتوضيح ماهية هذه العقائد وطبيعتها بدون اي حجر أو قيود من شأنها تأجيج الصراع، بالإضافة إلى وضع كود أخلاقي عالمي يتم برمجته باللغة المنطقية حتى لا يكون حكرا على مجتمع أو فئة دون غيره، أعرف أنه أمر كثير الصعوبة ولكنه ليس مستحيل إذا تضافرت جهود المبرمجين لحل هذه المشكلة.

أما عن محاولة اللغة المنطقية في التعامل مع المعتقد – أي معتقد – فهو أمر مستحيل – لعدة أسباب أهمها: استحالة التعبير عن الأحاسيس الداخلية بلغة عادية فما ظنك بلغة منطقية، وأيضا استحالة وضع قواعد تامة وكاملة من داخل عقيدة واحدة لتشعبها حالياً ومستقبلا وبسرعة كبيرة، واستحالة فهم المبرمج لمضمون الحالة الشعورية للمُعتقِد بمعتقده؛ بناء عليه سيصعب رؤيته في وضع إطار منطقي ثابت..

وختاما فإن طرحي للموضوع يندرج تحت عدة بنود سأذكر أحدها وأترك الباقي للقارئ يضعها بنفسه، وهو أن العلاقة البرمجية واللغات الكمبيوترية تفتقر لأهم جانب يمنحها القدرة على التواصل مع البشر، وبين البشر وأنفسهم أيضا، وهو قدرته على فهم المعتقد بشكل خالص، فلا يمكن الاعتماد عليه بالقياس على كل ما هو إنساني، إلا في نطاق التجربة والعلم فقط.

اقرأ أيضا| محمد هلوان يكتب: في يوم الفلسفة العالمي.. العلوم الإنسانية في خطر