وفاء أبو السعود تكتب.. رساله إلى المستقبل
من ماض جريح ضاقتك روحه وتحطمت عظامه، وزاغت أبصاره وأضحى مختنق الأنفاس يكاد يلفظ آخر أنفاسه إلى مستقبل مجهول المعالم.
انتظرناك كثيرا بعدد السنوات والأيام والساعات والدقائق والثواني ولكنك قد تعززت علينا واستكبرت على أحلامنا وتطاولت خطواتك في كبر وخيلاء، فكسرت فينا حلما وحطمت فينا كبرياء.
تحملنا أعباء كثيرة من أجلك وفي سبيلك، انتظارا لغدٍ تشرق شمسه بنهار صافي يحمل في سمائه سحابات حب ورحمة واستقرار، وحينما جاء كانت سماؤه رعديه ورياحه عاتيه في يوم عاصف تنحني أمامه وتقتلع أعتى الأشجار من جذورها.
اخترناك وبكل قوه وضحينا بالغالي والنفيس ومهدنا الأرض لأجلك وأقمنا الأفراح استعدادا لقدومك ثم وليت وجهك عنا واخترت طريق آخر لن نجتمع فيه سويا.
جئتك بحلم ضائع حُكم عليه بالفشل وهو لا يزال حبيس الضلوع أن تجمعنا أيامنا بمن نحب، فلم تجمعنا الأيام بمن نحب ولكن فرقتنا شيئا فشيء فلم يتبقى من ذلك الحلم سوى ذكريات في خزائن أعماقنا أو صور لم يعد لها لون فقد إصابتها تكرار الأيام فاندثرت ألوانها وأصبحت باهتة ذات اللون الأبيض والأسود.
حمًلناك بالأماني، وحملنا عاتقها على ظهورنا، وكان مع كل يوم جديد يزداد حمل جديد على كاهلنا، انتظارا لقدومك فقضينا جل أعمارنا في انتظار، فلا تبرأنا من أحمالنا ولا تحققت أمانينا.
جلسنا ننتظر هباتك وعطاياك وكلما وصلت إلينا أحداها كان علينا دفع المقابل بشيك مطلوب الدفع فوري فكانت كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء.
أيها المستقبل، ستعيش وحيدا فقد استنفذ الماضي أيامي وجهدي وصبري ولم يتبقي مني إلا القليل الذي لا يكون لك فيه سندا.
أبحث عن الوفاء في غيري فقد أعطيت الكثير وبكل قوة وعنفوان وبكل رضا ولم أحصد سوى التجاهل والنسيان بل من منحناهم حبنا أدانوا بالحب وبالفضل لآخرين.
أبحث عن أحلامك بنفسك فقد جئتك بحلم مبتور تأخر كثير حتى جاء وتأخر أكثر وأكثر حتى تحقق جزء منه، وحينما تحقق ذلك الجزء تحقق بشكل مشوه وأصبح تحقيق ماتبقي في عداد المستحيل.
اعتمد على ذاتك فلم يجدي معك طول الأمل والعمل ولا التخطيط أو التدبر، أدرس قرارتك بنفسك قبل اتخاذها بدراسة وافية متأنية مستفيضة دون وصاية مني، فقد استوصيتك كثيرا ولم تستجيب لنداءاتي، فلن يجدي معك مرشد ولا دليل.
أيها المستقبل لن تطاولك أعناقنا، فقد تحطم كبريائنا على صخرة الأيام والسنين، فأصبحنا مستسلمين، رافعاً للرايات البيضاء برضى أو بغير رضى.
أيها المستقبل الذي عز قدومه وضل طريقه ساعيش بلا غد انتظره، تأتي أو لا تأتي فلم يعد لنا فيك أمل ولم يعد لنا رغبة في انتظارك ولم يعد يشغلنا أمرك.
لقد تأخرت كثيرا أيها المستقبل في إثبات حسن نوياك لذا فقد كتبت بيدي شهادة عدم انتظارك.