الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 09:15 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

فتنة اللقاح.. هل يُحرّض الأطباء على عدم أخذ لقاحات كورونا؟

رعبٌ كبيرٌ عاشه -ويعيشه- العالم بسبب توحّش فيروس كورونا الذي يواصل تحوّره وتغيير جلده كل آن، وكأنّه يُصرُّ على تحدِّينا بقدراته وتأكيد عجزنا عن مواجهته، وكلَّما تصوَّرنا أنّنا في سبيلنا للسيطرة عليه، يثبت لنا أن الطريق لا تزال طويلة، وما أوتينا من العلم إلا قليلًا!

وفي المقابل، تعكف كتيبة العلماء من كل أنحاء العالم على استغلال خبراتهم ومعارفهم لإيقافه عند حده، وهو ما تجلّى في الوصول -خلال زمن قياسي- إلى مجموعة من اللقاحات المتنوِّعة تحت رخصة الطوارئ، مثَّلت علامة فارقة في مسيرة الحرب على الفيروس ومنحتنا أملًا جديدًا في التغلب على تهديده يومًا، وبالتزامن مع تعميمه في دول العالم استطاعت مصر توفير عديد من الجرعات مجانًا لشعبها، لكن كانت المفاجأة امتناع بعضهم عن أخذها، بل والتحريض على رفضها بشائعات عديدة ودعاوى أطلق بعضَها الأطباء أنفسهم.

فلماذا يفعل بعض الأطباء هذا؟

وهل اللقاحات غير آمنة بالفعل، ويمكن أن تُسبب العقم والجلطات وتُغيِّر التركيب الوراثي؟

هل كانت أمام الإنسانية خطة أفضل لمجابهة الفيروس، لكن مصالح الشركات العابرة للقارات تدخَّلت لتقودنا عبر هذه الطريق لتحقيق مكاسب معينة؟

وما أخطار اللقاحات المتاحة؟ وهل تعاطيها أقل ضررًا أم الإصابة بكورونا؟

ولماذا توصَّلنا إلى اللقاحات بهذه السرعة؟ ألا يعني هذا أنها لم تخضع لدراسات كافية؟

وما الفارق بين أنواع اللقاحات وآلية عملها؟ وهل نملك ترف عدم أخذها؟

ولماذا لا توجد لقاحات حتى الآن للأطفال؟ وهل سيكون ذلك متاحا في وقت قريب؟

لقد تواصلنا مع جميع المعنيين بالأمر؛ أطباء ومواطنين، مؤيدين ورافضين، في محاولة لرسم صورة واقعية لما يجري على الأرض، وفهم أسباب كل فريق، وإجابة الأسئلة التي تطفو من هنا وهناك، وصولًا إلى المساعدة على تصور خطورة المرحلة المقبلة والانحياز للقرار المناسب على وعي وبيِّنة.

كورونا

الرافضون: يسبب العقم!

في البداية، وعبر استطلاع رأي سريع نظَّمه مُحرر "الطريق" على صفحته الشخصية بفيس بوك، شارك فيه نحو 500 مواطن، أبدى 360 موافقتهم على أخذ التطعيم، بينما رفضه 97 شخصًا، وأبدى 43 شخصًا عدم حسمهم الأمر بعد.

وبسؤال الرافضين عن أسبابهم، انحصرت في: عدم إجراء تجارب كافية على اللقاحات، وعدم معرفة آثارها الجانبية على المدى البعيد، و"سماعهم" أنها تسبب العقم وضعف المناعة والجلطات وربما تتسبب في الإصابة بالكورونا، وآخرون أبدوا تعجبهم من كون الدولة المصرية قد وفَّرته مجانًا واعتبروا هذا كافيًا للشكِّ فيه والخوف من أن يكون قد جرى الدفع بهم ليكونوا فئران تجارب للشركات العالمية.

واللافت أن أغلبهم استقى معلوماته من أطباء يثق فيهم، سواء يعرفهم معرفة شخصية أو يتابعهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما حاول المحرِّر الحديث إلى هؤلاء الأطباء، لم يوافق ولا واحد منهم على الإدلاء بأي تصريح وشرح أسبابه، حتى مع الوعد بعدم إذاعة اسمه. الكل تراجع خطوة للوراء وتحجَّج بعديد من الأسباب؛ كعدم حصوله على تصريح من مؤسسته بالحديث إلى الصحافة، أو انشغاله الشديد، أو أنه ليس أفضل من يتحدَّث عن هذا الأمر.

وحال محاولة المحرِّر نقل الحوار إلى منطقة أخرى، وسؤاله عن أي ورقة بحثية أو مرجع طبي موثوق أو تجارب بعينها يمكن أن تؤيِّد وجهة نظرهم، أو حتى تلفت الانتباه إلى ما خفي عن العلماء الآخرين الذين يُشجِّعون على أخذ اللقاحات، لم يستطع أحدهم إرشاده، وكأنَّه من المهم -لسبب ما!- أن يبقى كل شيء مُجهَّلا، عامًا، مرسلًا، دون أي دليل علمي يمكن مناقشته، حتى يستمر تخبّط الناس أطول فترة ممكنة، وتزيد نسب الممانعة والعزوف عن التطعيم!

طبيب عن اللقاح: أنا "حاسس" إنه مش مهم!

لكن تحريض الأطباء لم ينل من عزيمة قطاع كبير على المضي قُدمًا في أخذ اللقاح حتى لو سببتْ له الآراء المتضاربة بعض البلبلة. يقول الكاتب الصحفي مصطفى فتحي إنه تعرَّض لموقفين، أحدهما مع طبيبة يعرفها شخصيًا، حذَّرته من اللقاح بشدة، وأكدت له أنه يُضعف المناعة، وقالت إنها تنصح جميع معارفها بالعزوف عنه وأنها شخصيًا لا يمكن أن تحصل عليه.

مصطفى فتحي

واعترف فتحي أن كلام الطبيبة أثر فيه بداية، لأنه يثق فيها، لكنه لم يستسلم وقرأ وبحث بنفسه حتى وجد كل الدراسات ومنظمة الصحة العالمية، تؤكد جدوى التطعيم وأهميته، وهو ما عاد وأكَّده له طبيب آخر، وشجَّعه على أخذ اللقاح، وقد أخذه بالفعل.

وأكمل فتحي: "الموقف الثاني طبيب صديق كتب منشورًا على فيس بوك يسأل زملاءه الأطباء عن أفضل أنواع اللقاحات، فكتب له طبيب أسنان بالحرف: "اوعى تاخده ده ملوش أي لازمة"!"

والنقطة المُضيئة أن فتحي رصد دهشة باقي الأطباء من زميلهم واشتباكهم معه في النقاش لمحاولة فهم سر تعليقه المُرسل غير العلمي بالمرّة، وعندما دخل فتحي على خط الحوار وسأل الطبيب المُنكِر عن أسبابه، قال له، وفقًا لفتحي: "أنا "حاسس" إنه مش مهم!

وذكر فتحي أن كل النقاشات التي خاضها مع منكري اللقاح لم يستطع أحدهم أن يقدم له فيها أي سند علمي لما يقول!

محمد علاء: لو خشينا من المدى الطويل فسوف تأتينا مصيبة على المدى القصير!

وقال المُحلّل الرياضي محمد علاء: "تنحصر مخاوف الناس بخصوص اللقاح في نقطتين، الأولى أنه صنع بسرعة، وهو ما لم يحدث قبلًا في التاريخ، والثانية الأعراض طويلة المدى التي يمكن أن يسببها والتي لا يعرف عنها أحدٌ شيئًا للآن".

محمد علاء

وتابع: "الدول الكبيرة التي عمَّمت اللقاحات على مواطنيها مثل بريطانيا وأمريكا واليابان وألمانيا لا يمكن أن تخاطر بشعوبها، أو تطالبهم بشيء يمكن أن تكون له أضرار على المدى القريب أو البعيد، وكل الأرقام الحالية تقول إن إنجلترا مثلًا تسير في الطريق الصحيح، وبدأت طريق التعافي الاقتصادي، وعودة الحياة إلى طبيعتها جزئيًا بعد تلقيح أغلب المواطنين، وحتى الملاعب الحكومية سمحتْ بعودة الجماهير لها، في آخر جولتين من الدوري".

وتعجَّب علاء: "ثم متى كان آخر وباء اجتاح العالم بهذا الشكل؟ وهل كنا وقتها نمتلك كل هذا التقدم والتطور والتكنولوجيا والآليات اللي نمتلكها الآن؟ بالتأكيد لا، إذًا فمن المنطقي أيضًا أن الوصول إلى لقاحات ومضادات وأدوية يمكن أن يكون أسرع وأكثر ضمانًا وكفاءة".

وختم علاء كلامه: "أما بالنسبة للقلقين من التأثيرات على المدى الطويل، ففي وضعنا الحاليّ، من يضمن أن يعيش للمدى الطويل في الأساس؟ حضرتك إنت مش مغسِّل وضامن جنة، ولو خشيت من المدى الطويل فسوف تأتينا مصيبة على المدى القصير، يعني المفروض أن يكون تركيزنا على الخروج بأسرع وسيلة من الكارثة اللي نعاني منها الآن، وحتى في أسوأ الاحتمالات إذا كان للقاح تأثير سلبي مستقبلًا، فبالتأكيد سيعمل العلماء على تلافيها، إن حدث ذلك أصلًا".

ونفى ضياء مصطفى، محرر فن، أن يكون قد تعرض للتحريض من الأطباء على عدم أخذ اللقاح، لكنه أكد تلقي نصائح عديدة من زملاء وأقرباء بعدم التطعيم، وعندما ناقشهم أخبروه أنهم يستندون إلى آراء أطباء يثقون بهم، وتابع: "لكن على الجانب الآخر خالي وابن خالي أطباء وشجَّعاني بقوة على أخذ اللقاح".

ضياء مصطفى

ولفت ضياء إلى أنه قرأ بنفسه عن اللقاحات وعرف كل ما يخصَّها ومن ثم اتَّخذ قراره دون الالتفات للضوضاء الشديدة من حوله وتضارب الآراء، وحصل بالفعل على لقاح (أسترازينيكا)، ولم يشعر سوى بأعراض طفيفة، لم تستمر سوى يوم واحد، وتابع: "أخذت والدتي (ساينوفارم)، في الجرعة الأولى لم تشعر بشيء، وفي الجرعة الثانية عانت من بعض الدوار وثقل الجسم، لكن كل شيء انتهى خلال يومين".

وقال ضياء إنه ينصح الجميع بالحصول على أي نوع من اللقاح عندما تأتيه الفرصة.

الخولي: أخبروني أن التطعيم يُظهر لِحية للنساء!

وهو ما أيَّده محمد الخولي، صحفي، من أن أحدًا من الأطباء لم يحذِّره من اللقاح، على العكس تمامًا، جميعهم شجَّعوه على تلقي التطعيم بأقصى سرعة، وحصل عليه بالفعل، وكانت التجربة لطيفة في المجمل ومرت دون آثار جانبية شديدة، وتابع: "سمعت كلامًا كثيرًا مضحكًا أكثر من كونه مخيفًا من بعض الناس، مثل أن التطعيم يؤثر في النظر ويظهر لحية للنساء!"

وعن آثار التطعيم قال: "استمرَّت الأعراض يومين تقريبًا؛ ارتفاع في درجة الحرارة و"همدان" ورغبة في النوم، ثم انتهت تمامًا".

محمد الخولي

د. علا عبد الجواد: أخذ اللقاح الآن حياة أو موت

وقالت الدكتورة علا عبد الجواد، اختصاصية طب نقل الدم ومشتقاته بجامعة المنصورة: "أخذ اللقاح الآن حياة أو موت، لا توجد لدينا رفاهية الاختيار، وأيا ما كان المتوافر أمامك، فلا بدّ من أخذه، ولا أحد ممن أخذ اللقاح احتاج إلى دخول المستشفى".

ولفتت عبد الجواد إلى نقطة مهمة بقولها: "وفقًا لآخر الأبحاث العلمية المثبتة، وُجد أن من يحصل على اللقاح لا يحمي نفسه فقط من المضاعفات الخطيرة للفيروس واحتمالات دخول المستشفى، لكنه أيضًا يقلل فرص انتقال الفيروس للآخرين إلى النصف تقريبًا، وهي ميزة رائعة".

أما عن أعراض اللقاح، فقالت عبد الجواد إنها تختلف من شخص للآخر وفقا لمناعته، وهذا طبيعي، ولا تستمر عادة سوى 48 ساعة في أغلب الحالات، وأكَّدت أنها حصلت على (أسترازينيكا) هي وزوجها منذ نحو الشهرين، وعانت من آلام في مكان الحقن لنحو أسبوع، في ما استمر الوجع لدى زوجها يومًا واحدًا، وشعرا معًا بعض "الهمدان" والرغبة في اليوم، لكن لم يعانيا من ارتفاع درجة الحرارة، لكن هذا عارض شائع للغاية، وأكملت: "الأمر بأكمله يشبه بوادر دور برد، وتعاملتُ معه بالبنادول والبروفين لمدة 24 ساعة".

علا عبد الجواد

وعن آلية عمل اللقاح في الجسم، قالت عبد الجواد إن "لكل لقاح طريقة عمل وتكنيك مختلفة، لكن بصفة عامة، جزء من بروتين فيروس الكورونا يُحمَّل على فيروس آخر، أو الفيروس نفسه بعد إضعافه يدخل إلى الجسم، كي يتعرف عليه جهاز المناعة ويُكوِّن أجسامًا مضادة له".

وقالت عبد الجواد إن تعرف أطباء رفضوا بالفعل اللقاحات، وتابعت: "أغلبهم لديه سببان، الأول سرعة إنتاج اللقاح، مقارنة بالمتعارف عليه في مثل هذه الأمور، من ثم يخشون أن نكون حقل تجارب لشركات الأدوية، والثاني عدم معرفتنا بآثار التطعيم على المدى البعيد خلال خمس سنوات أو عشر مثلًا"، وأكملت: "كلامهم منطقي بلا شك، لكنه ليس عمليًا، فأي تطعيم في بدايته كان تجربة، ولم نكن نعرف آثاره على المدى البعيد، والأهم أنه لا اختيار لدينا الآن، فهذا هو المتاح ولا بديل".

وعما يخص مناعة القطيع، قالت عبد الجواد، إنها أمر مُختلف عليه وفكرته الأساسية أن يحصل 70% من السكان على التطعيم أو يصابوا بالفيروس، حتى تتحقق مناعة القطيع، "لكن المشكلة أن الفيروس يتطور وتتنوع سلالاته، لذا فمن المحتمل أن الأمور ستحتاج إلى بعض الوقت للسيطرة عليها".

د. كريم السباعي: جلطات اللقاح نادرة ووقعت لنساء تحت 50 عامًا يتناولن حبوب منع الحمل

وانضم د. كريم السباعي، طبيب ممارس بجامعة المنصورة، إلى زمرة الأطباء المُشجِّعين على تناول اللقاح، وأكد أنه حصل على جرعته من (أسترازينيكا) منذ أيام قليلة، وتابع: "موضوع الجلطات التي اشتُهر وتحدثت عنه مواقع التواصل الاجتماعي، وقع لفئة صغيرة جدًا من العدد الكلي الذي حصل على لقاح (أسترازينيكا)، تحديدًا السيدات تحت 50 عامًا ممن يتناولن حبوب منع الحمل، ولم تكن في أغلبها جلطات قاتلة، في مقابل جلطات قاتلة تحدث لنحو 16% من المصابين بالكورونا".

كريم السباعي

وأكًّد أن الأعراض التي رصدها الأطباء عمومًا للقاح، هي بعض الحرارة، والإحساس بالإرهاق، وسيلان في الأنف، وهي الأعراض الطبيعية التي تصاحب أغلب الأمراض بصفة عامة في بدايتها، وتنتهي خلال يوم إلى يومين، ولا تحدث لجميع الناس.

ونفى السباعي أن تكون اللقاحات لم تتعرَّض للاختبار، وتابع: "صحيح أنها تحتاج إلى مزيد من الدراسة، لكن هذا لا يعني أنها لم تُختبر، والسبب الذي منع إتاحة اللقاح في عام 2020، مع أنه ظهر في شهر يناير من العام نفسه تقريبًا، التجارب والتحقق من سلامته التي استمرت نحو 12 شهرًا، وأجريت التجارب على أعداد كبيرة جدًا، أسفرت عن النتائج الموجودة حاليًا، أنه بنسبة ضئيلة للغاية يحدث بعض الجلطات في لقاح (أسترازينيكا)".

ولفت السباعي إلى أنه لا بدّ من أخذ التطور العلمي الكبير الحادث في مجالات التكنولوجيا والدواء عمومًا بعين الاعتبار، والمبالغ المالية الضخمة التي رُصدت للتجارب، وتضافر أعظم العقول في جميع أنحاء العالم لإيجاد لقاح، وهو ما لم يتوافر من قبل، وما يبرر سرعة الوصول إلى اللقاح.

وعن تفضيل بعضهم ساينوفارم وترشيحه لكبار السن، قال السباعي: "لأنه لم يُسجَّل بخصوصه أي جلطات، فهو نسبيًا أكثر أمانًا، كما أنه أسهل في التعامل معه، فهو لا يحتاج إلى التخزين في درجات حرارة منخفضة، في مقابل (أسترازينيكا) الذي يحتاج إلى درجة حرارة من 30 إلى 40 تحت الصفر، كما أنه جرعتان بينهما 3 أسابيع في مقابل 3 أشهر مع (أسترازينيكا) ، لذا لا يحتاج كبار السن إلى الذهاب مرتين لتلقي التطعيم، بينهما 3 أشهر، كما هي الحال في (أسترازينيكا)"، واستدرك السباعي: "لكن حال عدم توافر ساينوفارم يمكن لكبار السن أخذ (أسترازينيكا) بشكل طبيعي فهو معمول به في ثلاثة أرباع دول أوروبا ويأخذه الكبار والصغار، إلا لمن يعاني من مشكلات في المناعة أو لديه تاريخ جلطات سابقة في القلب أو المخ".

وذكر السباعي أنه من الطبيعي أن يكون لأي دواء آثار جانبية، وأكمل: "في الطب دائمًا ما نقيس الفوائد في مقابل الأضرار، فإن كانت الفوائد أكثر، اعتمدنا الدواء مع العمل طوال الوقت على تلافي الأضرار، وفي ما يخصّ اللقاح، فبلا شك فوائده أكثر من أضراره بمراحل، وعلى مدار 12 شهرًا لم تسجل آثار جانبية خطيرة للقاحات تعوق الاعتماد عليها".

وأكد السباعي أن غرض اللقاح ليس منع العدوى، وإنما تقليل أعراضها، وجعلها غير قاتلة، حتى يكتسب الجسم مناعة ضدها، خصوصًا الفئات الأكثر عرضة للمرض مثل كبار السن ومرضى السكر والضغط ومتلقي الكيماوي والحواملل.

وفي ما يخص الأطفال الصغار، وعدم وجود لقاح لهم حتى الآن، رغم ظهور الإصابات بينهم في الموجة الثانية، قال السباعي لأنه لم تجر تجارب سريرية كافية حتى الآن على الفئات العمرية الصغيرة، الاختبارات بدأت على البالغين وكبار السن لأنهم الفئة الأكثر عرضة للمرض ونقله، وما يصلح للكبار يجب ألا نفترض أنه يصلح للأطفال بالضرورة، فهم فئة خاصة، مثل الحوامل مثلًا، ومن المتوقع ظهور لقاح لهم بنهاية العام، ويمكن لمن يبلغون 12 سنة أخذ لقاح فايزر الآن، أما الأصغر سنًا فمن المتوقع الوصول إلى لقاح لهم نهاية هذا العام.

محمد منصور: الالتزام بالإجراءات الاحترازية لن يقضي على الفيروس.. التطعيم سيفعل

ووصف الصحفي العلمي محمد منصور ما يجده من معارضة لدى بعضهم لأخذ اللقاح بـ"نكران العلم"، وتابع: "بعض الناس يُنكرون المعروف من العلم بالضرورة، ولا يثقون في ما يقدمه، لعدم إيمانهم بالمنهج العلمي من ناحية، ولأن العلوم تُقدَّم لهم بطريقة خاطئة من ناحية أخرى، وكذلك انتشار الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

محمد منصور

وأكَّد منصور أن منكري اللقاح موجودون في الخارج أيضًا، بل ويحدث هذا عادة مع جميع اللقاحات عندما تُطرح للمرَّة الأولى، وضرب مثالًا بمنظمة أمريكية يمينية تُحرِّم جميع اللقاحات وليس لقاح كورونا فقط، وأكمل: "لكن عندما يقول العلم رأيه، فلا بدَّ أن نثق به".

وأكمل منصور: "مع ذلك لا يمكن أن تجد في الخارج صحفيًا يجرؤ على التشكيك في أحد اللقاحات دون دليل، فلديهم قوانين شديدة الصرامة في ما يخص هذا الموضوع، تسري على الجميع، أما في مصر فانتشار الخرافات عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يزيد من نسبة المتشككين".

وتابع: "عديد من اللقاحات يحصل على رخصة الاستخدام الطارئ، وليس لقاح كورونا فقط، ومنذ فترة تفشَّى وباء في غرب إفريقيا تسبب في وفاة نحو 11 ألفًا، وبدأ الأطباء تجربة بعض الأدوية لمجابهته دون حتى أن يحصلوا على رخصة استخدام طوارئ لأنه كان وباء محليًا، وبعض هذه العقارات أصبح يُستخدم الآن لعلاج الكبد الوبائي وغيره".

وأكًّد منصور أن اللقاح -من وجهة نظره- الوسيلة الوحيدة لإنهاء الوباء، وأن عدد الجلطات التي وقعت كأثر جانبي لها -كما يُفترض- ليست ذات دلالة إحصائية على الإطلاق ولا يمكن أن تكون مُحفِّزًا لرفضه، لأن أعداد من يصابون بالجلطات في نفس الفئة العمرية دون أي تطعيم أكبر من هذا بكثير، واستطرد: "الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغسل الأيدي باستمرار والإغلاق سوف يقلل من معدلات انتشار الفيروس بلا شك، لكنه لن يقضي عليه أبدًا، في حين بإمكان اللقاح عمل ذلك".

وأوضح منصور أنه رغم قصر المدة التي ظهرت فيها اللقاحات، فإن التقنيات التي استُخدمت لإنتاجها معروفة ومُجرَّبة وتعمل عليها الشركات منذ نحو 12 عامًا، فهي ليست جديدة تمامًا كما يظن بعضهم، وأضاف نقطة مهمة للغاية يرى أنها أسهمت في تسريع الإيقاع: "الدوريات العلمية مثل نيتشر وساينس وغيرها، أتاحت الوصول إلى جميع الأبحاث العلمية المنشورة عبرها بخصوص الفيروس، دون دفع أي رسوم، ما جعل أدق المعلومات والتفاصيل بخصوص كورونا في متناول جميع العلماء من مختلف بقاع الأرض، وهو ما سرَّع من وتيرة فهم ما يجري والوصول إلى حلول".

د. أحمد السماحي: اللقاح قلّل بالفعل من الوفيات.. ومصر ستُصنِّع لقاح سينوفاك قريبًا

وأكَّد د. أحمد السماحي، استشاري الجراحة، أن بعض الأطباء من زملائه يرفضون اللقاح بالفعل على سبيل الاحتراز "لأننا لم نتعوَّد سلوك الفيروس"، وأكمل: "هذا الرفض رأي طبي، ومن حق كل إنسان أن يعتقد ما يريد بكل تأكيد، وطبقًا للأعراف الطبية، كي نتمكن من إجازة لقاح فلا بدَّ من دراسته جيدًا لفترة زمنية معقولة، ومعرفة آثاره الجانبية، وهو ما يسري في الظروف العادية، لكن خلال الجائحة، فهذا الكلام ليس عمليًا ولا يمكن تطبيقه".

أحمد السماحي

واستطرد: "الجائحة تتحرَّك بسرعة كبيرة، ولا يوجد وقت كافٍ لإتمام دراسات مُوسَّعة، والشركات عندما طوَّرت اللقاح كان الناس يموتون بالفعل ومعدلات الإصابة ترتفع بشكل غير مسبوق، ولم يعد مُجديًا التعامل بالطرق التقليدية، فكان لا بدَّ من الوصول إلى لقاح بأي طريقة، وعلى أرض الواقع، قلَّل لقاح كورونا بالفعل من الإصابات، ومخاطره أقل من مضاعفات المرض نفسه".

وشرح السماحي: "أكثر المخاوف كانت من لقاح فايزر ومودرنا تحديدًا، لأنهما "يعتمدان على تعديل الحمض النووي للفيروس (RNA) ولا ندري مضاعفات ذلك بعد 5 سنوات أو عشر، أما باقي اللقاحات فأغلبها مصنوع بالطريقة التقليدية".

وألمح إلى أن العالم كله مُقبل على اللقاح لأنه الحلّ الوحيد المتاح الآن لإيقاف الفيروس عند حدّه، وأكمل: "أمريكا طعَّمت 100 مليون بالجرعتين، وإنجلترا أعطت الاسترازنيكا لنحو 90% من مواطنيها، فانخفضت لديها الوفيات إلى نحو 1%".

وذكر السماحي معلومة مهمة: "أمريكا رفعت الحظر عن براءة اختراع اللقاحات ومنعت احتكارها، خصوصًا بعد الأحداث المُروِّعة في الهند، وستبدأ الدول تصنيعه بنفسها، فليس بإمكان دولة واحدة أو شركة واحدة صنع ما يكفي من اللقاح للجميع. وفي مصر سنصنِّع لقاح سينوفاك الصيني قريبًا، وفقًا لوزارة الصحة، وقد طلبتْ الهند منّا بالفعل كمية منه، ونحن نملك كل التكنولوجيا والعقول اللازمة للقيام بالمهمة".

وأكد السماحي: "نأمل في أن يتسبب التطعيم في تكوين مناعة لدى عدد كبير من الناس فيضمحلّ الفيروس في النهاية، وهو ما حدث مثلًا مع فيروس "البوليو" الذي انتهى عالميًا بسبب التطعيم وليس بسبب القضاء على الفيروس".

إن ما يمرّ به العالم استثنائي وغير مسبوق، لذا يجب أن تكون طرق التعامل معه كذلك، مع الإيمان بالعلم والسعي نحو المستقبل، وقراءة الأحداث بوعي لاتخاذ القرارات المصيرية عن بصيرة، فلا أحد يدري ما الذي ستأتي به الأيام، وما الذي سيصل إليه الفيروس من تحوّر وتطوّر، لكننا على يقين من شيء واحد: أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب والسعي لتجنّب المهالك والحفاظ على النفس، لتستقيم لنا الحياة ونتمكن من الاضطلاع بمهام الخلافة في الأرض والقيام بأعبائها.

حفظ الله مصر.