الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:28 صـ 9 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

العائدتان من الموت

طارق سعد
طارق سعد

ليس هناك أصعب من مواجهة الموت وجهاً لوجه في وضع المكبل بالخراطيم الطبية أسيراً للأجهزة التي تبث الرعب من لحظة مرتقبة بصافرتها التي تعلن نهاية الحياة.

من خاض تلك التجربة مهما حاول شرح معاناتها وإيصال إحساسه بهذه اللحظات العصيبة لن يستطيع أبداً أن يوصل الصورة كاملة مهما كانت براعته في الوصف والتفصيل فكما يقال "اللي سمع غير اللي شاف".

الأصعب من كل ذلك هو وجود الشخص في هذه الحالة غصب واقتدار .. ليست خطوات مرضية تأتي تباعاً ولكنه إهمال طبي بخطأ يودي بحياة المريض بعد أن يدفعه لحافة الحاوية.

فجأة ودون مقدمات تجد نفسك أمام صدمة تستمر لشهور طويلة تعاني فيها نجمتان لامعتان من المشاهير "ياسمين عبد العزيز" من الفن ومن الإعلام "إيمان الحصري" يغيبهما فيها الإهمال الطبي في وقت متقارب وتدخلا في دوامة تقذفهما حتى نقطة اللا عودة في وضع مأساوي وكارثي لم يسبق له مثيل يمر بأريحية كاملة في الوقت الذي تصاعد فيه غضب المتابعين ويزيد حدة السؤال عن هذا الوضع المزري الذي يرى فيه نجمتين شهيرتين فما بالك بمن هم خارج الأضواء؟

في نفس التوقيت أيضاً ترى عودتهما على الشاشة بالتزامن فتظهر "إيمان" في إعادة افتتاح طريق الكباش ثم ضيفة في برنامج "صاحبة السعادة" مع النجمة "إسعاد يونس" لتمر أيام قليلة وترى "ياسمين" على كرسي الضيف أمام "منى الشاذلي" وكلتاهما تروي سلسلة من المهازل مرتا بها في تجربتيهما تقشعر لها الأبدان وتنهمر دموعك أمام روايتهما في لحظاتهما الأخيرة قبل ملاقاة موت محتوم كما رأى الأطباء المعالجين للثنائي فيعود السؤال بحدة مضاعفة مرات ومرات .. هذا يحدث مع مشاهير في كبرى المستشفيات المتخصصة والمفترض بها أمهر وأفضل الأطباء فما الذي يحدث مع المرضى من الأفراد خارج نطاق الشهرة؟

كم من حوادث إهمال طبي أصابت مرضى وأنهت حياتهم دون أن نسمع عنها أو عن تفاصيلها ولأن ضحاياها بعيدون عن أضواء الشهرة فتضيع حقوقهم ويستمر الجناة من المهملين يرتدون "البالطو الأبيض" ويوقعون المزيد من الضحايا.

"من آمن العقاب .. أساء الأدب" متى سيكون هناك خطوة جادة لإيقاف مهازل الأخطاء الطبية؟ متى تتخذ نقابة الأطباء موقفاً حاسماً من تلقاء نفسها دون انتظار لمقاضاة المتضرر للطبيب المهمل أو المخطئ؟

كيف صمتت هذه النقابة عن عرض التاريخ المرضي لـ "ياسمين عبد العزيز" على الملأ ليصبح في متناول رجل الشارع البسيط دون الرجوع على الطبيب صاحب هذا الفعل المشين بأي عقاب مُعلن خاصة أن ما فعله جريمة تخالف قسم المهنة وبالسكوت عليها نفتح الباب على مصراعيه لتكرارها؟!

قد تسامح "ياسمين" في حقها كما أعلنت تفضلاً منها ولكن هناك حق للمجتمع والمهنة أما ما قامت به "إيمان الحصري" من اتخاذ إجراءات قانونية لمقاضاة طبيبها المخطئ في عمليتها الجراحية الرئيسية وأيضاً في محاولته لتدارك الخطأ الأول فتبعه بخطأ آخر كارثي هو الصواب بعينه ولا يجب أن تتنازل بل من الواجب مقاضاة النقابة نفسها لتخاذلها وصمتها دون القيام بواجبها المهني والأدبي في حماية المرضى من موت محتمل على أيادي أطباء مهملين ومتجاوزين.

السؤال الأخطر ...

هل ننتظر حتى نستغيث برئيس الجمهورية ليترك مسئولياته الكبرى والمخاطر التي تحيط بالدولة من الخارج والداخل ونطالبه بإعطائه تفويضاً شعبياً لمواجهة الموت المحتمل؟!

"إيمان الحصري" و "ياسمين عبد العزيز" .. العائدتان من الموت برحمة من الله قد تكونا علامة قدرية للانتفاض الحتمي والحاسم ضد الإهمال الذي يتدهور بمهنة الطب ويسيء إلى سمعتها خاصة بعد ما اضطر الطبيب الألماني المعالج لـ "إيمان الحصري" بالخارج للاعتذار لها نيابة عن جموع أطباء العالم بعد هول ما رآه من أخطاء كارثية وضعتها على بوابة الآخرة!

خيط رفيع يربط بين "ياسمين" و"إيمان" ليس فقط في تفاصيل التجربة المأساوية المشتركة ولكن في صدمة كل منهما في حجم الاهتمام بهما وحب الناس ودعائهم لهما رغم نجومية "إيمان" الإعلامية منذ سنوات طويلة أما "ياسمين" فهي نجمة جيل كامل وهو ما يدهشك ويقودك في نفس الوقت لبساطتهما وعدم تكلفهما أو تقديرهما لأهمية وجودهما بالشكل المبالغ فيه فلأنهما من المحترمات اللاتي تركن بصمة صادقة في نفوس جماهيرهن فوجدوهم حاضرين بقوة وقت الأزمة لتتمخض هذه المحنة عن درس هام ...

كل شيء مهما كان لامعاً وباهظاً من مال وجاه وسلطة وجبروت زائل .. كدبة الحياة وفتنتها أمام حقيقة واحدة فقط ...

"الله سبحانه وتعالى" الذي بيده ملكوت كل شيء ولا نملك أمامه في أنفسنا شيئاً.