الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:46 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

من الموت إلى الحياة.. منقذو الحيوانات يسطرون حكايات الرأفة في قاموس الإنسانية

أرشيفية
أرشيفية

«حق الحياة ليست حكرًا على الإنسان.. ومن قلب المحن تأتي المنح»، عبارات انبثقت من الظلام وخرجت للنور، التزاما بما قاله رسولنا الكريم، وما حدثنا به لكل من عاقب حيوان أو أساء إليه، قائلا في حديثه الشريف: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ».

وفي ظل مطالبات منظمات حقوق الحيوان، بالرفق بالحيوانات الأليفة، وحمايتهم من العنف الجسدي الذي يتعرضون له من قبل بعض البشر، اتجهت قلوب تنبض بالحنو والعطف والطبطبة، لإيواء القطط والكلاب المشردة من أذى البرد والمرض والجوع، لذا «الطريق» التقت ببعض الرحماء لسرد حكاياتهم، ليكونوا قدوة وأسوة لكل نفس سولت لها نفسها إيذاء أضعف خلق الله.

«وائل» صمم غرف خشبية لـ7 جراوي

وائل منصور موظف في أحد أحياء القاهرة، استطاع أن ينقذ عددا كبيرا من الحيوانات الضالة في الشارع، وخاصة الكلاب، من الموت، من خلال تصميم غرف خشبية مزودة بالإضاءة لـ7 جراوي، داخل غرفة كبيرة، وتستوعب تطور حجمهم، وأحضر 3 بطاطين، ليكون بيتا لهم يأويهم من أذى البرد، ومناسبا لهم خاصة في موسم التزاوج، وعدم الحرمان من أبنائهم "الجراو".

الفكرة التي انتابت الشاب وائل، لم تأت من فراغ، بل جاءت عندما شاهد سكان المنطقة يرمون الكلاب بالحجارة كونها تجلس تحت المنزل فقط، وعندما رآهم يموتون من شدة البرودة، عبر قائلا: «ثقافة مجتمعنا فيها تحجر فكري وموت للأحسايس.. وإن كان هناك أحاسيس شبه حية فهي سلبية؛ فقط يكتفون بالتعاطف بدون تفعيل عملي».

لم تقف الفكرة عند هذا الحد، بل أشار الشاب إلى أنه يفكر خلال الفترة المقبلة في بناء مكان بمنطقة دمنهور لتكون مأوى للجراو اليتيمة، قائلا: «في ناس عندها تردي خلقي أدخلتنا في فجوة سحيقة بين غرائزنا البهيمية وضمائرنا، كلاهما لايلتقيان فى قلب واحد فإما الهمجية أو الرحمة والتحضر».

محمد جاد: بساعد القطط والكلاب على قد مابقدر

أما الشاب محمد جاد خريج كلية تجارة، كان يتبنى قططا وكلابا صغيرة، وعندما تكبر يتركها إلى الشارع، يحتفظ بصورهم ومقاطع فيديو لهم، تؤرخ لأعمارهم المختلفة، لأنه يشعر بالحنين إليهم بعد مغادرتهم منزله، أمور عادية لم تتخط كونها عشق متبادل بينه وبين الحيوانات الأليفة التي يشعر بالسعادة بقربه منها، بحسب وصفه في تصريحاته لـ"الطريق"، مشيرا إلى أن عددها كان كبيرا «أكثر من 30 قطة وكلب، منهم ما هو نزل إلى الشارع ومنهم الذي مات في الأخير».

موقف حدث أمام «محمد» منذ قرابة عام ونصف، غير نظرته إلى القطط بصفة عامة وحيوانات الشارع بصفة عامة «بقالي سنة ونصف، حبيت الحيوانات أكثر، عندما رأيت قطًا صغيرًا في الشارع بردان، ومش قادر يتحرك خدته عندي البيت، بس للأسف مات، ومن ساعتها حاولت أساعد قد ما ربنا يقدرني.. وأصلا التكلفة مش كتير ممكن بـ50جنيه أجيب رجول فراخ وصدور يأكلوأ أكتر من 10 كلاب»، الأهم هو الرحمة والعطف والحنو، الباقي سهل وربنا بيسهلها.

قطة عمياء.. منقذها يشعر بذنب نفوقها

«القطط والكلاب محتاجة للطبطبة.. عمري ما شوفت منهم أمراض أو حاجة وحشة زي الناس ما بتقول وتخاف»، هكذا يرى محمد، ساردا معاناته مع المجتمع الذي يرميه بالجنون «في العمارة كانوا بيقولوا عليا مريض نفسي، لكن الحقيقة لقيت عندهم وفاء وحب مش موجود عند أي حد تاني خالص، بالعكس ملقتش حد بيحبني زيهم من أهلي، دايما أنا اللي بدور عليهم.. في كل شارع، في أي مقلب زبالة، بروح أدفيهم، وأشوف حاجات قديمة أفرشها لهم لو عندي مشوار ومستعجل».

وقف محمد عاجزا أمام قطة عمياء، ولم يستطع مساعدتها «حسيت أني السبب في موتها، لأنها كانت صغيرة وعمياء، جبتلها لبن معلب، بس مكنتش أعرف أن ليها لبن خالي من اللاكتوز، الصبح لاقيتها ماتت، جالي اكتئاب، وفضلت في البيت يومين مش حابب أخرج وأشوف صحابي»، وفي واقعة أخرى ظل يبكي بالدموع بحسب وصفه، لأنها أنقذ قطة وأتى لها بلبن وبعد أن شربته نقفت في اليوم التالي مباشرة، وكان يظن أنها نائمة.

واصل «محمد» رحلته مع التبني، مؤكدا أنه لا يتحمل رؤية حيوان مسكين سواء يصارع المرض أو الجوع والبرد «مش بسيب أي قط مرمي في الشارع، باخده معايا علطول، ولما بيزيد العدد عندي والبيت ميبقاش مستحمل، بتصل بجمعية بتتبنى الحالات دي يخدوهم ويعالجوهم»، مؤكدا أن هناك العديد من الناس يتبرعون ويأتون بمأكولات للقطط التي يتبناها، مشدد على أنه سيظل هكذا على ما يسمعه من كلام مؤذٍ واتهامات بالجملة «بيقولولي بدل متجيب فراخ إحنا أولى بيها.. مهما أسمع من كلام هفضل مكمل، وكمان خسرت فلوس كتير بسبب القطط، بس والله ربنا بيعوضني بعد كدة».

يمنى ياقوت.. لم تتحمل سماع مواء القطة فاصطحبتها لمنزلها

يمنى ياقوت طالبة بكلية تربية، من الإسكندرية، لديها قطتين عمرهما 5 سنوات تقريبا، وما دفعها للتبني، أنها أثناء مرورها بأحد الشوارع، سمعت مواءً شديدا بلا انقطاع، فلم تتحمل تركها، ظلت تسأل كثيرا دون جدوى، ونظرا لبرودة الجو وعدم العثور على أمها، صحبتها إلى منزلها «لما روحت البيت قعدت أفتش في جسمها وأشوف ليكون في جسمها حاجة، لقيت عندها فطريات، عالجتها أولا لأنها روح مثل الإنسان، وثانيا لأنه ثواب».. وليس هناك خوف من أي شيء بحسب يمنى، مؤكدة أنها على استعداد لإنقاذ هذه الحيوانات البريئة دائما، إلا أن إمكاناتها المادية تقف حائلا، ومع ذلك فهي تقتص من مصروفها للجامعة لآداء المهمة الإنسانية.

حب ذاتي وألفة متبادلة بين المهندسة إنجي عبد الرؤوف، ومجموعة من القطط تربيها في منزلها، دفعها إلى النزول للشارع وإنقاذ تلك الأرواح البريئة التي ألقى بها أصحابها إلى غياهب الظلم والهوان، إثر جائحة كورونا خلال العامين الماضيين «بدأت أحاول أطلع القطط اللي بتتسرب في الشارع، خصوصا فترة كورونا، الناس رميت قططها وكلابها في الشارع عشان خايفين يتعدوا»، بالنسبة للكلاب لم يكن لي تعامل معهم، لكن منذ عامين ولدت كلبة قدرا أسفل منزلي، فتحرك قلبي ناحيتها وأطفالها، وكنت أرعاهم بعناية، خاصة بعد ما شاهدته من الأهالي والأطفال الذين كانوا يعذبوهم بشدة وبلا رحمة.

كيف تكافح مصر الكلاب الضالة؟

وفي ظل المبادرات التي تنادي بإنقاذ الحيوانات الضالة من الشوارع وتبنيها في المنازل، يتبادر إلى الأذهان العديد من الأسئلة هل هذا يتعارض مع استراتيجية التنمية المستدامة 2030 لمكافحة مرض السعار، وهل بدأت مصر في تنفيذ تلك الاستراتيجية خلال الحملات التي تواجهها الدولة للقضاء على الكلاب المصابة بـ السعار؟ ويدور سؤالا آخر في مخيلة الكثيرين، هل ما زالت مصر تكافح الكلاب الضالة بالقتل بالخرطوش أو بالسم.. أم ماذا؟.

فالإنسان عندما يقترب على كلب يرتجف في الشارع من شدة البرودة، ويتعرض لأذى السيول التي تجرف كل من يواجهها، همه الأول الإنقاذ، دون التفكير هل الحيوان مصاب أم غير مصاب، رغم أن «داء الكلب» من أكثر الأمراض إثارة للفزع، وفقا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الرسمي.

«داء الكلب» مرض يرجع تاريخه إلى أكثر من 4000 عام، ويتوطن هذا الداء اليوم، في أكثر من 150 بلدا في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من إمكان الوقاية من هذا المرض، فإنه يودي بحياة نحو 59000 شخص سنويا، ونحو 40% من ضحايا المرض من الأطفال دون الخامسة عشر، ممن يعيشون في آسيا وأفريقيا.

التنسيق بين القطاعات البشرية والبيطرية

وتحتوي محاور الاستراتيجية للتنمية المستدامة 2030، والتي أقرتها مصر في سبتمبر 2020 -وفقا لما نشر على موقع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة- على التنسيق الوثيق بين القطاعات البشرية والبيطرية وجماعة الممارسين على اتساعها، ويستلزم إشراك المجتمعات المحلية والعاملين الصحيين، لتكوين الوعي بالمشكلة والوقاية من التعرض للعقر، وللوقاية من سريان المرض عن طريق تقديم التدبير العلاجي لأسراب الكلاب وضمان اكتساب المناعة الجماعية من خلال تطعيم الكلاب، ولتوفير العلاج الوقائي والرعاية بعد التعرض للضحايا المعرضين للعقر.

ناشطة: نسبة السعار في مصر تكاد تكون منعدمة

وفي هذا الصدد، تقول دينا الفقار الناشطة في مجال حقوق الحيوان، إن مصر لا يوجد بها نسبة عالية من السعار، وتكاد تكون منعدمة، مثلما تهول بعض الوسائل الإعلامية، بل إن حملات إنقاذ الحيوانات عامة، والكلاب والقطط خاصة، أمر في غاية الرحمة، ولا تتعارض مع استراتيجية التنمية المستدامة 2030، كما أن حملات قتل الحيوانات لا تتبع في مصر، إلا للحيوانات التي لا يرجى شفائها، مشيرة إلى إخضاعها للفحص الطبي عدة مرات.

ويرى الدكتور محمد سيد استشاري طب وجراحة حيوانات أليفة بجامعتي الأقصر وأسيوط، أن معظم الناس التي تنقذ القطط والكلاب في الشارع، بتربي أصلا الحيوانات في المنزل، ما يجعل لديهم خبرة في التعاون معنها، كاشفا عن وجود 35% فقط يترددون على العيادة للكشف على الحيوان الذي أنقذوه من الشارع، «معظم القطط والكلاب التي يجرى إنقاذها من الشارع، لديها مشكلة عدم الرؤية نتيجة تعرضها لتصادم.. مريضة.. تعاني من البرد القارس، أو مسمومة».

ينفي الطبيب، ثمة أمراض مشتركة بين الإنسان والقطط والكلاب، لكنها من الممكن أن تنقل الحشرات مثل البراغيت، وهذه من السهل التعامل معها، ولا توجد أمراض خطيرة بين القطط والكلاب مباشرة، لكن من الممكن أن تكون خطرا على الحيوانات الأخرى التي تربى في البيت، موضحا أن «الاستحمام للقطط والكلاب غير كاف، نظرا لأن البراغيت تعيش في المياه، فلا بد من استخدام مضاد للبراغيت، ومضاد للحشرات، خاصة عند الكلب إذ أصيب بالقراد».

اقرأ أيضا:

«بر أمان» تعيد الحياة لصائدات السمك.. و«التضامن» تمدهن بالحماية الاجتماعية