الطريق
الثلاثاء 21 مايو 2024 05:53 صـ 13 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قمة جدة.. الإدارة الأمريكية تحاول إعادة توجيه علاقاتها في الشرق الأوسط

الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد محمد بن سلمان
الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد محمد بن سلمان

تشكل أول زيارة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، منذ توليه منصبه، أهمية بالغة، على المستويات الخليجية والإقليمية والدولية.

وتحظى تلك الزيارة باهتمام دولي وعالمي، خاصة مع مشاركة الرئيس الأمريكي في القمة العربية الأمريكية المعروفة باسم «قمة جدة للأمن والتنمية» التي تستضيفها مدينة جدة غرب السعودية اليوم، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق.

وقد سبق زيارة بايدن للمنطقة حراك كبير في المنطقة، شمل عقد قمم عربية واجتماعات بين قادة دول المنطقة، بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل في المقابل، شهد أيضاً تحركات عسكرية ودفاعية في إيران بالإضافة إلى تصريحات مختلفة من مسؤولين إيرانيين سواء ما يتعلق بالزيارة أو غيرها.

تصحيح الأخطاء

اللافت في زيارة بايدن للمنطقة، هو ما صدر عنه وعن مسؤولين أمريكيين، في أن الزيارة تعد تصحيح لأخطاء أمريكية نتيجة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التركيز على تعزيز العلاقات مع السعودية، خاصة بعدما شهدت العلاقات بين البلدين فتوراً خلال المرحلة الماضية، لكن سرعان ما انتبهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أهمية الاستدارة نحو السعودية، لاسيما وأن المملكة تعد رقماً صعباً ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل على مستوى عالمي خاصة ما يتعلق بالاقتصاد، والنفط.

وتكتسب زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة أهمية خاصة ليس لأنها الأولى منذ توليه منصبه، وإنما لدلالاتها والقضايا التي ستتناولها.

وتتجه الأنظار السياسية الدولية إلى مدينة جدة، حيث تحاول الإدارة الأمريكية إعادة توجيه علاقاتها في المنطقة.

العلاقات المستقبلية

ويرى إميل أمين الباحث السياسي في العلاقات الدولية، أن اللقاءات والاجتماعات المرتقبة بين القادة اليوم في جدة سوف ترسم خارطة العلاقات المستقبلية والدور الأمريكي المقبل، خاصة في ظل التغيرات العالمية المتسارعة وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم أجمع.

وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، ومشاركته في قمة جدة لتعيد التساؤلات عن أي سياسة تختار هذه الإدارة، وهل الأمر هو خيار مطلق لساكن البيت الأبيض أم أن هناك من أدرك حتمية تصحيح المسار تجاه الخليج العربي والشرق الأوسط.

وقال أمين في تصريحات لموقع «الطريق»، إن الزيارة ليست قراراً فوقياً للرئيس، وإنما هي تعبير عن تفاعل معقد بين عدد من الدوائر الحكومية الأمريكية تشمل وزارة الخارجية، والبنتاجون، ومجمع الاستخبارات، والكونجرس، ثم مجلس الأمن القومي، وصولاً إلى الرئيس.

السياسة الأمريكية

وأضاف أن عملية صنع السياسة الأمريكية، جرت العادة أن يتقاذفها تياران، الواقعية والمثالية، ومن غير أن يقدر لأحدهما الحسم الكامل والشامل، إلا في اللحظات المصيرية للولايات المتحدة الأمركية.

وأشار الباحث السياسي إلى انتصار تيار الواقعية السياسية الأمريكية هذه المرة، بعد مراجعة أقتضتها عوامل الحال، وبانت جلياً، للقائمين على الدولة العميقة في الولايات المتحدة.

وتعرف الواقعية على أنها مدرسة نظرية في العلاقات الدولية، فيما نشأت نظريات الواقعية السياسية من خلال أعمال المفكر السياسي الإيطالي الأشهر نيكولا ميكيافيللي، ومن بعده الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، كنهج للعلاقات الدولية، وتعد الواقعية السياسية، بمثابة رد فعل على تيار المثالية.

الواقعية الأمريكية

وتابع أمين أن رجوع إدارة بايدن إلى صوابها الشرق أوسطي، تقف وراءه بعض من أفكار أبو الدبلوماسية الواقعية الأمريكية المعاصرة، وبطريرك السياسة الأمريكية في نصف القرن الماضي، هنري كيسنجر، والذي لا يزال ينطق ويمنطق التاريخ برؤاه، سواء اتفقنا معه أو افترقنا عنه.

ونوه إلى أنه في عالم السياسات المثالية الأمريكية، تنبع القرارات من رؤى إنسانوية ما بعد أو ما فوق أخلاقية، وهي في واقع الحال لا تتسق وسجلات التعاطي الأمريكي مع العالم، وخرقها وحرقها للكثير جداً من معطيات حقوق الإنسان، ومنطلقات الديمقراطية، وتوجهات الليبرالية التي أظهرت سخطها أخيراً.

وأردف أمين: أن واشنطن نسفت في العقدين الأخيرين، سرديتها الروحانية، حول «المدينة فوق جبل»، وحلت محلها السياسات الواقعية، النابعة من صالح ومصالح الأمة الأمريكية، والأكثر أهمية في سياقات متطلبات علم الاقتصاد وعلم السياسة الطبيعية.

واعتبر الباحث السياسي أن زيارة بايدن إلى السعودية تتجاوز المسائل اللوجيستية الطارئة، لا سيما أزمة الطاقة على أهميتها وخطورتها في بلاده، لا سيما أن مرحلة جديدة وخطيرة من الاستقطابات الدولية تجري بها المقادير، وقد كان آخرها المفاجأة التي أعلنها الرئيس الروسي بوتين بزيارته الثلاثاء المقبل إلى إيران، وعقده قمة ثلاثية مع إبراهيم رئيسي، ورجب طيب أردوغان، الأمر الذي يعد رسالة سريعة إلى واشنطن من جهة، وإلى دول المنطقة وحلفاء الولايات المتحدة من جهة ثانية، وضمن توازنات القوة الخشنة تارة، والناعمة تارة أخرى.

أهمية المنطقة

وزاد أمين أن الواقعية السياسية التي أدركها القائمون على أوبرا السياسة الخارجية الأمريكية تقول، إن المنطقة باتت حجر زاوية في مواجهة محاولات الاستئثار بها من قبل قوى إقليمية لا تخفى عن العين، تسعى لفرض سطوتها عبر أذرعها الميليشياوية، ورفضها منطلقات حسن الجيرة، ومفاهيم الدولة الويستفالية.

ونوه إلى أن قمة جدة تلفت الانتباه للسعودية في أكثر من اتجاه، والبداية من عند ثورة التنوير والوسطية، الكفيلة بمواجهة ومجابهة جميع أيديولوجيات التطرف، والتي أسهمت واشنطن في إشعال نيرانها منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، وها هي الرياض تحمل مصابيح الاستنارة للعالم الإسلامي.

ولفت أمين إلى أن السعودية تمضي في عملية بناء ونماء غير مسبوقة، تهتم فيها بالبشر قبل الحجر، وتسعى في طريق إحداث تغيرات اجتماعية وثقافية، اقتصادية وفكرية، تتسق وما بعد مرحلة الريع النفطي، وتبقى السعودية في كل الأحوال المعين الذي لا ينضب، لسائل الحضارة المعاصرة، أي النفط، ما يعني أنها رقم صعب في المنظومة الأممية، وأنه من الأنفع والأرفع الحفاظ عليها كصديق، من انتقالها إلى مربع الخصوم.

وأكد الباحث السياسي أن مشاركة مصر والعراق والأردن في قمة جدة تأتي بمثابة إعلان عن إرادة عربية موحدة، قادرة على رسم ملامح شرق أوسط بالشراكة الإيجابية، وليس بالفوقية التقليدية.