الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 08:45 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

رحيل فرنسا من مالي.. هل يصبح الساحل الإفريقي رهينة الإرهاب؟

القوات الفرنسية خارج التراب المالي بعد 9 أعوام
القوات الفرنسية خارج التراب المالي بعد 9 أعوام

بعد نحو عقد من الوجود العسكري في مالي، غادر آخر الجنود الفرنسيين من البلد الإفريقي، في خضم توتر قائم مع المجلس العسكري الحاكم، وسط مخاوف حول تداعيات القرار على أمن بلد يُخشى أن يتحول مجددا إلى قاعدة خلفية للتنظيمات الإرهابية.

خطوة انسحاب فرنسا من مالي بعد أكثر من تسعة أعوام على تواجدها تنهي واحدة من أكبر عمليات الجيش الفرنسي بالخارج.

وأفادت رئاسة الأركان الفرنسية -في بيان- بأن آخر كتيبة من قوة «برخان» متواجدة على الأراضي المالية عبرت الحدود بين مالي والنيجر.

وبمجرد الانسحاب من مالي، تقلّص فرنسا وجودها في منطقة الساحل الإفريقي إلى النصف من خلال الإبقاء على 2300 جندي فقط في المنطقة.

ومن الآن فصاعدًا، سيقدم الجيش الفرنسي دعمه لدول غرب إفريقيا، ولكن في الخط الثاني في النيجر -الشريك المميز الجديد- سيحتفظ الفرنسيون بأكثر من ألف جندي وقدرات جوية.

ووافقت النيجر على الاحتفاظ بقاعدة جوية في نيامي ودعم 250 جنديًا لعملياتها العسكرية على حدود مالي.

وستواصل تشاد استضافة قاعدة عسكرية فرنسية في نجامينا، وتأمل فرنسا في الاحتفاظ بكتيبة من القوات الخاصة في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

هذا الانسحاب الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قرّره في 17 فبراير، يضع حدًا لتدخل عسكري فرنسي في مالي استمر نحو عشر سنوات، ويرجّح أن يبقى الأخير بهذا الحجم لفترة طويلة.

وكانت عملية «برخان»، التي أعقبت عملية «سرفال»، التي انطلقت في عام 2013، بقيادة فرنسا مع خمس دول في منطقة الساحل والصحراء (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد) قد أتاحت القتال لمدة 9 سنوات ضد الجماعات المتشددة في منطقة الساحل وتأمين مناطق عديدة من الأراضي المالية.

لكن العلاقات مع مالي التي دعت فرنسا للمساعدة في عام 2013، تدهورت منذ وصول المجلس العسكري إلى السلطة، ونمت المشاعر المعادية لفرنسا بشكل مطرد في البلاد وخرج الماليون للتظاهر للمطالبة بتسريع رحيل القوة العسكرية الفرنسية.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو محمد إسماعيل، أن الظهور المفرط للجيش الفرنسي جعله يظهر كقوة استعمارية وبدل أن يمد يد العون للجيش المالي على مستوى العتاد والتقنيات وبناء الجيش دخل في مواجهة مباشرة مع المتشددين ما اعتبره المواطن المالي تهميشا للجيش المحلي.

قاعدة خلفية للإرهاب

ورغم أن باريس قد تنقل مركز محاربتها للإرهاب في الساحل الإفريقي إلى النيجر، إلا أن هناك مخاوف من إخلاء مالي من وجود كان يشكل حائط صد في منطقة تعد معقلا لتنظيمي القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.

وقال إسماعيل في تصريحات لموقع «الطريق»، إن الانتشار الفرنسي الذي استمر 9 سنوات حقق -رغم التحديات- مكاسب جوهرية، ما يعني أن انسحاب قواتها قد يحول مالي مجددا إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وسينعكس ذلك مباشرة على أمن منطقة الساحل الإفريقي ومن بعدها دول عربية كثيرة بمقدمتها بلدان المغرب العربي.

وأضاف أنه بالنسبة لهذه المناطق، يشكل الانسحاب الفرنسي من مالي، ومن بعده تعليق العمليات العسكرية الألمانية، ضربة قاصمة لجهود مكافحة الإرهاب بهذا البلد الذي يشكل عمق الساحل، كما أنه في حال إعادة انتشار القوات الأوروبية -على الأقل وفق الخطة الفرنسية- قد لا يشكل بديلا فاعلا ضد التنظيمات التي تتحين ما ستخلفه المواقف من ثغرات.

وتابع إسماعيل إنه في حال استعادت التنظيمات الإرهابية قدرتها على تنظيم صفوفها بشكل أكبر، مستثمرة الفراغ العسكري، فإن مالي ستتحول مجددا إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وهذا الأمر قد يمثل خطرا على منطقة الساحل ومن ورائها ليبيا أيضا، وخصوصا منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، والتي كانت في السابق قاعدة خلفية للإرهابيين، وقد تستعيد دورها في سيناريوهات مشابهة.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن رحيل فرنسا من مالي ستكون له ارتدادات وخيمة في الساحل الإفريقي وفي الخارج عموما، ما يسهل إعادة تشكيل طرق الإمداد ومصادر التمويل للعديد من التنظيمات الإرهابية الناشطة جنوب الصحراء الكبرى.

الوجود الفرنسي

منذ إطلاق عملية سرفال الفرنسية في مالي عام 2013 والتي نقلت عام 2014 إلى قوة برخان، التي أنجزت الإثنين انسحابها من البلاد، بدفع من المجلس العسكري الحاكم، بمالي، مر الوجود الفرنسي بعدة محطات.

سرفال

في مارس 2012، سيطر المتمردون الطوارق الانفصاليون على مناطق الشمال الثلاث كيدال وغاو ثم تمبكتو (شمال مالي)، لكنهم ما لبثوا أن أُبعدوا على أيدي شركائهم المرتبطين بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

في 11 يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية سرفال في مالي لوقف تقدم الجهاديين.

في نهاية يناير، استعاد الجنود الفرنسيون والماليون مدينة غاو ثم دخلوا إلى تمبكتو من دون قتال قبل أن يسيطروا على مطار كيدال.

بعد ثلاثة أسابيع من بدء التدخل الفرنسي، لقي الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند استقبال الفاتحين في باماكو وتمبكتو.

في الأول من يوليو، أطلقت عملية الأمم المتحدة المتكاملة لإحلال الاستقرار في مالي (مينوسما)، وحلت محل قوة إفريقية.

برخان

في مايو 2014، استعادت مجموعات متمردة من الطوارق والعرب السيطرة على كيدال بعد مواجهات مني فيها الجيش المالي بهزيمة كبيرة.

في الأول من أغسطس، حلت محل «سرفال» عملية «برخان» ذات الأبعاد الإقليمية بمشاركة ثلاثة آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل.

في مايو 2015 وقع اتفاق السلام في الجزائر العاصمة بين الحكومة المالية والمتمردين السابقين من الطوارق، لكن تطبيقه بقي صعبا.

منذ ذلك الحين، امتدت أعمال العنف إلى الجنوب ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

اعتداءات

اعتبارا من 2015، تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب، وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ متشددون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.

في مارس 2017، اتحد الإرهابيون المرتبطون بتنظيم القاعدة لبلاد المغرب الإسلامي وحركة الداعية الفولاني المتطرف امادو كوفا الذي ظهر في 2015 في وسط مالي، تحت مظلة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» بقيادة إياد أغ غالي المنتمي إلى الطوارق.

أواخر عام 2019، قُتل 13 جنديًا فرنسيًا جراء حادث تصادم مروحيتين، وانتشر تنظيم داعش أيضا في الصحراء الكبرى وشنّ سلسلة من الهجمات الواسعة على قواعد عسكرية في مالي والنيجر.

وصُنف داعش العدو الأول خلال قمة بو (جنوب غرب فرنسا) في يناير 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).

سقوط قادة

بالإضافة إلى تركيزها على تنظيم داعش، واصلت «برخان» في 2020 سياستها في القضاء على الكوادر الإرهابية.

في 4 يونيو، قتلت قوة برخان زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الجزائري عبد المالك دروكدال في مالي في نجاح رمزي كبير، وفي نوفمبر، قتلت فرنسا بالرصاص القائد العسكري للحركة باه أغ موسى.

لكن المتشددين لم يخففوا قبضتهم. فقد قتل تنظيم داعش في الصحراء ستة عمال إغاثة فرنسيين في أغسطس 2020 في النيجر.

في 2021 قتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي.

انقلابات متتالية

في 18 أغسطس 2020، أطاح انقلاب بالرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا؛ الذي انتخب في 2013 بعد أشهر من أزمة سياسية.

وتدهورت العلاقات بين باريس وباماكو بعد انقلاب جديد في 24 مايو 2021.

فرنسا تحزم أمتعتها

في 10 يونيو 2021 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرحيل التدريجي لخمسة آلاف عنصر من قوة برخان لإبقاء قوة مخفضة من 2500 إلى 3000 رجل.

في 25 سبتمبر 2021 اتهم رئيس الوزراء المالي فرنسا «بالتخلي في منتصف الطريق» عن بلاده مع خفض عديد برخان مبررا ضرورة «البحث عن شركاء آخرين».

وفي نهاية ديسمبر نددت حوالى 15 قوة غربية بينها باريس ببدء انتشار مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية في مالي.

في 9 يناير 2022 أغلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حدودها مع مالي وفرضت عليها حظرا بسبب إرجاء انتخابات رئاسية وتشريعية، كانت مرتقبة في 27 فبراير، ثم رفع الحظر في يوليو الماضي.

وفي 15 أغسطس، أعلنت فرنسا سحب آخر جنودها ضمن قوة برخان، من دولة مالي، لتتفاقم المخاوف من توسع الثغرات الأمنية، انطلاقا من مركز العنف بمنطقة الساحل ومعقل القاعدة وداعش.

تصاعد الإرهاب

يقع الساحل الإفريقي بمفترق طرق الإرهاب، حيث تنشط تنظيمات مثل القاعدة وداعش علاوة على بوكو حرام التي وسعت نطاق عملياتها من شمال شرقي نيجيريا وصولا إلى المنطقة التي لم تفلح جهود فرنسا ودول الساحل الخمس (باتت 4 بعد انسحاب مالي لتشمل موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر)، في القضاء على الإرهاب فيها.

وبإعلان فرنسا انسحابها من مالي قبل أشهر، ارتفعت وتيرة الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو والنيجر، متأثرة بفراغ أمني في عمق أراضي المنطقة.

وبانسحاب باريس التي أضعفت الانقلابات العسكرية في مالي وتشاد وبوركينا فاسو تحالفاتها في مستعمراتها السابقة، يفتح الباب أمام فراغ أمني بمنطقة الساحل وسط مخاوف من أن يفاقمه انسحاب ألماني محتمل يعقب خطوة تعليق العمليات العسكرية.

ويشارك الجيش الألماني في مالي بحوالي 300 جندي في مهمة التدريب الأوروبية، فيما يتمركز حوالي ألف جندي بالبلد الإفريقي كجزء من بعثة مينوسما.

اقرأ أيضا: ألمانيا تعلق معظم عملياتها في مالي

موضوعات متعلقة