الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 04:49 مـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

ألمانيا في ورطة مع مالي.. هل تترك الساحل الأفريقي غنيمة للفوضى؟

جنود ألمان في مالي
جنود ألمان في مالي

بتعليق ألمانيا معظم عملياتها في مالي تتفاقم المخاوف من توسع الثغرات الأمنية، انطلاقا من مركز العنف بمنطقة الساحل ومعقل القاعدة وداعش.

ثغرات يخشى أن ترفع منسوب العنف وتزعزع استقرار الدول المجاورة وتحفز الهجرة، ما يفتح على المنطقة أبواب الفوضى وتنامي الإرهاب المتغلغل فيها أصلا.

وأعلنت ألمانيا تعليق الجزء الأكبر من عملياتها العسكرية بمالي في إطار بعثة الأمم المتحدة، حتى إشعار آخر، بعد رفض السلطات المالية مجدّدا السماح لطائراتها بالتحليق.

ورفضت حكومة مالي منح طائرة ألمانية التصريح اللازم للهبوط في مطار جاو (Gao) الدولي.

هذه الطائرة محملة بفرقة من كتيبة مشاة الجبال الألمان (Gebirgsjäger)، التي تحاول الحكومة الألمانية منذ فترة إرسالها إلى باماكو لاستبدال 140 جندي في المطار انتهت فترة خدمتهم منذ مدة، وباتوا فعلياً عالقين هناك.

سيناريو أفغانستان

في منتصف مارس الماضي، أعلنت فرنسا سحب قواتها بالكامل من مالي، لتنهي بذلك وجودا استمر لسنوات ضمن قواتها لمكافحة الإرهاب في عمليتي (برخان) و(تكوبا).

وفي أوروبا الغربية دائما، جرت حينها نقاشات في ألمانيا حول ما إن كان من المنطقي استمرار مهمة البعثة الأممية في مالي (مينوسما) والتي تشارك فيها برلين بقواتها.

ومع تطور الأوضاع في البلد الأفريقي، يبدو أن وجهات النظر بين باماكو وبرلين ماضية في اختلاف توسع نطاقه حتى تجسد في قرار تعليق الجزء الأكبر من العمليات العسكرية الألمانية ضمن بعثة مينوسما.

ويبدو أن النقاشات كانت ترتكز بالأساس حول الجدول الزمني لانسحاب محتمل، وسط مخاوف وتحذيرات من أن يقود الانسحاب المفاجئ إلى ما حدث في أفغانستان، حين غادرت القوات الأمريكية البلاد فجأة وتركتها غنيمة للفوضى.

ويشارك الجيش الألماني في مالي بحوالي 300 جندي في مهمة التدريب الأوروبية، فيما يتمركز حوالي ألف جندي بالبلد الأفريقي كجزء من بعثة مينوسما.

تصاعد الإرهاب

يقع الساحل الأفريقي بمفترق طرق الإرهاب، حيث تنشط تنظيمات مثل القاعدة وداعش علاوة على بوكو حرام التي وسعت نطاق عملياتها من شمال شرقي نيجيريا وصولا إلى المنطقة التي لم تفلح جهود فرنسا ودول الساحل الخمس (باتت 4 بعد انسحاب مالي لتشمل موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر)، في القضاء على الإرهاب فيها.

وبإعلان فرنسا انسحابها من مالي قبل أشهر، ارتفعت وتيرة الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو والنيجر، متأثرة بفراغ أمني في عمق أراضي المنطقة.

وبانسحاب باريس التي أضعفت الانقلابات العسكرية في مالي وتشاد وبوركينا فاسو تحالفاتها في مستعمراتها السابقة، يفتح الباب أمام فراغ أمني بمنطقة الساحل وسط مخاوف من أن يفاقمه انسحاب ألماني محتمل يعقب خطوة تعليق العمليات العسكرية.

الوضع الأمني

وبحسب الباحث السياسي في العلاقات الدولية محمد عبد الله، فإن رفض السلطات المالية مجدّدا السماح لطائرة ألمانية بالتحليق خطوة تعكس مسارا طويلا من الخلافات بين برلين وباماكو.

وحذر عبد الله في تصريحات لموقع «الطريق»، من أن الانسحاب سيؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في مالي، ومن بعدها الساحل الأفريقي، وهو ما يمكن أن يكون وراء قرار برلين بتعليق عملياتها قبل وقف محتمل لها، للإفلات من تداعيات عامل المفاجأة.

خطوة قد تقدم عليها برلين في المستقبل القريب خصوصا أنها رحبت قبل أشهر بوقف الاتحاد الأوروبي لأجزاء من بعثته التدريبية في مالي، لعدم توفر ضمانات أمنية كافية من السلطات الأمنية.

ذراع روسيا

وبدوره، قال المحلل السياسي ياسر أبو معيلق، إن رئيس المجلس العسكري في مالي، الكولونيل أسيمي جويتا، هو الحاكم الفعلي للبلاد منذ نحو عام، يتقارب بشكل متسارع مع روسيا، التي أكد رئيسها فلاديمير بوتين هذا الأسبوع في مكالمة هاتفية مع الكولونيل تعاون بلاده الوثيق مع المجلس العسكري، كما تقاتل مجموعة فاجنر العسكرية الروسية أيضاً إرهابيي داعش في مالي.

وأضاف أبو معيلق في تصريحات لموقع «الطريق»، أن هذا التقارب لم يعجب الفرنسيين، الذين ينظرون إلى مالي على أنها جزء من دائرة نفوذهم، وبناءً عليه قرروا سحب جنودهم من مطار جاو، حيث يقع معسكر القوات الدولية العاملة ضمن مهمة (مينوسما) الأممية، بحلول منتصف الشهر الحالي.

وتابع أنه حالياً هناك رأيان في أروقة الحكم ببرلين: الرأي الأول لوزارة الدفاع، التي ترى أن المشاركة في المهمة الأممية لم تعد مجدية بسبب تضييقات مالي على حركة الطيران الألمانية، وتطلب إعادة النظر في المهمة برمتها، أما الرأي الثاني فهو لوزارة الخارجية، التي ترى أن بالإمكان الوصول لحل دبلوماسي يرضي الجميع، وأن الانسحاب الألماني سيتسبب في انهيار المهمة بأكلمها على مبدأ أحجار الدومينو.

فشل برلين

وأشار المحلل السياسي إلى أنه على ما يبدو، سيتم بالفعل نهاية الشهر الحالي تقييم المشاركة الألمانية في المهمة الأممية، أسوة بالفرنسيين، وربما ينتهي الأمر بإنهاء المهمة تماماً، وعندها ستصبح الساحة في مالي للروس بلا منازع.

ويرى أبو معيلق، أن السياسة الألمانية الخارجية تدهورت بشكل ملحوظ في ظل الائتلاف الحالي مقارنة بحقبة ميركل بغض النظر عن تراكم المشاكل على الحكومة الحالية، لاسيما الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة، إلا أن طريقة إيصال الرسائل والتصريحات، وقوة التفاوض كلها منقوصة لدى وزيرة الخارجية بيربوك والمستشار شولتس.

ونوه إلى أنه «لو كانت ميركل تحكم، لذهبت بنفسها إلى باماكو وأبرمت اتفاقيات اقتصادية مع المجلس العسكري، فقط كي تقطع الطريق على النفوذ الروسي، ولأن ميركل تعلم أن المال يفتح الأبواب في أفريقيا».

الاستقواء بروسيا

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو محمد إسماعيل، أن تعليق عمل القوت الألمانية، وقبله طرد المتحدث باسم (مينوسما)، والانسحاب الفرنسي يكشف توجه المجلس العسكري في الاستقواء بروسيا.

ووصف إسماعيل في تصريحات لموقع «الطريق»، التقارب بين باماكو وموسكو بأنه يأخذ طابع التحالف الاستراتيجي عسكريا على الأقل، مستشهدا بشحنات الأسلحة الروسية التي وصلت مؤخرا لمالي، والدعم الروسي لباماكو داخل مجلس الأمن الدولي.

وقال أستاذ العلوم السياسية إن مالي تحولت إلى مكان لتنافس القوى الدولية بسماحها بالوجود الروسي، وأنه «لا شك أن التنافس بين اللاعب الجديد المدعوم محليا واللاعب الكلاسيكي (الغرب) يزيد فرص المخاطر».

وأضاف إسماعيل أن تعليق القوات الألمانية عملها بالتزامن مع وصول شحنة أسلحة روسية لمالي يكشف تحول منطقة الساحل والصحراء لميدان مواجهة روسية أوروبية، لن تستطيع أوروبا الصمود فيها بمفردها.

وأرجع أستاذ العلوم السياسية هذا إلى أن أوروبا تواجه هناك خطري الوجود الروسي ونمو الجماعات الإرهابية في آن واحد.

اقرأ أيضا: ألمانيا تدرس إنهاء مهمتها العسكرية في مالي

موضوعات متعلقة