الطريق
الخميس 28 مارس 2024 01:30 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

اقتصاد منهار وحريات مفقودة.. طالبان تُغرق أفغانستان في أزمة إنسانية شاملة

تراجعت أفغانستان إلى الوراء منذ سيطرة طالبان على الحكم
تراجعت أفغانستان إلى الوراء منذ سيطرة طالبان على الحكم

مع مرور عام على عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، لا تزال تلك الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تستحوذ على قدر من الاهتمام الدولي، بعد أن تمكنت الحركة المتشددة من السيطرة على العاصمة كابول في 15 أغسطس 2021، من دون أن تواجه أية مقاومة على أثر تقدمها الخاطف، والانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والأطلسية بعد 20 عاماً من تمركزها في البلاد.

وبين مناقشات أمريكية لتداعيات قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب، ومخاوف أوروبية من عودة أفغانستان لاحتضان الجماعات المتشددة، وأعين روسية وصينية وإيرانية تسعى لملء الفراغ الغربي، تحل الذكرى الأولى لسيطرة طالبان على السلطة، وسط سيل من التقييمات والتقديرات عن أحوال المجتمع الأفغاني الذي بات يعاني أزمة إنسانية كبيرة.

وتشهد أفغانستان تردي الأوضاع الاقتصادية وتصاعد التحذيرات من فقر مدقع يطاول أكثر من نصف سكان البلاد، فضلاً عن تراجع الحقوق والحريات لا سيما بالنسبة للمرأة، في ظل عودة السياسات المتشددة للقائمين على السلطة بالبلاد التي مزقتها الحروب.

عودة إلى الوراء

ورغم الانتقادات التي طالت الحكومات الأفغانية التي تولت زمام الأمور منذ عام 2001، إلا أن أفغانستان حققت تقدما في مجالات عدة خلال العقدين الماضيين خاصة على الصعيد تعليم الفتيات وحقوق الإنسان والإعلام فيما تحسنت حياة أبناء الطبقة الوسطى نسبيا.

ومنذ سيطرة طالبان، تراجعت هذه الإنجازات بشكل كبير في البلاد البالغ عددهم 38 مليون نسمة، يعيشون في فقر مدقع، في ضوء إخفاق الحركة عن الوفاء بتعهداتها التي قطعوها في بادئ الأمر، حيث ترددت عن تشكيل حكومة تضم كافة أطياف الشعب.

رؤى متشددة

وسرعان ما عاد حكام البلاد الجدد إلى فرض تفسيرهم المتشدد، الذي طبع فترة حكمهم السابقة بين 1996 و2001، وقيد حقوق المرأة، إذ استبعدت النساء إلى حد كبير من الوظائف الحكومية، وحظر عليهن السفر بمفردهن خارج المدن التي يعشن فيها.

ولا تزال مقاليد إدارة البلاد بيد ما تعد حكومة لتصريف الأعمال، أو سلطة «بحكم الأمر الواقع»، تضم وزراء بالإنابة يمكن للزعيم الروحي الأعلى لحركة طالبان، ومقره مدينة قندهار الجنوبية، نقض قراراتهم.

وعندما حكمت طالبان أفغانستان في أواخر التسعينيات لم تستطع النساء العمل، وجرى منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس، كما تقلص المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة وغادر عدد من أعضائها والعاملين فيها البلاد.

اقتصاد منهار

من بين أبرز ملامح العام الأول لـحركة طالبان بعد عودتها للسلطة الأزمة الاقتصادية الخانقة، إذ غرقت البلاد المحرومة من المساعدة الدولية التي كانت حيوية بالنسبة إلى أفغانستان، في أزمة مالية وإنسانية حادة مع ارتفاع حاد في معدلات البطالة.

وتهاوى الوضع في البلاد وبات اقتصاد البلاد «في حالة سقوط حر» وفق وصف الأمم المتحدة التي حذرت من كارثة إنسانية في أفغانستان.

ومنذ استيلائها على السلطة، تضغط حركة طالبان على المجتمع الدولي للاعتراف بها «سلطة شرعية» في أفغانستان، فيما يعد هذا الأمر حاسما لطالبان لكي تتجنب انهيار اقتصاد البلاد في ظل انتشار الفقر والجوع وبلوغ انعدام الأمن الغذائي في المجتمعات الحضرية مستويات مماثلة للمناطق الريفية والنائية لأول مرة في البلاد.

وفي يناير الماضي، أطلقت الأمم المتحدة «أكبر مناشدة على الإطلاق» لتقديم مساعدات إنسانية لدولة واحدة حيث شددت على أنها في حاجة إلى تمويل يبلغ 4.4 مليار دولار للحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان التي باتت «الأسرع نموا في العالم».

بيد أن المجتمع الدولي مازال مترددا في إرسال مساعدات مالية بشكل مباشر إلى طالبان خوفا من استخدامها لشراء أسلحة وهي المخاوف التي دفعت واشنطن إلى رفض رفع التجميد على أصول مصرفية أفغانية.

وضع المرأة

وعلى صعيد وضع المرأة في أفغانستان بعد عام من حكم طالبان، باتت أفغانستان -بحسب الأمم المتحدة- هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُحرم فيها الفتيات من التعليم الثانوي.

يشار إلى أن خلال العقدين الماضيين، حققت المرأة الأفغانية الكثير من التقدم إذ تقلدت مناصب وزارية والتحقت بسوق العمل، لكن عقب سيطرة طالبان أُرغمت النساء على البقاء في المنازل.

ورغم قيود طالبان وقبضتها الأمنية القوية، إلا أن أفغانيات خرجن إلى الشوارع للاحتجاج على قرارات طالبان القمعية، فيما ردت الحركة على الاحتجاجات بالقمع واعتقال عدد من الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة.

على وقع هتاف «15 أغسطس يوم أسود»، شقّت نحو 40 سيدة أفغانية طريقهن أمام وزارة التعليم وسط العاصمة كابول، قبل يومين فقط من الذكرى الأولى لحكم طالبان، إلا أن هذا الاحتجاج، الذي قد يعكس موقف آخرين في أفغانستان، لم يرُق للحركة، فسرعان ما أطلق مسلحوها النار في الهواء لتفريق التظاهرة بعد دقائق قليلة من انطلاقها.

«خبز، عمل، حرية».. رفعت المتظاهرات هذه اللافتة ورددنَ «العدل العدل، سئمنا الجهل»، بينما رفعت بعضهنّ غطاء الرأس في تحد لقرارات طالبان، التي احتفلت، الاثنين، بمرور عام على استيلائها على السلطة.

واليوم، تجمعت نحو ثلاثين من هؤلاء المتظاهرات في منزل إحداهن، ونشرن على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لهن مع شعارات مثل «إن تاريخ أفغانستان يخجل من إغلاق المدارس».

وعلى وقع ذلك، هربت بعض قادة الاحتجاجات النسائية خارج البلاد، لكن لا تزال خمس منظمات مدافعات عن حقوق المرأة تعمل في أفغانستان وتستغل منصات التواصل الاجتماعي للاحتجاج على سياسات طالبان والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري وممارسات التعذيب.

وتعد زوليا بارسي إحدى الناشطات الأفغانيات البارزات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة حيث تعهدت بالمضي قدما في الاحتجاج من أجل مستقبل أفضل لأبنائها.

قالت بارسي في تصريحات لموقع «الطريق»، إن «إحدى بناتي كانت من المفترض أن تلتحق بالجامعة فيما كان ينبغي أن تذهب أخرى إلى الصف الـ 11، وعندما أنظر إلى حالتهن النفسية، أجد أنه ليس لدي سوى خيار الاحتجاج لنيل حقوقنا، فلا يمكن أن ابقى صامتة».

وأضافت الناشطة الأفغانية أنه بعد أقل من عام على استيلاء طالبان على أفغانستان، حرمت الحركة من خلال قرارتها الصارمة ملايين النساء والفتيات من حقهن في العيش بشكل آمن وحرة.

وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها حركة طالبان المتشددة على المرأة، إلا أن العديد من الأفغانيات تناضلن لإسماع صوتهن.

قمع الإعلام

ترى حركة طالبان المتشددة أن وسائل الإعلام المستقلة بمثابة العدو لها حتى قبل وصولها إلى السلطة.

وكانت أفغانستان قد حققت تقدما في مجال الإعلام خلال العقدين الماضيين، لكن مع عودة طالبان الحكم، أضطر آلاف الصحفيين إلى الفرار من البلاد أو البقاء في منازلهم بلا عمل.

وقال محمد ضياء بوميا، رئيس رابطة الإعلام الحر في جنوب آسيا في أفغانستان، إنه جرى إغلاق 43% من وسائل الإعلام الأفغانية في الأشهر الثلاثة الماضية.

وأكد بوميا في تصريحات لموقع «الطريق»، أن قرابة 11 ألف شخص كانوا يعلمون في غرف الأخبار الأفغانية بينهم أكثر من 2000 امرأة مع بداية أغسطس عام 2021، لكن في ديسمبر وصل هذا العدد إلى 4360 بينهم 410 امرأة فقط.

وأشار إلى إنه بعد انهيار حكومة أشرف غني، جرى إغلاق العديد وسائل الإعلام الأفغانية مما أدى إلى فقدان مئات الصحفيين وظائفهم.

وتابع بوميا أن طالبان فرضت رقابة صارمة على وسائل الإعلام سواء الأخبارية وحتى الترفيهية، فيما تحملن النساء العاملات في مجال الإعلام العبء الأكبر.

ودعا رئيس رابطة الإعلام الحر في جنوب آسيا في أفغانستان، المجتمع الدولي إلى دعم الصحفيين الأفغان في ظل ما تمارسه طالبان من قمع للإعلام.

تزايد المخاطر

ورغم تزايد المخاطر في أفغانستان، إلا أن أزمات البلاد باتت لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر مع الصين بشأن تايوان.

وعلى إثر ذلك، يرى فريد أميري، المسؤول السابق في الحكومة الأفغانية، ثمة مقاربة بين الوضع الحالي وبين وضع أفغانستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي حيث لم يدرك المجتمع الدولي في حينه التداعيات الخطيرة لاستيلاء طالبان على السلطة عام 1996.

وفي ظل تضاؤل الاهتمام العالمي بشأن الوضع في أفغانستان، وفرت الحركة موطئ قدم لتنظيمات مسلحة ومتطرفة محلية وأجنبية فيما يدل مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول مؤخرا على هذا الخطر.

وحذر أميري في تصريحات لموقع «الطريق»، من خطورة الأمر خاصة مع وجود علاقات بين طالبان وإرهابيين دوليين.

وتابع المسؤول الأفغاني السابق أنه مع توطيد الحركة سيطرتها على افغانستان، فإن علاقاتها التكتيكية والاستراتيجية مع التنظيمات التي تمول الإرهاب سوف تنمو ما سيؤدي في النهاية إلى تعريض السلام والأمن سواء في المنطقة والعالم للخطر.

اقرأ أيضا: سياسات طالبان تعيد أفغانستان إلى الوراء

موضوعات متعلقة