الطريق
الجمعة 3 مايو 2024 06:25 مـ 24 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

رحيل آخر زعماء الاتحاد السوفيتي.. من هو جورباتشوف الذي غيّر مسار التاريخ؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم السوفيتي السابق جورباتشوف
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم السوفيتي السابق جورباتشوف

أيقونة غربية، اعتبره البعض صانع الديمقراطية هناك، والبعض اعتبره «خائن»، أنهى الحرب الباردة دون إراقة الدماء، إنه ميخائيل جورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفيتي الذي توفي مساء الثلاثاء في روسيا.

جورباتشوف أحد أكثر الشخصيات السياسية نفوذا في القرن العشرين، شهد تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان قائما منذ ما يقرب من 70 عاما وسيطر على مساحات شاسعة من آسيا وأوروبا الشرقية.

وبحسب المستشفى المركزي في روسيا، توفي ميخائيل جورباتشوف بعد إصابته بمرض خطير وطويل الأمد عن يناهز 91 عامًا.

الأيام الأخيرة

جورباتشوف الذي كان موضع تقدير كبير في الغرب الذي كان يسمّيه تحببا «جوربي»، عانى خلال الأسابيع الأخيرة من حياته من مشاكل صحية متكررة.

وقضى جورباتشوف سنوات حياته الأخيرة بين المستشفى والمنزل، إذ تردّت صحّته كثيراً، كما أنّه فرض على نفسه الحجر الصحّي الوقائي خلال فترة جائحة كورونا.

جورباتشوف المولود في منطقة ستافروبول، جنوب غرب روسيا في 1931، تخرج في جامعة موسكو الحكومية عام 1955 وكان عضوا نشطا في الحزب الشيوعي السوفيتي.

الوصول للسلطة

وصل إلى السلطة في 1985 عندما تولى منصب أمين عام الحزب الشيوعي، وأطلق سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية هدفت إلى تحديث الاتحاد السوفيتي الذي كان يعاني من أزمات حادّة.

وبين 1990 و1991 تولى جورباتشوف منصب رئيس الاتّحاد السوفيتي، قبل أن يضطر في النهاية إلى الاستقالة في 25 ديسمبر، في خطوة أدّت لانهيار التكتّل.

وأبرم جورباتشوف اتفاقات مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة، وأقام شراكات مع القوى الغربية لإزالة الستار الحديدي الذي قسّم أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، كما أدى دورًا في إعادة توحيد ألمانيا، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 1990.

لكن إصلاحاته الداخلية الواسعة ساعدت في إضعاف الاتحاد السوفيتي حتى بلغ نقطة الانهيار، وهي لحظة وصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها «أكبر كارثة جيوسياسية» في القرن العشرين.

أيقونة غربية

بعد التوتر والمواجهة خلال الحرب الباردة التي استمرت عقودًا، جعل جورباتشوف الاتحاد السوفيتي أقرب إلى الغرب من أي مرحلة منذ الحرب العالمية الثانية، لكنه شهد دمار هذا الإرث في الأشهر الأخيرة من حياته، إذ أدى غزو بوتين لأوكرانيا إلى فرض عقوبات غربية على موسكو.

وقال أندريه كوليسنيكوف، الزميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: «مات جورباتشوف بطريقة رمزية عندما دمر بوتين بشكل فعال ما أنجزه في حياته، الحرية».

وعندما اجتاحت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية دول الكتلة السوفيتية في أوربا الشرقية الشيوعية في عام 1989، أحجم عن استخدام القوة، على عكس قادة الكرملين السابقين الذين أرسلوا الدبابات لسحق الانتفاضات في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968.

لكن الاحتجاجات غذت التطلعات إلى الحكم الذاتي في 15 جمهورية من الاتحاد السوفيتي الذي تفكك خلال العامين التاليين بطريقة عمتها الفوضى.

وحاول جورباتشوف، الذي أطاح به متشددون بالحزب الشيوعي لفترة وجيزة بانقلاب في أغسطس 1991، الحيلولة دون هذا الانهيار، لكن جهوده باءت بالفشل.

إصلاحات واضطرابات

قال فلاديمير شيفتشينكو، الذي ترأس مكتب البروتوكولات في عهد الزعيم السوفيتي الأخير: «عصر جورباتشوف هو عصر البيريسترويكا، عصر الأمل، عصر دخولنا إلى عالم خالٍ من الصواريخ، لكن كان هناك خطأ واحد في تقدير الأمور، لم نكن نعرف بلدنا جيدًا، لقد انهار اتحادنا، كانت تلك مأساة، ومأساة له».

وعندما أصبح جورباتشوف أمينًا عامًّا للحزب الشيوعي السوفيتي في عام 1985 وعمره 54 عامًا فقط، شرع في إعادة إحياء النظام عبر إدخال حريات سياسية واقتصادية محدودة، لكن إصلاحاته خرجت عن نطاق السيطرة.

وسمحت سياسته (جلاسنوست) أو حرية التعبير، بانتقاد الحزب والدولة بشكل لم يكن ممكنًا تصوره في السابق، ولكنها شجعت أيضًا القوميين الذين بدأوا في الضغط من أجل الاستقلال في جمهوريات البلطيق (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وأماكن أخرى.

ولم يغفر كثير من الروس لـ جورباتشوف الاضطرابات التي أحدثتها إصلاحاته، معتبرين أن التراجع اللاحق في مستويات المعيشة ثمن باهظ للغاية مقابل الديمقراطية.

وقال فلاديمير روجوف، وهو مسئول عينته روسيا في جزء تحتله القوات الموالية لها في أوكرانيا، إن جورباتشوف «قاد عمدًا الاتحاد السوفيتي إلى زواله» ووصفه بالخائن.

زعيم نادر

وسارع زعماء العالم إلى التعبير عن تقديرهم لـ جورباتشوف، وقالت رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين، إنه فتح الطريق أمام أوربا حرة.

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إنه «كان يؤمن بالجلاسنوست والبيريسترويكا- الانفتاح وإعادة الهيكلة- ليس باعتبارهما مجرد شعارات، وإنما الطريق إلى الأمام لشعب الاتحاد السوفيتي بعد سنوات كثيرة من العزلة والحرمان».

ووصفه بأنه كان «زعيمًا نادرًا» وكان يتحلى بشجاعة كافية للمخاطرة بحياته المهنية من أجل مستقبل مختلف، والنتيجة كانت عالمًا أكثر أمانًا وأكثر حرية لملايين الأشخاص.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في إشارة إلى غزو بوتين لأوكرانيا، إن «التزام جورباتشوف دون كلل بانفتاح المجتمع السوفيتي يظل مثالًا لنا جميعًا».

وأعرب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو جوتيريش، عن «حزنه العميق» لوفاة جورباتشوف، مشيرا إلى أنّ الراحل كان «رجل دولة فريدا غيّر مسار التاريخ» وبرحيله «خسر العالم زعيما عالميا عظيما، التزم التعدّدية، ودافع بلا كلل عن السلام».

وأفاد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بأن الرئيس الروسي بوتين عبّر عن «خالص تعازيه» في وفاة جورباتشوف، وسيرسل برقية تعزية لعائلته وأصدقائه.

وأمضى جورباتشوف، وهو كان آخر زعيم من حقبة الحرب الباردة، القسم الأكبر من العقدين الماضيين على هامش الحياة السياسية في روسيا، وكان يدعو بين الحين والآخر كلاً من الكرملين والبيت الأبيض إلى إصلاح العلاقات الأميركية - الروسية بعدما تصاعدت التوترات بين واشنطن وموسكو إلى المستوى الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة منذ ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، ثم غزوها أوكرانيا في فبراير الماضي.

ومن المقرر أن يُدفن جورباتشوف، اليوم الأربعاء، في مقبرة نوفوديفيتشي بموسكو إلى جوار زوجته رايزا التي توفيت عام 1999.

اقرأ أيضا: وفاة زعيم الاتحاد السوفييتي السابق

موضوعات متعلقة