الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 02:06 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

حضن التيك توك

منذ ظهور برنامج "تيك توك" - ميوزيكلي سابقاً – وهو يلاقي هجوماً عنيفا،ً واعتبره كثير من المتابعين انحرافاً جديداً فى التطور التكنولوجي، وهو ما دعمه خروج "عاهات" متنوعة منه أثارت الغضب، لما قدموه من ابتذال ورخص جعل من ملفات البرنامج على الأجهزة ملفات "آداب".

البرنامج الترفيهي الذى ظهر للتسلية، تحول إلى "وباء" بعد إقبال غير مسبوق عليه من فئات مختلفة، أغلبها لا تعي فكرة استخدامه، خاصة بعدما علموا أن كثرة مشاهداتهم عليه ومتابعيهم سيجلب لهم أموالاً طائلة، فاختاروا الطريق الأسهل وأضاءوا اللمبات الحمراء، وقدموا دروساً بعنوان واحد "كيف تصبح منحرفاً فى 15 ثانية".

اكتسب البرنامج سمعة سيئة ازدادت مع الوقت بعدما سيطرت الفكرة على مستخدميه وخاصة المستخدمات واللاتى قدمن الكثيرات منهن ما يحاكي بائعات الهوى ووصلات رقص لم يسعفها وقت الفيديو المحدود لتكتمل "استربتيز" بمنتهى الفخر والسعادة بعدما وجدن شهرة مفاجئة فلا مانع من أية تنازلات مقابل تضاعف المتابعين لحصد ما يقابله من مكسب مادي حتى حولن البرنامج الترفيهي إلى برنامج مشبوه!

الوضع أثار حفيظة الفئة المنضبطة من المجتمع فدفع العديد ممن لا يزالوا يملكون الحمية والأخلاق للهجوم على البرنامج مطالبين بغلقه وتحرك فعلاً فى هذا الإطار من يملكون السلطة لذلك محاولين استصدار قرار بغلقه فى مصر بعدما أصبح منافساً للملاهي الليلية وما أدنى.

أصبح "تيك توك" شبهة لمن يستخدمه مسيئاً له ولسمعته أيضاً وتحول البرنامج من وسيلة ترفيه لـ "قلة أدب برخصة" ما صنع حالة من النفور لدى قطاعات كبيرة على رأسهم المشاهير وبين هؤلاء وهؤلاء ظُلم من حاول الإعلان عن نفسه وتقديم مواهبه بفهمه الحقيقي لغرض البرنامج.

ولأن دوام الحال من المحال فبين يوم وليلة ينقلب الكون بأكمله رأساً على عقب مضروباً بفيروس "كورونا" الذى فرض حظراً على سكان الأرض جميعاً فى وقت واحد فى سابقة هى الأولى من نوعها لتتوقف الحياة فجأة ونتعب من المفاجأة ونهرب لـ "تيك توك"!

مفاجأة صادمة عندما وجد الرافضون لـ "تيك توك" زحفاً كاملاً لسكان الكوكب إلى البرنامج واقتحامه على سكانه الأصليين ومزاحمتهم ... جميع فئات المجتمع أصبحت على "تيك توك" بلا استثناء وعلى رأسهم المشاهير ومن رفضوا أمس أصبحوا لا يفارقونه اليوم .. بدأت بجملة "هى جت عليا" لدفع الإحراج واكتملت بإبداعات مجنونة لم تخطر على بال ولا خاطر من شخصيات هى أبعد ما يكون عن هذا التفكير لدرجة أثارت وأبهرت الجميع بلا استثناء.

الحقيقة أن الظروف المقيدة للحركة دفعت الجميع للبحث عن متنفس يخرجون به طاقاتهم .. "حضن" يستوعبهم ويؤنس وحدتهم فى إقامتهم الجبرية فوجدوا "تيك توك" فاتحاً ذراعيه يضم الجميع بلا تمييز ليصبح نجماً لامعاً فى سماء التكنولوجيا بعدما كان شبهة وعملاً منافياً للآداب.

درساً جديداً نتعلمه ولم يتلفت إليه إلا القليل منذ البداية وهى أننا من نسئ للتكنولوجيا والتطور وليس العكس فمن أعطى هذا الانطباع عن "تيك توك" هم من استخدموه بطريقة خاطئة وغير أخلاقية ولأنه اقتصر عليهم ورفضه غيرهم فأصبحت الساحة خالية لابتذالهم يعيثون فيها فساداً ويزداد البرنامج جرماً وشبهة.

الظروف التى دفعت لاقتحام المشاهير وأصحاب الأخلاق والأفكار المنضبطة لـ "تيك توك" يجب أن نشكرها ونمتن إليها لأنها بإبداعات هؤلاء كشفت عورات الـ "عاهات" التى سيطرت عليه فترة طويلة وشوهته فدخول هذه الأفكار لمزاحمة العبث الدائر فى البرنامج منذ ظهوره هو بمثابة فرصة ذهبية لتواجد العملة الجيدة لتطرد العملة الرديئة ويصبح "تيك توك" صديقاً جديداً لا تخجل منه يرسم البسمة ويخرج مواهب متنوعة.

وعن خطأ البدايات الذى يجب تداركه فور عبور الأزمة .. يجب على شركات الإنتاج بمستوياتها المختلفة اقتناص المواهب من "تيك توك" والذى يكتظ بهم بشكل لافت جعلهم نجوماً للبرنامج وتقديمهم فى أعمال فنية متنوعة ليفتح الطريق لجيل جديد موهوب بالفطرة يملك أيضاً جمهوراً واسعاً سينتقل معهم إلى الشاشة الكبيرة فبطريقة غير مباشرة سيدفع مستخدمي البرنامج لتقديم محتوى حقيقي يؤهلهم للتواجد في عالم مختلف يبحثون عنه قبل أن يضل بعضهم الطريق ويُظلم البعض الآخر بسبب وجود سيطرة "شمال" على البرنامج.

الحل فى أغلب الأحيان ليس بالمنع ولكن .. تطويع الفكرة واستخدام أفضل ما فيها سيجعل نتائجه مفتاحاً سحرياً للسيطرة عليها وتصحيح الطريق وطرد العناصر الفاسدة بعناصر تملك مقومات الفكرة وتحقق هدفها ... وهو الهدف الأسمى والأذكى.

عملت "تيك توك" ولا لسه؟!