الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 05:32 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

ناقصك حاجة يا محمد؟

دكتور محمد فتحي
دكتور محمد فتحي

"ناقصك حاجة يا محمد ؟؟"

في عز الزهق في مصيف مجبر عليه وانا لسة ماكملتش 10 سنين لقيت مكتبة.. كانت في سيدي بشر قبلي والفاترينة بتاعتها عارضة قصص كتير .. سبت إيد أمي وروحت عند الفاترينة ونقيت عدد عجبني اسمه "إعدام بطل" من سلسلة اسمها رجل المستحيل .. أشتريها وأنا مقرر اني هقضي الكام يوم الجايين أقراها، والاقيني خلصتها في نص ساعة..

إنت فاهم يعني إيه 120 صفحة من القطع الصغير يقراهم عيل في 3 ابتدائي في نص ساعة ويبقى مبسوط ومستفز من "انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني بإذن الله"؟؟ بس للأسف ماعرفتش اروح المكتبة تاني ورجعت القاهرة وفي دماغي مش اسم أدهم صبري بس.. لأ.. اسم الراجل اللي خلاني أقرأ كل ده وحافظ على تركيزي كل ده وشدني أكمل وأحب القراءة كل ده.. وعرفت إن اسمه نبيل فاروق

"ناقصك حاجة يا محمد ؟؟"

كان أول مرة أخد جايزة.. أبلة أماني محمد عبد الله قالتلي اخترناك "نجم المكتبة" في بيت ثقافة الشرابية عشان قريت 30 كتاب والمحافظ هيكرمك، رحت والقاعة مليانة وأبلة فضيلة شخصيًا بتديني جايزتي "شهادات استثمار البنك الأهلي المجموعة ج كل شهادة بـ 10 جنيه بحالها"، وأنا باصص لحد واحد بشبه عليه ومش مصدق.. وسألت.. قالوا لي ده نبيل فاروق.. جريت بلهفة وسلمت عليه وقابلت معاه حمدي مصطفى اللي كان بيتكرم في نفس اليوم.. وفضلت أسأله على القصص الجديدة واللي كنت ببدلها من مكتبة النجاح في شارع حسني جنب كشري السلام بربع جنيه وقريتها كلها، وتكفل صديق ليا وقتها بإنه يسلفني مجموعته اللي كان شاريها عشان أقراها بعد ما كان بيحكيهالي، ووقتها قلت.. نفسي أبقى نبيل فاروق.. فضحك وقال لي: خليك نفسك أحسن ما تبقى نبيل فاروق

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

موضوع تعبير باكتبه ومناقشات بادخل فيها واسد وكإني خبير بسلامتي.. العيل المستفز أبو خدود اللي زي العيال الرخمة اللي بتتلامض في كل حاجة في زيارات الضيوف بيعمل كده في الفصل برضه، وندخل في جدل حوالين العوالم التانية فاقول وقائع ومراجع علمية وأنا في أولى إعدادي سعادتك، وييجي المدرس يقول لي انت بتعرف الكلام ده كله منين.. أقوله نبيل فاروق .

"ناقصك حاجة يا محمد"

ماكانش عندنا تليفون أرضي لسه، وكنت بانزل الفجالة أسأل على العدد الجديد عشان أجيبه أول ماينزل، امتحان تانية إعدادي بكرة وأنا سايب المذاكرة والمراجعة وماسك في إيدي العدد الجديد وقاعد أقرأ فيه على محطة كوبري اللمون بتاعة مترو مصر الجديدة عشان اركب محطة واحدة ببريزة لغمرة وانزل اروح بيتنا.

واحدة ست طيبة شبه الطيبين في أفلام الكارتون جت قعدت جنبي وقالت لي ده من عندنا؟؟ عرفت إنها شغالة في المؤسسة، قلت لها أنا في مجلة سمير ونفسي أعمل حوار مع نبيل فاروق، قالت لي أوعدك لو نجحت أخليك تقابله.. تعالالي الفرع واسأل عني.. أنا الحاجة نعمات.. بعدها رحت وسألت وكانت الحاجة نعمات مدخلي لكل حاجة حلوة.. كلمت نبيل فاروق على التلفيون.. ورد عليها ببساطة.. وكلمته عني.. وقال لها أجيله مخصوص، ويوم الحوار لا كان عندي ووكمان أسجل بيه، ولا كان عندي كاميرا أصور بيها، بس كان عندي مليون سؤال ورغبة أكيدة إني آخد تليفونه وأكلمه.. ويومها قلت لأبويا: إحنا لازم نركب تليفون.. وحصل.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟ "

سنين بكلم الدكتور نبيل من 12 ل 4 كل حد على التليفون الأرضي في الموعد المقدس اللي عمله للقراء عشان يكلموه .. سنين بروحله في مكتبه بتاع شارع الإسحاقي في منشية البكري.. سنين باسأله على أي حاجة ويجاوب.. سنين بشوف مواهبه في التصوير وفي الرسم واشوف مكتبته.. لوحة أدهم صبري اللي رسمها إسماعيل دياب بالزيت.. حوارات لمجلة سمير وندوات بانظمها وأديرها، ولقاءات تليفزيونية، لكن عمري ما عرضت عليه شغلي، لغاية المرة اللي بعتله فيها قصة زي أي حد في بريد القراء فينشرها ويسألني عليها ويقول لي إنت بتكتب حلو أوي.. ودي كانت أول شهادة تقدير لكتابتي في الحياة.

"ناقصك حاجة يا محمد"

سنين بشوف نبيل فاروق بيحارب وبيفكر وبيقرأ وبيبدع وبيرد على النقد بمنتهى الهدوء.. بيكتب ويطرح سلاسل جديدة ويرجع الكومكس، ويرجع البطل، ويطور في رواية الخيال العلمي المصرية بعد نهاد شريف ما توقف تقريبًا عن الكتابة، وفي أدب الجاسوسية بعد ما مات صالح مرسي، والنقاد يتجاهلوه ويقولوا عنه كاتب أطفال وهما ماقرأوش حرف من اللي كتبه، ويهاجمه البعض بوصفه بيروج للعنف فيرد بهدوء إن العنف اللي موجود في نشرات الأخبار أضعاف العنف اللي موجود في قصصه واللي طول عمره عنف مبرر في حرب مش عنف بلطجة.. وياخد نبيل فاروق جايزة إبداع أكتوبر عن قصته جاسوس سينا اللي رسمهاله العظيم فواز عشان يحكي قصة مجهولة منسية عن طفل اشتغل مع المخابرات المصرية ضد الإسرائيليين ولما كبر بقى ضابط مخابرات، ويفضل نبيل فاروق يرتقي ويرتقي، ينقل المؤلف لمرحلة الكاتب النجم بعد ما كان الكاتب المنعزل صاحب الكتابة للدوائر الضيقة ويرضى على نفسه يكون السلمة اللي بتنقلك لحد تاني تقراله وتطور مستوى قراياتك.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

العيل الصغير بيكبر.. وحبه لنبيل فاروق بيزيد.. بيعرفنا على أحمد عز اللي هيعمل أدهم صبري، بيفرجني على فيديو تشريح الكائن الفضائي بتاع روزويل.. بيجيب أحدث الأفلام ويديهالي اتفرج عليها عشان اتابع سينما، وقبل ما اتخرج، بيفتح دار نشر يطلب مني أنا واحمد العايدي ومحمد علاء الدين ومحمد سامي إننا نكتب فيها، وبنكتب أول حاجة احترافية ناخد عليها فلوس نظير الكتابة في حياتنا.. سلسلة ساخرة اسمها مجانين.. وفي أول عدد يتبسط نبيل فاروق ويضحك من قلبه على قصة محمد علاء الساخرة من أدهم صبري وينشرها ويخليها قصة العدد، ونقف في المعرض ونبيعها ونسوقها والناس تيجي تتصور معانا ونمضيلها وعلى طريقة "ماتشتريش سلسلة مجانين" ييجي الناس فنعرف اننا وزعنا من اللي كتبناه 30 ألف نسخة !!!! ونبيل فاروق بيبتسم ويقول شدوا حيلكم.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

اتعينت معيد أول ما اتخرجت.. فرحة نبيل فاروق بده كانت أكتر من فرحة ناس في عيلتي.. كان عندنا فكرة لتحويل حرب الجواسيس لبرنامج في mbc من خلال مكتب مصر، لكن المكتب وقتها قفل واتوقف المشروع.. ومن بعدها كانت الدراما الخطوة المنطقية اللي لازم يروحلها، لكن بعد فترة نبيل فاروق اللي كتب مسلسل العميل 1001 وقصة فيلم الرهينة بيتعب.. بيجيله فشل كلوي.. بيضطر يزرع كلى عشان تبدأ معاناته الصحية وهو برضه بيكتب ويكتب ويكتب ويكتب، ولما المستشفى تطلب دم ييجي قراؤه ويسدوا عين الشمس في تريند ما قبل التريندات وما قبل الفيس بوك وتويتر والمستشفى تضطر تقول كفاية.. مش عايزين ناس تتبرع بالدم تاني.. ويبقى نبيل فاروق الكاتب اللي دم قراؤة بيجري في دمه.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

يقولهالي نبيل فاروق دايمًا.. وقت جوازي أضحك معاه بإن مش ناقصني حاجة واهزر بإن الحاجة الوحيدة اللي ماجبتهاش التسجيل وده مش هستخدمه، فيشاور على تسجيل كبييييييير أوي كان جايبه من بره بسماعات مرعبة وساوند سيستيم ويقول لي خده وانت نازل.. يا دكتور بهرج.. يا دكتور والله العظيم بهرج.. وهو أبدًا.. هتنزل بيه.. بعدها بفترة الدنيا ماكانتش ظابطة في الفلوس.. سألني بهدوء هو انت بتشتغل إيه غير الجامعة فاقوله مفيش.. فبمنتهى الشياكة والجدعنة والشهامة يخترعلي شغلانة معاه لحاجة هو مش عايزها.. مراجعة قصصه القديمة اللي مكتوبة بالكمبيوتر.. عشان يديني مرتب شهري زي اللي كنت باخده في الجامعة بالظبط، ويفضل نبيل فاروق بيعلمني ويعلم جوة قلبي وروحي وكياني.

"مش ناقصك حاجة يا محمد"

بعد ثورة يناير نبيل فاروق كانت مواقفه محيرة للبعض واتهاجم كتير.. عمره ما رد أو فقد أعصابه، وكان دايمًا يقول: عندي معلومات.. في عز فترة التخوين والتصنيف، ولما كنا نكلمه عن المخابرات في الفترة دي كان يبتسم ويقول المخابرات مش بتشتغل بنظام ما يطلبه المستمعون، والبلد دي مهما راح والا جه أي حد فيها المخابرات والجيش هما اللي ضامنين استمرارها واقفة على رجلها مش حد تاني.. وقتها كتب رواية اسمها الثورة.. وفيها شخصة اسمها فتحي.. وساعتها قال لي: ده إنت.

"مش ناقصك حاجة يا محمد"

عمر إبني الكبير بيشوف الكتب ولا يقرب منها.. الدنيا بالنسبة له هي شاشة الموبايل، أتحايل عليه ومفيش فايدة.. لغاية ما شاف قصة من رجل المستحيل.. بدأ يقرا فيها.. ما بطلش قراية.. هو اللي طلب يعرف نبيل فاروق.. وهو اللي خلاني أطلبه واكلمه ويسلم عليه ويسأله نفس الأسئلة اللي كنت باسألهاله وانا في سنة في اتصالات المكتب.. كبرنا.. كبرنا.. كبرنا.. ولسة صغيرين قصادك يا دكتور.. ولسة أجيال بتقرالك وبتثبت إن اللي كتبته كان عابر للأجيال

"مش ناقصك حاجة يا محمد" متاعب نبيل فاروق الصحية أخرته، مهما قال إنه اتحداها، السكر سببله بتر ماصرحش بيه، والسنة اللي فاتت اتكلمت عن إنه إزاي رجل المستحيل لأنه عمره ما اشتكى ولا قال أنا تعبان ولا بين إنه بيزك نتيجة بتر فزعل جدًا مني وعاتبني لأنه ماكانش عايز يظهر ضعيف أو تعبان.. وكانت مصالحتي ليه سهلة كالمعتاد، مش قاصد والله حقك عليا أنا آسف، فيرد بسرعة: إنت ماعملتش حاجة غلط بس كنت قول لي.. وضحكنا وكلمته بعدها أقوله معرض الكتاب عايز يكرمك، وطلب إني ادير الندوة، وقلتله والله ده كمان طلب المعرض وهيثم الحاج علي رئيس الهيئة بيحبك وبيحترمك وعايز الندوة دي لمسيرتك، ويومها كانت معاه د. ميرفت وامتلأت القاعة عن آخرها.. أجيال جديدة بتقرأ وتتصور معاه، وآخده لعلاء فريد وتاتوس عشان يصوروه صورة حلوة ورسمية في مشروعهم العظيم.. ويروح في اليوم ده وهو الحمد لله مبسوط.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

الكلام بيني وبين د. نبيل ما بيقفش.. ناس قليلة اللي بيعتبرهم ولاده.. وملايين بيعتبروه والدهم.. وكل اللي عرفه عن قرب اعتبره قدوته، وكان سعيد لما شريف ابنه جالهم ستيفن كنج أو مايكل كرايتون في الجامعة اللي بيدرس فيها فعرفه بنفسه وقال له أنا والدي بيكتب في مصر.. فرح طفولي وفخور .. فرح واحد عرف يربي.. من أقل من شهر ظبطت معاه الأمور عشان أروح له وكان فيه تصوير لكن الدنيا للأسف ماظبطتش.. ولما عرفت الخبر قلبي ضلّم.. روحي اتسحبت.. ماعرفتش اعيط زي ما كنت عايز.. لما روحت البيت .. عرفت ان عمر ابني زعل زي ما عمره زعل .. وقتها بس.. ومع فلاش باك لحاجات كتير وصوته بيرن وضحكته ودمه الخفيف وجمايله وأفضاله محاوطاني.. عيطت.

"ناقصك حاجة يا محمد؟؟"

ناقصني وجودك يا د. نبيل.. قعدة معاك والله مش أكتر.. قعدة رايقة اتحايل فيها عليك ترجع تكتب رجل المستحيل وافكرك ب"فاي" وإنه ممكن يتحول لحاجة على نتفليكس وأنا اللي هكتبها مش حد تاني وأرجوك كملها.. وجودك في غيابك واجعني يا دكتور.. بس باسطني إنك حاضر.. مهما غبت.. ومهما ماردتش ع التليفون تاني.. ربنا يرحمك.. ويسعدك.. ويرزقك صحبة حلوة تونسك في جنة كنت دايمًا بتحكيلنا عنها.. واللي ان شاء الله نجيلك فيها.