الطريق
الجمعة 10 مايو 2024 12:49 مـ 2 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

”الطريق” تنشر حوارًا نادرًا للواء عبد المنعم معوض مع التشكيلي الراحل صلاح طاهر

الفنان صلاح طاهر
الفنان صلاح طاهر

أعدَّه للنشر: حسام مصطفى إبراهيم

الإبداع الصادق يغيّر المفاهيم ويخلق اتجاهات غير مسبوقة في التاريخ

الفن يبدأ بالفكر ثم تترك روحك للعقل الباطن الذي يوصلك إلى آفاق لا نهاية لها

طريقتان لاستيعاب لوحة فنية: أن تُحسها أو أن تكون ذا خلفية ثقافية

الغبي لا دخل له في غبائه غالبًا أما التافه والنذل فكلاهما اختار ما صار إليه

في أواخر التسعينيات أجرى اللواء عبد المنعم معوض، مدير المركز الإعلامي لوزارة الداخلية، حوارًا مع الفنان الكبير صلاح طاهر، تعرّض فيه لمسيرته الفنية، ورؤيته للإبداع، وغاص معه في تفاصيل حميمة عن حياته وتعاطيه مع مختلف مفاهيم الفن.

وصلاح طاهر، تشكيلي مصري بارز، ولد عام ١٩١١ في العباسية، تخرج في مدرسة الفنون الجميلة العليا سنة ١٩٣٤، والتي تحمل الآن اسم كلية الفنون الجميلة، بدأ حياته منتميًا للمدرسة الواقعية في الفن، وأبدع فيها بعض الأعمال المعروفة، قبل أن يجتذبه الأسلوب التجريدي، فيقدم خليطًا خاصًا بين المدرستين اشتُهر به، كما عُرف برسم عديد من البورتريهات، لمشاهير الفن والسياسة في مصر، كجمال عبد الناصر وأنور السادات، كما أنه الفنان العربي الوحيد الذي توجد له لوحة معلقة على جدران البيت الأبيض الأمريكي.

كان صديقا مقربًا للكاتب المصري العملاق عباس محمود العقاد، ومن رواد صالونه الأدبي الذي كان يعقد كل يوم جمعة في منزله رقم ١٣ بمصر الجديدة، رغم فارق السن الكبير بينهما، ما ترك بصماته في فكر طاهر وفلسفته في الحياة. أقام عديدًا من المعارض في مصر والعالم وعُيّن مديرًا للمتحف المصري الحديث ثم مديرًا للمتاحف الفنية بوزارة الثقافة المصرية، تولَّى رئاسة دار الأوبرا عام ١٩٦٢ حتى عام ١٩٦٦، ونال جائزة الدولة التقديرية ثم وسام الجمهورية، قبل أن يلقى ربه في صباح يوم ٦ فبراير ٢٠٠٧.

واللواء عبد المنعم معوض أديب صوفي، كان أحد المسؤولين عن إنشاء أوَّل مركز للإعلام الأمني بوزارة الداخلية، خلال فترة تولي اللواء حسن الألفي، واشتهر وسط رفافه بميله للأدب، وإجرائه حوارات عديدة مع أساطين الفكر والثقافة في هذه الفترة، كما كان ينشر موضوعاته في جريدة أخبار الحوادث ومجلة الشرطة.

"الطريق" تنشر نص الحوار.

صلاح طااهر مع اللواء عبد المنعم معوض

ما الإبداع عند الأستاذ صلاح طاهر؟

الإبداع عمومًا عند الفنان أو الإنسان أن يعمل عملًا لم يسبقه إليه، أما الابداع بمعناه البسيط فأن تضيف إضافة جديدة، لم تكن موجودة من قبل. عملية ابتكار وخلق جديدة كاملة، وفي رأيي أنها تتطلب ثقافة على نطاق واسع أو على الأقل دراية واسعة جدًا بالميدان الذي تعمل فيه، لكن الإبداع رفيع المستوى هو الذي يغيّر مفاهيم الدنيا كلها أو يعطي اتجاهًا لم يسبقه أحد في التاريخ كله، مثلًا فاجنر في الموسيقى.. بيكاسو في الفن..

والعبقرية لا تأتي عفو الساعة، فلا بدّ أن تسبقها ممارسات.. فترة طويلة تكون عرضة للخطأ والصواب.. وتوجد عبارة معروفة عن الإبداع أو العبقرية، هي أن تسعة أعشارها عَرَق والعُشر الباقي عبقرية..

هل للحواس دخل في تكوين معرفة الإنسان وتكييف حاجته؟

بالتأكيد، خاصة في تشكيل مهنة الإنسان، في الفن خاصة تجد أن حاسة تعلو على أخرى.. هناك من لديهم حاسة السمع متفوقة وتجد لديهم ثقافة ممتازة وتسمع أن أذنه مثقفة، وفي بعض الأحيان تجد حاسة التذوق هي التي تعلو.. طباخ ممتاز مثلًا.. حاسة اللمس تجده نحاتًا، وهكذا، وربما تكون حاسة النظر عندي أو حاسة المشاهدة والملاحظة قوية، ربما، لكن الموضوع تغيَّر الآن، وأنا الآن مع التواضع صاحب مدرسة التجريبية التعبيرية.. شيء فريد وجديد من نوعه.

هل الفن وجدان في معظمه وفكر في أقله؟

لا يمكن أن تبدأ في أي فن إلا بالفكر، ثم تترك بعد ذلك روحك للعقل الباطن الذي يوصلك إلى آفاق لا نهاية لها.

كيف ترسم؟

عنصر الاستلهام موجود عندي باستمرار.. حتى وأنا معك الآن عقلي وخيالي لا ينقطعان عن العمل، فقط عندما أرسم لا أريد أحدًا معي.. حتى أقرب الناس لو أحسستُ به وأنا أرسم أتلخبط.. يمتص عملية التصور أو الانتباه عندي، استغراقي يهتز، عملية ولادة جديدة ولا يمكن أن تولد أمام أحد.

اختيارك لما ترسمه، كيف يكون؟

باستلهامات لا حدود لها.. سأروي لك حكاية.. كنت أستمع لرائعة "شهرزاد" تأليف "رمسكي كورساكوف"، وهو ملحن روسي.. دخلت في نشوة عجيبة جدًا، وأعجب ما يكون أنني كنت ساعتها أقرأ في ألف ليلة وليلة.. ذهبت إلى الاستوديو عندي وأنا غارق في شهرزاد.. فكرت في لوحة اسمها "شهرزاد في السوق".. رسمت لوحة كبيرة جدًا، قرابة متر ونصف في متر، جلستُ أرسم فيها ست ساعات، لم أشعر فيها بالجوع أو التعب.. لكنها لم تعجبني، لكن عندما عدت إليها ومعي أحد أصدقائي اندهش جدًا.. صاح بأنني لم أرسم أجمل منها.. رسمتها دون وعي. هذا نوع من الاستلهام لكن الذي يستغرقني الآن السيمفونيات الخاصة بي.. سيمفونيات بالألوان وبالخطوط، حسب قوانين الموسيقي نفسها..

هل ترضى عن كل ما ترسمه؟

لا أبدًا، ليس دائمًا، بعض اللوحات تعلو على نفسي، أشعر أنني تفوّقت فيها.

كيف نستوعب لوحة فنية؟

لا بدّ أن تكون على دراية بالقيم الفنية لكن هناك طريقتين، الأولى أن تحسها دون أي خلفية ثقافية مثل الموسيقى، وعمومًا كل فن له لغة مستقلة كذلك اللوحة، أما الطريقة الثانية فأن تريد أن تصل إلى حس رفيع عالٍ، وهذا يتطلب منك خلفية ثقافية.. يعني مثلًا.. خط اللوحة موضوع كبير وتوجد له مؤلفات كبيرة.. الفراغ في اللوحة أيضًا.. الاستجابة.. العلاقات الشكلية في التكوين.. الاتساق في الألوان.. وأهم من كل هذا: الابتكار.. عندما تنظر إلى اللوحة وتقول الله.. لم أر مثلها من قبل.. هذا هو المهم.

ما الأشياء التي لا تتحملها في حياتك؟

حاجتين يلخبطوا كياني.. لا أستطيع أن أوجد معهما أبدًا: النذالة والتفاهة، لماذا؟ لأن الشخص له دخل فيهما، هو الذي اختار أن يكون تافهًا.. النذل أيضًا مثله.. الغباء ساعات أحتمله من الآخرين، فليس لهم دخل فيه!

هل أنت منظم في حياتك؟

الفوضى عندي لا يمكن أن أحكي عنها.. لو انصرفت للتنظيم لن أرسم.. لكن أنا طبعًا منظم جدًا في الفن نفسه.

متى ترسم؟

في كل وقت، لكن لا بدّ من العزلة التامة، مثلًا كل يوم لا بدّ أن أجلس لأتأمل.. مرتين في اليوم.. وأمارس اليوجا بانتظام لتساعدني على التأمل والاستغراق.. والرسم عندي سارٌ جدًا.. وأيضًا لا أرسم إذا كنت متضايقًا.. لا بدّ أن أكون سعيدًا ومسرورًا.. لأن الرسم عندي يستغرقني ويبتلع كياني..

لماذا نرى بعض الغموض في لوحات الأستاذ صلاح طاهر؟

مثل ما تسمع بيتهوفن.. تُعجَب به وتنجذب إليه ولا تستطيع تفسيره!