الطريق
الخميس 28 مارس 2024 04:03 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

سوق الصين العظيم.. احترس تنين الشرق يرجع إلى الخلف!

مواطن صيني يحمل علم بلاده
مواطن صيني يحمل علم بلاده

أحدثت أزمة شركة إيفرجراند جروب الصينية دويًا إعلاميًا كبيرًا، إثر تعرض الشركة لأزمة سيولة عنيفة، بدأت بوادرها فى الظهور بعد قرارات الحكومة الصينية الحاسمة العام الماضي؛ بشأن الإقراض البنكي والذي فرضت الحكومة ضوابط صارمة حدت من إعتماد سوق العقار الصيني عليه بشكل كبير، هذا وتشهد الصين عدت أزمات متلاحقة ليس أخرها أزمة كورونا وتبعتها السلبية على إقتصادها القومي، بل إن الأزمات السياسية الداخلية والخارجية لها أثر كبيرفى التخوفات التي تحيط بالإقتصاد الصيني وقدرته على الصمود فى وجه تلك الأزمات الحادة والعاجلة، فى موقع الطريق نرصد أسباب الأزمة والتحديات التي تهدد التنين الصيني العملاق

إيفرجراند وكيف تحولت الفرصة إلى أزمة

" أزمة إيفرجراند تهز المبادئ الرئيسية لحركة الإستثمار العالمي " هكذا صرح الخبير الإقتصادي محمد العريان لمحطة" سي ان بي سي"

وهكذا بلغت أزمة الشركة الصينية حدًا قد يسبب أزمة عالمية كالتي سببها بنك " ليمان برازار" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 وتسببت فى خسائر ضخمة للإقتصاد العالمي، خاصة أن هاتين الأزمتين أزمات عقارية متشابهة لحد كبير.

كان التحول الذي أحدثته الصين منتصف تسعينات القرن الماضي فى تعاملها مع ملف الإسكان وتحولها من الإدارة الإشتركية إلى تحرير سوق العقاربمثابة إنطلاقة ضخمة وقاطرة ثقيلة تجرُ ورائها الإقتصاد الصيني إلى حيث تسكن كبرى الإقتصاديات الدولية، واستمر الأمر سنوات دون ظهور ملامح تعثر أو أزمة، غير أن زيادة الإقتراض بشكل فوضوي دون ضمانات كافية وحقيقية أدى إلى ظهور ملامح تشكُل أزمة منذ عشر سنوات تقريبًا ما جعل الحكومة الصينية فى حالة ترقب منذ ذلك الوقت حتى تدخلت بشكل صارم العام الماضي وأقرت سياسة جديدة أسمتها " الخطوط الحمراء الثلاثة " وهى كالتالي :-

  • التزامات الشركة لا تزيد عن 70% من أصولها
  • صافي الديون لا يزيد بأي حال عن حقوق الملكية
  • حيازات الشركة من النقد يجب ان تكون قادرة على تغطية التزاماتها قصيرة الأجل

كانت هذه الشروط بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لإيفرجراند، ثم جاء تسريب رسالتها للحكومة الصينية التى تناشدها فيها الدعم والإنقاذ، طعنة من الخلف للعملاق العقاري، والذي كان يعتمد فى خطتة البديلة حال عدم إستجابة الحكومة مناشدته طرح سندات دولية لإنقاذ موقفه المتعثر، غير أن تسريب الرسالة جعل المستثمرين الدوليين يفرضون شروطهم المجحفة على الشركة، وقد حصلوا بالفعل على السندات المطروحة ولكن بأقل من قيمتها الأسمية، وبما يساوي ربع قيمتها الحقيقية، ولا تزال الأزمة قائمة ولم تتدخل الحكومة لحلها ولا تزال إيفرجراند تبيع أصولها دون رجاء فى حل جذري.

ومازال السؤال يطرح نفسه، من أوصل إحدى كبريات الشركات العقارية العالمية إلى هذا الحد من المديونية غير المغطاة؟

تأتي الإجابة دائمًا "هوي كا يان" وراء هذا الإسم فبحث، مؤسس إيفرجراند جروب وقائد مسيرتها، والذي غره التساهل غير المبرر من الحكومة وتساهلها فى الإقراض وتبعتها البنوك الخاصة على ذات المنوال، ما جعله يتوسع فى عدة مجالات متخصصة تحتاج إدارة محترفة لإنجاحها غير أن الأمر سار على غير هدى فدخل " هوي كا يان " سوق الرياضة من باب إحدى النوادي الكروية الشهيرة فى الصين، ثم مجال السيارات الكهربائية!، ثم الرعاية الصحية وغيرها

أدى ذلك التوسع غير المدروس لبطء فى عمليات جني الأموال المستثمرة فى تلك المجالات فضلًا عن الأرباح ما أدى لأزمة سيولة على نطاق ضيق، وتبع هذا السبب ما كشفته الأيام الاخيرة بعد الأزمة أن مؤسس إيفرجراند قد حصل لنفسه على توزيعات أرباح تخطت 8 مليارات دولار أمريكي فى خلال بضع سنوات فقط، ثم جاءت أزمة كورونا - ثلاثة الأسافي - لتقضي على أمال الشركة فى التعافي العاجل من أزمة السيولة المتفاقمة، ولا زالت الأيام حُبلى بالمفاجأت غير السارة لإيفرجراند، حيث نشرت بلومبرج على لسان متحدث بإسم شركة كيركلاند للمحاماة الشهيرة، التي يقع مقرها فى العاصمة الأمريكية واشنطن فى مقابلة أجرتها معه محطة " سي ان بي سي "، أن مجموعة مكونة من 6 مستثمرين أجانب، قد وكلوا الشركة للتفاوض مع الشركة الصينية للحصول على أصول ثابتة تساوي قيمة استثماراتهم؛ بعد أن تسربت لهم أنباء أن الشركة تعطي أولوية لسداد الديون الداخلية، من خلال بيع أصولها الثابتة او أسهمها فى البنوك والشركات، وقد صرح المتحدث باسم مكتب المحاماة، أن الشركة الصينية تتجاهل جميع مراسلاتهم حتى الأن.

تأتي خطورة أزمة إيفرجراند على الاقتصاد الصيني من أكثر من جهة.

أولها تأثيرات إجتماعية خطيرة، مثل إرتفاع نسب البطالة المتوقعة حال تصفية الشركة، فعدد موظفي الشركة بلغ 120 ألف موظف مباشر، وعدد العمال غير المباشرين الذين يعملون من خلال الشركة بشكل غير مباشر تخطى 3,5 مليون عامل سنويًا، وأما على مستوى الإقتصاد الكلي الذي يأخذ فيه القطاع العقاري نصيب الأسد ستتابع فيه الخسائر لأن إيفرجراند لن تكون الأخيرة فهناك على الأقل شركتان فى نفس موقفها المتعثر والبقية تقدم تسهيلات كبيرة وخطيرة لعملائها كي تكمل بقية الوحدات المباعة والتي لم تُبنى إلى الأن، وعلى المستوى السياسي يواجه الحزب الحاكم الكثير من الإنتقادات الداخلية لتدخله المتأخر فى الأزمة وعدم إيجاد حلول سريعة للوضع المتأزم الذي يسبب قلق عام فى البلاد لأن عدد العملاء الذين لم يستلموا وحداتهم السكنية كبير للغاية وهم قد اودعوا تلك الشركات جُل مدخراتهم عبر سنوات عديدة.

أمريكا وأزمة الكهرباء والفحم فى الصين

أصدرت مؤخرًا الحكومة الصينية قرارات غامضة، بتقييد إمداد المصانع بالكهرباء والفحم لأسباب مجهولة حتى الأن، وقيدت كذلك أيام العمل بيومين أو ثلاثة على الأكثر، ما عاد على الإنتاج بالسلب وأبطأ حركة التصدير، وأدى إلى إنخفاض قيمة اليوان الصيني.

على جانب أخر صرح المتخصص فى الشأن الصيني والخبير الإقتصادي الروسي " نيقولا فافيلوف " لمحطة روسيا اليوم الإخبارية إلى أن خلافا حادا قد نشب فى دائرة الحكم الصينية بين الرئيس ومعارضين على التعامل مع الغريم الأمريكي، فالرئيس يرى أن الفكاك من جميع المصالح المشتركة مع الأمريكان واجب الوقت، فى محاولة منه للتفرد بقيادة العالم ومن جهتهم يرى معارضي الرئيس أهمية التعاون الإقتصادي بين بيكين وواشنطن، حتى أن مصالحهم الشخصية واستثماراتهم تتقاطع مع الأمريكان.

هذا فيما ألمح مراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على موردي الخامات الأساسية للصين كي تثنيهم عن إمدادها بكامل إحتياجاتها من الخامات الضرورية للإنتاج.

وفى وسط هذا الضباب المعلوماتي تشير تكهنات إلى أن هناك عناصرتخريبية موالية لواشنطن، قد هاجمت خطوط إمداد الكهرباء دون إعلان من حكومة بيكين، ولازالت تلك المعلومات لا تقوم على ساقين بأي حال.

لماذا يخشى العالم أزمات الصين

تعتبرالصين أحد أكبر الأوعية الإستثمارية التي يضخ مستثمري العالم سواء حكومات أو أفراد أموالهم بها، ذلك لما تتميز به من إستقرار سياسي وامني وما تتمتع به من مزايا إقتصادية.

كذلك الصين تستثمر بشكل ضخم خارج أراضيها، فتُنعش إقتصادات أخرى على مستوى العالم وحدوث أزمات داخلية يؤثر سلبًا على هذا الجانب.

الصين هي سوق العالم الصناعي ومصنعه الكبير،الذى لا يتعطل منذ 30 سنة أو يزيد وتبعات تعطله أو انكماش إنتاجيته أمر يشكل خطورة على كثير من القطاعات الإنتاجية أو الصناعية حول العالم.