الطريق
السبت 27 أبريل 2024 08:14 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الزواج ليس الجنس ولا الأمومة!

لا تبدو الحياة ورديّة طوال الوقت، أمام اثنين قرّرا أن ينتمي أحدهما للآخر وقتا أطول، ويتزوّجا. بالتأكيد تمرّ لحظات من عدم اليقين عليهما، وتقف فى وجهيهما مصاعب تبدو تقليدية في مصر لدرجة تثير الريبة!

فإن لم يكن ما بينهما أصليًّا وحقيقيًّا وله أكثر من جذر، سوف تختلف معادلة الحياة أمامها كثيرًا، وتتحوّل إلى مكابدة حقيقية لكل شىء!

فالحب وحده لا يكفي، لأنه يتبدّل ويتغيّر ويتّخذ عديدًا من الصور مع نمو العلاقة، والجنس وحده لا يكفي، لأن فورته تنطفئ بعد زمن طال أو قصر، والجمال وحده لا يكفي لأن اعتياده يحوّله لشيء تقليدي لا يستحق الوقوف أمامه، والذكاء وخفة الدم وباقي السمات الشخصية وحدها لا تكفي، لأنها تظهر وتحتجب، وينتابها التغيير تحت وطأة كل ما نعاني منه.

فما الذى نبحث عنه؟

نبحث عن “اليقين” بأن الطرف الآخر لديه "شيء" يستحق الاهتمام. وهى مرحلة لا تأتي بين يوم وليلة، وربما لا تأتي أبدًا. لكن إن عشتَها، وتأكّدت منها إلى حد ما، فانتهزها، لأنها ضمانة لا بأس بها على الإطلاق، ربّما تمكّن الحب من رفع رأسه فوق الطوفان الآتي لا محالة، والنجاة إلى حين.

نبحث عن فهم أعمق للطرف الآخر، بعيوبه وسيئاته قبل ميزاته ومحاسنه، بمنظومة القيم والصور الذهنية والعُقد التي يعتنقها ويرزح تحت وطأتها طوال الوقت، لأنه لا أحد يتغيّر بعد الزواج، أو يهذّب من طباعه، أو يعيد تشكل رؤاه ومنطلقاته التي ظل عمرًا كاملًا يحملها كالوشم في قلبه، ويعتقد أنها الأفضل في الدنيا.

الصراحة الجارحة مطلوبة ها هنا، لأن الأمر أولًا وأخيرًا ليس لعبة، أو هو لعبة، لكنها خطيرة، ونتائجها لا يستهان بها!

في الغرب، يعيشون مع بعضهم حياة كاملة، بما فيها الجنس والإنجاب وتدبير مصروف البيت، قبل أن يدرك الطرفان احتياجهما إلى أحدهما الآخر، ويقرّرا الزواج، وقد لا يفعلان، فيذهب كلٌ إلى حال سبيله، ويتشاركان في تحمل مسؤولية الأبناء فقط.

الزواج -مرة أخرى- ليس له علاقة بالجنس، ولا المادة، ولا حتى إشباع غريزة الأمومة.

الزواج له علاقة باليقين في مساحة المشترك، بما يتعالى على رغبات الجسد وضعف البشر، ويستحق الرضوخ لمزيد من القيود من أجل الحصول عليه، بعيدًا عن الأوهام، والتصورات المُسبقة، والتوقعات، والعشم، وكل النقائص ونقاط الضعف البشرية التي تخرّب حياتنا!

أظن، وبعض الظن إثم، أن الثلاثين سن مناسبة إلى حد ما، كي يكون المرء قد استوعب تجربة الحياة جزئيًا، وأصبح قادرًا على تحديد ما يبحث عنه في شريك الحياة، بعيدًا عن الانبهارات الأولية، والمزالق الإنسانية التي تعترض طريقنا طوال الوقت، والمراهقة الفكرية التى تبدو قدَرًا على الرجال أكثر من النساء.

بالتأكيد هناك من ينضجون قبل ذلك، أو بعد ذلك، ومَن لا ينضجون طوال العمر.

نتحدث هنا عن "متوسّط"، لا حقائق كونية مسلَّما بها، فلا يوجد في العلاقات الإنسانية أي يقينيات، ولا كتالوجات يسير عليها الضال أو الراغب أو المتطلّع.

المهم، وأنت تخوض مجاهل النفس البشرية، وتسعى إلى إيجاد موضع قدم لمشاعرك، التي تعتقد أنها قيّمة للغاية، فى حين ربما لا تكون كذلك أبدًا، لا تتوقع الخير كله، ولا تبحث عن الكمال، وردّد مع الكاتب المسرحي "علِي سالم" بيقين وتبتّل: “ليس المطلوب شخصًا نشعر معه بسعادة مطلقة، لكن شخصًا نشعر معه بأقل قدر ممكن من الألم”.

اقرأ أيضًا: التخفف من هزائم الماضي

للتواصل مع الكاتب