الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي.. لحظة تاريخية في حياة السعودية

فور الوصول إلى مطار الملك عبد العزيز بمدينة جدة السعودية، ستشعر مباشرة بأن شيئًا جوهريًا قد تغير في طبيعة المملكة المحافظة التي لم تتبدل على مدار عقود طويلة مضت.

سيلفت انتباهك أن المرأة السعودية العاملة أصبحت حاضرة وبقوة، بداية من "سارة" تلك الفتاة الصغيرة المثقفة التي استقبلتنا كضيوف ممثلة عن المهرجان، وساعدتنا في إنهاء متطلبات الوصول، مرورًا بضابطة الجوازات التي استقبلتنا بمحبة وترحاب، قبل أن تنهي إجراءات السفر باحترافية وسرعة شديدة، وحتى وصولنا إلى مكان إقامتنا الذي بموظفات سعوديات كن المسؤولات عن الضيافة وتسهيل عملنا كصحفيين.

لن أخفي سعادتي وانبهاري بالتطور الذي حدث في المجتمع السعودي، ولا إتاحة الفرصة للشابات والشباب السعودي الواعد الذي كان ينتظر الفرصة للتعبير عن ذاته وتحقيق النجاح، كما لن أخفي دهشتي بالمستوى الثقافي والمعرفي لهولاء الشباب اللذين يمنحونك املًا كبيرًا في مستقبل الأمة العربية.

بالطبع مرت لحظة انطلاق أول مهرجان سينمائي دولي بالمملكة العربية السعودية، كلحظة تاريخية بكل المقاييس في تاريخ هذا الشعب العربي، لكنها بطبيعة الحال كانت نتيجة جهد ونضال طويل داخل هذا المجتمع سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي.

ورغم بعض التحفظات على تنظيم الدورة الأولى من المهرجان، لكن النتيجة المبدئية كانت إلى حد ما جيدة.. اعتمدت إدارة المهرجان في كثير من الأقسام على خبرات أجنبية، رغم أنني أتصور أنها لو كانت اتخذت قرارًا بالاعتماد على المواهب السعودية الشابة فقط، لكنت النتيجة أفضل من ذلك، وخصوصًا أن مدى الشغف وحب العمل الذي لمسه الجميع في قلوب الشباب السعودي يؤهله بجدارة لقيادة هذا العمل الضخم.

العنصر العربي والمصري على وجه الخصوص كان حاضرًا بقوة في حفل الافتتاح، الذي شهد تكريم الفنانة المصرية ليلى علوي إلى جانب المخرجة السعودية هيفاء المنصور والممثلة الفرنسية الكبيرة كاترين دينوف.

لا أعلم لماذا أصرت الفنانة ليلى علوي على إلقاء كلمة مكتوبة على المسرح في أثناء استلامها التكريم من رئيس المهرجان المنتج السعودي محمد التركي، وهو ما أوقعها في أخطاء كثيرة سببت لها إحراجًا أمام الحضور، فكان من الممكن الاكتفاء بكلمات قليلة من القلب كما فعلت كل من المخرجة السعودية هيفاء المنصور والفنانة الفرنسية كاترين دينوف.

تقديم الحفل من قبل الممثلة والمنتجة والمخرجة السعودية الشابة فاطمة البنوي والممثل النجم السعودي يعقوب الفرحان، كان بسيطًا وحميميًا إلى درجة كبيرة ما أشعر الحضور بالراحة والحب الصادق للسينما والفن.

فيلم الافتتاح " سيرنو" للمخرج الحاصل على جوائز جو رايت، اختيار موفق، وأكثر من رائع، إذ أعاد للأفلام الرومانسية اعتبارها بعد فترة طويلة من أفلام القضايا السياسية والمشكلات العالمية التي غرقت فيها السينما لفترة.

كان الفيلم عبارة عن قصيدة شعر طويلة غناها أبطاله الثلاثة اللذين جمعهم الحب والتضحية، وهو دراما عاطفية من تأليف إيريكا شميدت، مقتبسة عن مسرحية غنائية قامت بتأليفها عام 2018 تحمل الاسم نفسه واقتبستها عن مسرحية كلاسيكية تعود لعام 1897 للأديب إدموند روستاند.

وفي هذه الفيلم الجميل يلعب بيتر دينكلاج دور جندي وشاعر عاطفي، لكنه لا يستطيع الاعتراف بحبه لصديقة طفولته الجميلة روكسان (هالي بينيت) لأنه يعتقد أنها لن تجده جذابًا أبدًا. يستعين سيرنو بالشاب الوسيم كريستيان ليساعده في كتابة رسائل حب يعترف من خلالها بمشاعره، ثم تبدأ ثلاثية الحب، ونعرف في النهاية من ستحب البطلة.

تستمر الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي التي انطلقت مساء الثلاثاء الماضي حتى 15 ديسمبر الجاري، وتقام بالشراكة مع رعاة المهرجان مجموعة إم بي سي، والخطوط الجوية السعودية، وڤوكس سينما. وقد استضافت جدة البلد أول سجادة حمراء لاستقبال ضيوف حفل الافتتاح، والذي شهد عرض فيلم "سيرنو" للمخرج الحاصل على جوائز جو رايت.

وقد شهدت السجادة الحمراء مرور كبار النجوم والمواهب السينمائية العربية والعالمية. من العالم العربي: هاني أبو أسعد، وأميرة دياب، ومحمد هنيدي، وإيناس الدغيدي، وصبا مُبارك، ونيللي كريم، وعماد مرزوق، ولبلبة، وهالة صدقي، ونجيب بلقاضي، وإلهام شاهين. ومن بقية أنحاء العالم: أنطوني ماكي، وكاترين دينوڤ، وڤينسنت كاسل، وكلايڤ أوين، وتيري فريمو، وهيلاري سوانك، وميشيل مورون، وستيفن دورف، وجون كورتارينا، وأليخاندرا أونيفا، وتينا كوناكي، وأليساندرا أمبروسيو، وكانديس سوينبويل، وسارة سامبايو، وإرينا شايك، وساشا لوس، والتون مايسن، وريك يون، وسونيا بن عمّار، وشانينا شايك، ولينا بيرمينوفا، وآخرون.

كما شهدت السجادة الحمراء باقة كبيرة من نجوم السعودية ومواهبها بمن فيهم يعقوب الفرحان، وفاطمة البنوي، ووحيد جمجوم، وحسن عسيري، ويوسف الجرّاح، وخالد الفرّاج، وياسر السقاف، وعلي الكلثمي، ومحمد أبو حمدان، وفيصل الدوخي، ومحمد الدوخي، وإبراهيم الخيرالله، وعلاء فادن، وصهيب وفارس قُدس، وميلا الزهراني، وإلهام علي، وخالد صقر، ومشعل الجاسر، وبراء عالم، وخالد الحربي، والعنود سعود، وسعد عبد العزيز، وعبد الله ظهران.

كما شهد حفل الافتتاح حضور أعضاء لجان تحكيم الدورة الافتتاحية وهم جيوسبي تورناتوري، وشيرين دعيبس، وهند صبري، ودانيلا ميشيل وعبد العزيز الشلاحي من لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الطويل، وعهد كامل وخضر عيدروس من لجنة تحكيم الأفلام القصيرة.

انطلقت الدورة الافتتاحية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بالاحتفاء بدور المرأة في السينما، حيث تم تكريم كل من المخرجة السعودية هيفاء المنصور، والأيقونة المصرية والعربية ليلى علوي، والنجمة الفرنسية العالمية كاترين دينوڤ. يُذكر أن مراسم حفل الافتتاح انطلقت مع الممثلة والمنتجة والمخرجة السعودية فاطمة البنوي والممثل النجم السعودي يعقوب الفرحان.

وقدّم المهرجان جائزة تكريم خاصة لرئيس معهد العالم العربي في فرنسا، وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ، وذلك تقديراً لإسهاماته في تعزيز العلاقات الثقافية والفنية بين الممكلة العربية السعودية وفرنسا، ولدوره في مدّ الجسور الثقافية بين العالم العربي وفرنسا.

يُذكر أن المهرجان سيعرض في دورته الافتتاحية وعلى مدى عشرة أيام 138 فيلماً من 67 بلداً ناطقة بـ34 لغة لمخرجين معروفين ومواهب جديدة يتم اكتشافها وتقديمها لأول مرة. كما يضم برنامج المهرجان 27 فيلماً سعودياً جديداً لمواهب واعدة ترسم ملامح الموجة الجديدة في السينما السعودية.

ومن جهته قال محمد التركي رئيس لجنة المهرجان في كلمته التي ألقاها على خشبة المسرح: "نحن فخورون لأننا نشهد على هذه اللحظة التاريخية بحضور ومشاركة المبدعين والمواهب، لنحتفي بالروّاد ونتعلم منهم ونستلهم شيئاً من إنجازاتهم. ولعله فخر أكبر أن منارات السينما في هذه الاحتفالية هي مواهب نسائية". وأضاف: "اليوم تحتفل مملكتنا الحبيبة بصنّاع السينما ومحبيها، وقد أصبحت حاضنة للجيل الجديد من المواهب، ووجهة لتكريم الرواد والمبدعين، خصوصاً ونحن في هذه المدينة التاريخية التي نجتمع فيها على حب السينما".

تتواصل فعاليات الدورة الافتتاحية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة البلد حتى 15 ديسمبر الجاري.