الطريق
الجمعة 17 مايو 2024 05:04 مـ 9 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الوقود الأحفوري.. ماذا سيحدث عند نفاذ النفط من العالم؟

أرشيفية
أرشيفية

في عام 2019، كان يتم حرق 25 مليون برميل تقريبا من النفط الخام العربي يوميا، لتوليد الطاقة، وهذا الرقم يمثل متوسط حجم الإنتاج اليومي للدول العربيه من النفط حينذاك، جزء صغير منه كان يستهلك محليا، والجزء الأكبر يتم تصديره للخارج.

وفي ظل الحجم الشبه ثابت، لاحتياطات الدول العربية من النفط الخام، وفي ظل ندرة الاكتشافات النفطية الكبيرة في السنين الأخيرة، فمتى ينفذ البترول؟.

يشغل هذا السؤال شركات النفط، وحكومات الدول النفطية والمحللين، وحتى الدول غير النفطية مثل الصين، والسبب أن النفط لا يزال المصدر الرئيسي للطاقة في العالم.

الاحتياطيات النفطية المؤكدة

أصدرت شركة RY STAD ENERGY، الأمريكية المتخصصة في أبحاث سوق النفط، تحليل في شهر مايو 2021، قالت فيه: إن شركات النفط الكبرى BIG OIL، ستنتهي احتياطياتها النفطية في أقل من 15 سنة.

لفظ الـBIG OIL، يطلقه الإعلام الأمريكي على 6 شركات، وهي: EXXON MOBILE، و BP البريطانية، ورويال شيل الهولندية، وCHEVRON الأمريكية، وTOTAL الفرنسية، وENI الإيطالية.

اقرأ أيضا: ارتفاع مؤشرات البورصة خلال تعاملات منتصف جلسة اليوم

حيث أن احتياطات هذه الشركات، يتم استنزافها بوتيرة سريعة جدا، دون تعويض هذا المخزون، لأن نتائج التنقيب والاستكشاف قليلة، فمثلا هذه الشركات استخرجت 13 مليار برميل من النفط المكافئ في 2020، ما يعادل 15% من الاحتياطات المؤكدة، في حين أن الاكتشافات النفطية في العالم كله لم يتجاوز ١.٢ مليار برميل من النفط المكافئ، في الربع الأول من 2020، وهذا أقل معدل في آخر 7 سنين.

تاريخ الاكتشافات النفطية

بدأ استخدام النفط تجاريا في النصف الثاني من القرن الـ19، وانطلقت موجة من التنقيب والاستكشاف، وكانت الاستكشافات كثيرة جدا حينذاك، ولكن في ظل تسارع وتيرة الاكتشافات وارتفاع مستويات الطلب، وزيادة حجم الإنتاج، وصل حجم الاستكشافات النفطية، إلى ذروته في الستينات.

حيث كانت الشركات تكتشف في تلك الفترة كل عام حقول بمتوسط 55 مليار برميل، و بالمقارنة بسنة 2020 فكانت الاكتشافات، بمتوسط 5 مليار برميل، وأكبر الحقول الموجودة حاليا في العالم تم اكتشافها في الستينات، منها: حقل الغوار السعودي، أكبر حقل نفط في العالم، تم اكتشافه سنة ١٩٤٨، وحقل برجان الكويتي، ثاني أكبر حقل نفط في العالم تم اكتشافه عام 1938، وأكبر 20 حقل نفط في العالم حاليا، تم اكتشاف 19 منهم في القرن الماضي، وهو العصر الذهبي للاكتشافات النفطية.

حالة الشح في الاكتشافات الجديدة، هي أحد أسباب الصراعات الحالية، وأغلب الصراعات ستكون في 3 مناطق حول العالم وهم: شرق المتوسط والقطب الشمالي وبحر الصين الجنوبي، والمشترك بين هذه المناطق الثلاثة هي احتوائهم على كميات كبيرة من النفط والغاز.

كيفية تقدير الاحتياطات النفطية

يقوم الجيولوجيين، بتحديد المنطقة ويستخدمون تقنية التصوير المقطعي الزلزالي، ثم تطلق هذه التقنية موجات صوتية، وتنعكس هذه الموجات بترددات معينة تسمح للجيولوجيين، برسم صورة حول أنواع وتشكيلات الصخور الموجودة تحت الأرض.

إذا كانت النتائج مشجعة، فسيتم حفر بئر استكشاف، إذا اكتشفوا نفط، يبدأوا في تحديد حجم الخزان النفطي وأبعاده.

وللتأكد من حجم المخزون، يتم حفر آبار استكشاف عديدة، فإذا تواجد فيهم نفط، يعني أن المخزون كبير، وإذا لم يجدوا نفط تتوقف عمليات الحفر والتنقيب، لأن الجدوى الاقتصادية ستكون قليلة إذا كانت كمية النفط قليلة.

أما إذا كانت الكمية المكتشفة كبيرة، وتكون الجدوى الاقتصادية تستحق، يتم التنقيب والحفر باستخدام التقنيات لتقدير حجم الاحتياطي تقريبيا.

أنواع الاحتياطات النفطية

تنقسم الاحتياطات إلى 3 فئات 3PS، بحسب درجة اليقين والقدرة على استخراجها وهم: الاحتياطيات المؤكدةPROVED RESERVES -(P1) 90%.

والاحتياطات المحتملة PROBABLE RESERVES -(P2) 50%.

والاحتياطات الممكنة POSSIBLE RESERVES -(P3) 10%.

ويحسب مهندسي البترول، الاحتياطي من النفط عبر ( مجموع الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة) (P1) + (P2).

لا تسمح جهات بالبورصة الأمريكية، للشركات أن تكتب فى قوائمها المالية إلا الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام لتقليل التلاعب.

تقترب الاحتياطيات المؤكدة من النفط في العالم من 1.252 تريليون برميل، بحسب منظمة أوابك، نصيب الدول العربية منه يقترب من 715 مليار برميل.

ويتم استخدام طريقة R/P ratio وهي نسبة الاحتياطيات إلى الإنتاج، أي قسمة الاحتياطيات المؤكدة ÷ معدل الإنتاج، لمعرفة متى سيتنهي الاحتياطي.

فمثلا، في 2019، كان العالم ينتج 97.5 مليون برميل من النفط الخام يوميا، والدول العربية تنتج منهم 24.5 مليون برميل يوميا.

وباستخدام طريقة R/P ratio سنجد أن هذه الاحتياطيات ستنفذ خلال 35 سنة، واحتياطيات الدول العربية ستنفذ خلال 80 سنة.

لكن هذه الطريقة غير فعالة، لأنها لاتضع في اعتبارها، أولا: عدم دقة أرقام الاحتياطيات المؤكدة، لأن حسابها يكون غير دقيق إما بالخطأ أو بقصد، لأنه تم اكتشاف في 2004، أن شركة شل تلاعبت عن قصد في رقم الاحتياطيات المؤكدة وبالغت في تقديرها مما عرضها للتشهير والغرامات.

والسبب الثاني، هو تطور تكنولوجيا الاستخراج، لأن هناك ما يسمى النفط غير القابل للاسترداد من الناحيه الفنية، لأن أدوات وأساليب الاستخراج الحالية عاجزة عن استخراجه، والشركات تستثمر في أساليب وتكنولوجيا الاستخراج، وتعمل على تطوير هذه الأساليب مما يعزز من قدرتها على استخراج كميات أكبر من الاحتياطيات.

فمثلا، قال مسؤول في شركات النفط الأمريكية، في سنة 1975، أن النفط القابل للاسترداد في حقل الغوار السعودي، لا يتعدى 60 مليار برميل، ولكن بعد 46 سنة، نجد أن حقل غوار أنتج 70 مليار برميل، وبحسب بيانات أرامكو في 2019، أن حقل غوار لا يزال به أكثر من 58 مليار برميل من النفط المكافئ.

لأن السعوديين نجحوا في الاستثمار في تكنولوجيا الاستخراج، لكي يزيدوا من حجم النفط القابل للاسترداد، ويكتشفوا رواسب جديدة في خزانات الحقل.

ثالثا، الاكتشافات النفطية الجديدة، حتى لو كان حجمها قليل، فمثلا في عام 2014، شركة جازبروم الروسية، GAZ PROM، نجحت في أن تستخرج أول برميل نفطي يتم استكشافه من مياه القطب الشمالي، وفي هذه المنطقة احتياطيات تقترب من 90 مليار برميل، إلى جانب اكتشافات الغاز.

كما أن معظم الشركات تتوقع انتهاء النفط، على أساس أن يستمر الاستهلاك بنفس المعدل، حتى أن شركة BP البريطانية قالت في 2019، أن النفط سينتهي في خلال 53 سنة.

وقالت شركة بلومبرج في 2019، أنه إذا استمرت معدلات الإنتاج في السعودية ثابتة، فستنتهي احتياطياتها على سنة 2088.

يعتبر افتراض ثبات مستويات الإنتاج إشكالية، بسبب أن مستويات الإنتاج هي انعكاس للاستهلاك، وحدثت تطورات في السنوات الأخيرة تشير إلى أن مستويات الطلب على النفط ستصل للذروة قريبا.

وأحد الأمثلة على هذه التطورات، هو الدعم السياسي العالمي لصناعة السيارات الكهربائية، لأن توسع هذه الصناعة سيؤثر على النفط، لأن قطاع النقل هو أكبر القطاعات استهلاكا للنفط، حيث يستهلك أكثر من نصف إنتاج العالم، وبالتالي دخول البطاريات الكهربائية يعتبر تهديد لصناعه النفط.

ورغم أن توليد الكهرباء يتم عن طريق استخدام النفط، ولكن تنوعت مصادر توليد الكهرباء في العالم، ففي عام 2017، كانت نسبة توليد الكهرباء من الفحم 38%، ومصادر طاقة متجددة 25%، وغاز طبيعي 23%، وطاقة نووية 10% والنفط 4%.

استعدادت الدول لخلق بدائل

ولكن يجب أن يستعد العالم للحظة نفاذ النفط، ويجب على الدول التي تعتمد على النفط، أن تعمل على تنويع استثماراتها، منها السعودية والإمارات والنرويج.

وطبقا لآخر احصائيات الاستهلاك من الوكالة الدولية للطاقة، العالم يعتمد على الوقود الحفري في توليد الطاقة بنسبة 80% من احتياجاته من الطاقة، مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم، ومتوقع أن ينتهي النفط بعد حوالي 60 سنة تقريبا، اذا استمرينا بنفس معدل الاستهلاك.

انتهاء البترول سيكون كارثة بكل المقاييس للعالم ككل، ولاقتصاديات أكثر من 25 دولة، لأنهم يعتمدون بشكل أساسي على النفط، في دخلهم القومي، ومتوقع أن يكون آخر برميل نفط في العالم في الشرق الأوسط.

وبسبب ندرة الوقود الأحفوري، نجد صراعات كبيرة بين الدول، في مناطق الاستكشافات الجديدة، مثل شرق المتوسط وبحر الصين الجنوبي والقطب الشمالي.

وتتنافس 5 دول منها: الصين وروسيا وأمريكا، على أكثر من 90 مليار برميل نفط و50 تريليون متر مكعب من الغاز في القطب الشمالي، ولأنها منطقة بكر ولا تسيطر عليها قوى أو دول، تتنافس عليها الدول لحجز أكبر مكسب من المنطقة.

استكشافات النفط والغاز في القطب الشمالي

سمعنا في السنين الأخيرة عن الاحتباس الحراري، الذي تسبب في ذوبان الجليد في القطب الشمالي، مما أدى إلى اكتشاف ثروات المنطقة.

وظهر تقرير عام 2000، يشير إلى أن 25% من احتياطيات العالم من النفط والغاز الغير مكتشفة توجد في القطب الشمالي، بالإضافة إلى المعادن الثمينة منها: الماس والذهب والبلاتينيوم والقصدير والمنجنيز والنيكل والرصاص.

وسياسيا، تستخدم الدول موارد الطاقة، كـكروت ضغط على باقي الدول، مثل الضغط المستمر من روسيا على أوروبا بسبب الغاز الطبيعي، حيث قال كبير محللين الأسواق السيادية في بلو باي أسيت مانيجمنت، " لقد تركت أوروبا نفسها رهينة لروسيا بشأن إمدادات الطاقة"، وهذا بسبب أن الاتحاد الأوروبي يستورد 77% من احتياجاته من الغاز الطبيعي، ونصف هذه الكمية تأتي من روسيا، لذلك تسعى أوروبا إلى إيجاد بديل.

وبدأ العالم كله ينتبه إلى الوقود الأحفوري، وخصوصا أكبر الدول المنتجة، حيث ركزت الإمارات على استثمارها في السياحة والعقارات، ووضعت نفسها كمركز لوجيستي لشحن وتفريغ السفن، أيضا السعودية بدأت في خطط اقتصادية وصناعية وتطوير السياحة الدينية، وتوسعت مصر في التنقيب عن الغاز، في شرق المتوسط، لسد احتياجاتها وتأمين احتياطياتها من الغاز، وتتوسع في إنتاج الطاقة النووية في محطة الضبعة، والمتوقع الإنتهاء منها في 2026.

بدائل الوقود الأحفوري

ورغم هذه الاكتشافات، فإن العالم يظل يبحث عن بدائل نظيفة، مثل الشمس والرياح والمد والجزر والوقود النووي، فقد أعلن الرئيس الأمريكي في 2021، خطته التي ستجعل أمريكا بحلول عام 2035، تستغني عن الوقود الأحفوري، وتعتمد بنسبة 40% على الطاقة الشمسية، وبالفعل تبنى الكونجرس الأمريكي، سياسات مثل الإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة، خاصة أن الطاقة المتجددة ستقلل من مشكلة الاحتباس الحراري.

لكن الطاقة المتجددة، تعتمد في استخدامها على معادن منها النادر ومنها المتوفر في دول معينة، مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم والنيكل، وتحتوي الصين على 70% من العناصر الأرضية النادرة، كما تحتوي الكونغو على أكثر من 80% من الكوبالت في العالم، والليثيوم يتم إنتاجه في الأرجنتين وتشيلي، بنسبة 80% من الإنتاج العالمي، لا توجد مشكلة حاليا حول هذه المعادن ولكن مع توجه الدول نحو الطاقة المتجددة، سيزيد الطلب عليها، وبالتالي سيزيد سعرها، لأن المتاح سيكون أقل حينذاك من المطلوب.

الهيدروجين الأخضر وقود المستقبل

أما فيما يخص الهيدروجين الأخضر، فيعتبره أغلب المحللين وقود المستقبل، وهو يتكون من المياه عن طريق التحليل الكهربائي للذرات، وفصل الأكسجين عن الهيدروجين.

وتستثمر الدول المليارات لتطوير التكنولوجيا الخاصة بالهيدروجين الأخضر، فالسعودية تنشئ حاليا أكبر محطة عالمية لتوليد الهيدروجين الأخضر، كما أعلنت أوروبا في 2020، عن خطة لتخصيص 430 مليار دولار في الهيدروجين الأخضر عام 2030، وافتتحت اليابان محطة لإنتاجه، في مدينة فوكوشيما، كما تعمل الدول على تطوير تكنولوجيا لاستخدام الهيدروجين الأخضر في كل المجالات التي تحتاج للطاقة.

كما أعلنت شركة تويوتا في 2021، عن شراكتها مع شركة صينية لتطوير سيارات تعمل بمحركات تعمل بالوقود الهيدروجيني، باستثمارات حوالي 80 مليار دولار، وستبدأ عملية الإنتاج في 2023.

وأعلنت شركة صينية بدعم من الحكومة أنها ستبني 100 محطة وقود هيدروجيني، مع نهاية 2021، ويقول المحللون أنه إذا استطاعت الدول استخدام الهيدروجين في استخراج الطاقة، ستتمكن من توفير احتياجات البشر من الطاقة للأبد.

وبهذا ستتحقق مقولة كاتب الخيال العلمي الفرنسي، جول فيرن، في روايته الجزيرة الغامضة، منذ أكثر من 150 سنة، " تُرى ماذا سيحرقون في المستقبل بدلا من الفحم؟ المياه ستحلل إلى عناصرها الأولية وذلك بفعل الكهرباء، وفي المستقبل سيتم استخدامها كوقود.