الطريق
الأربعاء 1 مايو 2024 02:36 مـ 22 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

صفعة ناعمة لأمريكا.. هل شكلت قمة جدة ملامح إدراك بقوة الذات العربية؟

قادة ورؤساء وفود الدول المشاركة في قمة جدة
قادة ورؤساء وفود الدول المشاركة في قمة جدة

سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى استغلال أول جولة له في الشرق الأوسط منذ استلم منصبه كرئيس للولايات المتحدة لإعادة تأكيد نفوذ واشنطن، لكنه أتى إلى الشرق الأوسط وغادره دون أن تحقق زيارته كامل أهدافها.

وبعد أن أقلعت الطائرة الرئاسية «آير فورس وان» عائدة إلى واشنطن، مساء السبت، اعتبر محللون سياسيون تحدثوا لموقع «الطريق» أن التحركات التي تم الإعلان عنها خلال رحلة بايدن كانت «متواضعة» ويمكنه أن يفتخر فقط ببضعة مكاسب قليلة.

وزار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السعودية أول أمس الجمعة، في زيارة رسمية استغرقت يومين، من أجل حضور قمة جدة للأمن والتنمية، وكان في استقباله بمطار الملك عبد العزيز لدى وصوله المملكة أمير مكة، خالد الفيصل، والذي قام بتوديعه عند مغادرته أمس السبت.

ويرى الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات بالإمارات، إن قمة جدة للأمن والتنمية، حققت عدداً من الأهداف التي عُقدت من أجلها، مؤكداً أنّ النتائج التي تمخضت عنها، وعبّر عنها بيانها الختامي والبيان المشترك السعودي-الأمريكي والتصريحات التي تلت لقاءات القادة العرب بالرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش القمة، تبدو دون الطموح أو التوقعات.

اختراق في العلاقات

وأضاف العلي، أن الزيارة بالنسبة لبايدن تهدف إلى إصلاح العلاقات الشخصية والسياسية بين إدارته والسعوديين، ويبدو أن ذلك قد تم إنجازه، مشيرا إلى أن القمة أحدثت اختراقاً مهماً في العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة، بالنظر إلى حالة الفتور وعدم الثقة التي عانتها مؤخراً، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق على أن تنعقد القمة الأمريكية-الخليجية بشكل سنوي مجدداً، كما كانت في عهد الرئيس أوباما.

وبشأن المكاسب التي حققتها القمة، أوضح أن الجانب الأمريكي ضمن خلال القمة استقرار أسعار الطاقة، حيث حصل بايدن على التزام بضخ النفط في الأسواق لشهري يوليو وأغسطس بنسبة تزيد على 50% عما كان مخططاً له.

وفيما يتعلق باليمن، قال الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات بالإمارات، إن التزام السعودية بتمديد الهدنة وتعزيزها أيضا ضمن مكاسب القمة، خاصة أن بايدن استخدم هذه القضايا لتبرير زيارته للسعودية، بعد ما تعرض له من انتقادات داخل بلاده.

وأكد العلي أن بايدن لم يحصل على كل ما يريد، إذ لم يكن هناك أي حديث، لا في البيان الختامي لقمة جدة ولا في الكلمات التي ألقيت، عن تشكيل تحالف إقليمي أو «ناتو شرق أوسطي» من الدول العربية وإسرائيل ضد إيران.

كما لم يكن هناك أيضاً أي إشارة إلى توسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل السعودية، والتي أكد بايدن ومستشاروه عدة مرات أنها في صلب أهداف الزيارة، كذلك لم تحصل الولايات المتحدة على ما كانت تطمح إليه من تأييد عربي لموقفها تجاه أوكرانيا.

ماذا حققت الدول العربية؟

أكد العلي أن الدول العربية حققت عدداً من الأهداف التي كانت تسعى إليها من وراء القمة؛ خاصة أن حضور بايدن الذي كان يرفض من قبل زيارة السعودية، يعد بحد ذاته هدفاً مهماً، وهو اعتراف من قبل واشنطن بأهمية دول الخليج للمصالح الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة وخارجها.

وحصلت الدول العربية على التزام صريح من بايدن بعدم التخلي عن المنطقة والتزامه بضمان الأمن فيها وتعزيز التعاون مع دولها في المجالات المختلفة، وتعهد أيضاً باستمرار الضغط على إيران وعدم السماح بامتلاكها أسلحة نووية.

ونوه الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات بالإمارات، إلى أن أهم ما حققته الدول العربية من القمة هو إظهار قدرتها على صياغة الأجندات التي تخدم مصالحها، بعيداً عن لغة الضغوط التي دأبت واشنطن على القيام بها أحياناً إذا تعارضت مصالحها مع مصالح دول المنطقة، وأنها - أي الدول العربية - قادرة على أن تخط سياسات مستقلة بها.

في المجمل تبدو الأهداف التي تحققت على أهميتها دون الطموح؛ خاصة أن ما نص عليه البيان الختامي لم يخرج عن إطار الالتزامات العامة التي دائماً ما يتم التأكيد عليها، ما يعني أن تطبيقها على أرض الواقع غير مضمون.

ما التالي؟

وبشأن السيناريوهات المرتقبة أوضح العلي أن واشنطن أدركت بوضوح أهمية دول الخليج العربي خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط عامة لمصالحها الاستراتيجية، وبالتالي فمن المتوقع أن تغير واشنطن من نهجها الرامي إلى الانسحاب من المنطقة، والحفاظ على علاقاتها القوية مع دولها.

ورغم الخطوات التي تباينت أهميتها تظل أزمة الثقة لدى دول المنطقة قائمة في الجانب الأمريكي، حيث برهنت واشنطن في الأزمات الكبرى أنها يمكن أن تتخلى عن دول المنطقة، كما حدث مع البحرين ومصر خلال أحداث ما يسمى الربيع العربي.

إعادة الروح العربية

وبدوره، اعتبر المحلل السياسي حسن عصفور، أن قمة جدة خطوة هامة نحو شراكة في عالم متعدد الأقطاب، وإعادة الروح الرسمية العربية في ترسيم قدرتها بالتأثير العالمي، وليس فقط انتظارية التأثر كما كانت سنوات طويلة.

وقال عصفور، إن «قمة جدة كسرت كل التكهنات التي رسمت له عناصر مسبقة، وفقا لتسريبات إعلام أمريكي وعبري، وبالتحديد حول عناصر ثلاثة، بناء تحالف أمني إقليمي بمشاركة إسرائيل، هدفه الأساس إيران، وزيادة إنتاج النفط تعويضا عن القدرة الروسية، وتجاهل القضية الفلسطينية».

التأثير في المعادلة الدولية

وأشار المحلل السياسي إلى أن القضية الرئيسية التي يجب ملاحظتها في قمة جدة، كلمات ومظهر حضوري وبيان، أن هناك روح عربية جديدة أطلت برأسها خلال يوم 16 يوليو 2022، لتكتشف أن عناصر القوة التي تمتلكها قادرة على فرض ترتيب جديد في التأثير على المعادلة الدولية، وأن العالم لم يعد تحت سيطرة الذات الاستعمارية التي يمكنها تهديد استقلال دول تمتلك من القدرة ما يمكنها هي من تهديد استقرار دولة تعتقد أنها عالمية التأثير.

ونوه عصفور إلى إعادة الاكتشاف الرسمي العربي في قمة جدة، عبر «تساعية عربية» لمكامن قوى الذات، مقدمة الضرورة لرسم ملامح رؤية أكثر شمولية، ما يعيد ترتيب الخريطة العالمية وفقا للحضور العربي، وتحديد طريق شراكة بشكل مختلف، خارج التبعية وفي سياق تكافئ ما وفق الممكن.

تحول تاريخي

وأكد انتهاء قمة جدة دون حصول الولايات المتحدة على عناصرها الثلاث، بل ربما حدث نقيضها، يمثل مكسبا سياسيا استراتيجيا، ونقطة تحول تاريخي ومفصل يعيد الاعتبار للمكانة العربية، وقدرتها على حل مشاكلها وفق مصالحها وليس استخدامها أداة حل مشاكل غيرها على حسابها.

وأوضح عصفور أن «الدرس الأول، هو أن إيران دولة تختلق المشاكل لكل جوارها، ولكنها لن تستخدم (ذريعة) للانتقاص من مكانة الدول العربية، خاصة الخليجية، التي بدأت تدرك تماما، ان أمريكا لا تبحث حلولا لها، بل توريطا لدول المنطقة، فكان فتح الباب لتعديل مسار العلاقات الإيرانية، دن تنازل عن المخاوف التي تثيرها بلاد فارس، وتلك نقلة نوعية في التفكير السياسي الاستراتيجي العربي، مع افشال كلي لفكرة التحالف الأمني الإقليمي بمشاركة إسرائيل».

القضية الفلسطينية

وأكمل المحلل السياسي: «الدرس الثاني، حضور مفاجئ جدا للقضية الفلسطينية في كل كلمات العرب بالقمة، وبتركيز وتحديد واستخدام لغة غابت منذ سنوات عن الرسمية العربية، بأن فلسطين تبقى قضية العرب الأولى، ثم جاء بيان قمة جدة، ليضعها كقضية رئيسية من قضايا المنطقة، ما يمثل رسالة سياسية هامة الى لدولة الكيان، أن علاقات التطبيع لن تزيل قيمة فلسطين، ولأمريكا، أن لا سلام حقيقي دون حل قضية فلسطين».

وأردف عصفور: «أما الدرس الثالث، مسألة الندية في التعامل مع قضية الطاقة والنفط، وكانت العربية السعودية حسمت أمرها تماما، بأن الحد الأقصى لها 13 مليون برميل، فيما أكد بيان القمة التنسيق مع منظمة (أوبك +)، ما يؤكد أن القرار لم يعد غير ذاتي عربي، وتلك من المؤشرات التي ستكون عاملا حاسما في الحضور القادم».

اقرأ أيضا: كيف دار أول لقاء بين السيسي وبايدن؟

موضوعات متعلقة