الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 02:21 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

وهم البحث عن الآثار فيروس منتشر بمحافظات مصر.. أهم الحلول للسيطرة عليه

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تمتلك مصر ثلث آثار العالم، مما جعلها واحدة من أكثر الحضارات التي أبهرت العالم والتي يتسابق الكثير من الأشخاص في الحصول على قطعة واحدة من آثارها العظيمة، تسابق تسبب في انتشار ظاهرة البحث غير الرسمي عن الآثار والاتجار فيها والتي انتشرت في معظم محافظة مصر.. فلا يمر يوما واحد دون أن تطالع خبر القبض على بعض الأشخاص أثناء تنقيبهم عن الآثار أو أخبار أخرى متعلقة بجرائم حدثت نتيجة خلافات أما أثناء التنقيب عن الآثار أو خلافات لأى سبب آخر.

وانتشرت ظاهرة البحث عن الآثار والتربح منها، حتى امتد الأمر إلى حد وصول بعض الرسائل النصية القصيرة على الهواتف المحمولة والتي تحث على المشاركة في البحث والتنقيب عن الآثار، ليكون بمثابة أسلوب جديد يستخدمه المتخصصين للعثور على شركاء جدد لهم في هذه العملية التي يساعد استمرارها على تدمير حضارة مصر العظيمة.

وقائع كثيرة وحالات تم الإمساك بها وهي في حالة تلبس أو بسبب اعتراف أحد المشاركين فيها نتيجة خوفه بعد سقوط أحد الضحايا أثناء التنقيب، فها هي محافظة القليوبية تشهد جريمة قتل بشعة بسبب قيام أحد الموظفين بالمعاش بقتل شقيقته وتقطيع جسدها ورمي أجزائه فى مناطق متفرقة إرضاءا لأوامر الدجال الذي أقنعه أنها الطريقة الوحيدة التي تجعل "الجن" يساعده في استخراج الآثار.

وفي محافظة المنيا لم يختلف الأمر كثيرا حيث قام عاطل بقتل أحد عماته وإصابة الأخرى بعدة طعنات بسبب خلاف بينهم على متحصلات بيع آثار، وفي أسوان وقائع كثيرة مماثلة لعل آخرها إعلان شرطة السياحة والآثار القبض على 3 أشخاص متلبسين أثناء قيامهم بالحفر داخل منازلهم للتنقيب عن الآثار.

وفي شبرا الخيمة تسبب البحث عن الآثار في إنهيار أحد أجزاء عقار، حيث نتج عن قيام بعض الأشخاص بالحفر في منزلهم للتنقيب عن الآثار انهيار جزء من مدخل عقار مجاور لهم، بينما في المعصرة سقط أحد المقاولين أثناء اشتراكه في التنقيب عن الآثار بمنزل يمتلكه مدرس للغة الإنجليزية، ولم يتم العثور على جثته حتى وقتنا الحالي.

وعن أسباب انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار رغم أهميتها لمصر، أكد الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن غياب الوازع الديني والأخلاقي هو السبب الرئيسي لقيام بعض الأشخاص بفعل أي شيء لتحقيق حلم الحصول على الثراء السريع دون بذل مجهود حقيقي أو عمل شاق، موضحا أنه لتحقيق هذا الهدف يبيح بعض الأشخاص لأنفسهم فعل أي شيء سواء كان البحث عن الآثار أو الاتجار في المخدرات أو السلاح أو غيرها من المحرمات، كما يبيح الشخص لنفسه ارتكاب أي جريمة في سبيل تحقيق هدفه.

وأشار "قناوي" إلى أن قلة حملات التوعية بأهمية الآثار المصرية وضرورة الحفاظ عليها سبب رئيسي أيضا فالكثير من الناس يجهلون أهمية هذه الآثار للاقتصاد المصري، ويعتبرون أنها حق مكتسب لهم لأنها توجد في نطاق أرض أو مسكن يمتلكونهم، وما ساعدهم على ذلك غياب الرقابة على المساكن الموجودة في المناطق الأثرية أو القريبة من مناطق الآثار سواء من المسئولين فى الأحياء أو الشرطة أو حتى المسئولين عن الآثار، فضلاً عن عدم تطبيق عقوبات غليظة وقاسية على المتهمين بالتنقيب عن الآثار أو الاتجار فيها.

وأوضح "قناوي" أن الحل يكمن في التوعية والتي تنقسم إلى شقين أساسين هي التوعية الإعلامية، حيث يجب أن يكون هناك حملات إعلامية توعوية مكثفة بأهمية الآثار لمصر وللمصريين بشكل خاص وإنها ملك للدولة وليس ملكاً لمن يعثر عليها، مستنكرا ما يحدث فى بعض قنوات التلفزيون من توضيح الأسعار الخرافية لبيع قطع الآثار المسروقة والمهربة والتي تعد في حد ذاتها دافعاً للكثير للبحث عن هذه الآثار للاتجار فيها.

وأضاف أستاذ علم الجريمة، أن الشق التوعوي يجب أن يتضمن أيضا حملات توعية دينية في القنوات الإعلامية المختلفة وفي المساجد والكنائس تركز على توضيح حرمة سرقة هذه الآثار والإتجار فيها أو التنقيب عنها ، وأن ذلك يعد مخالفة لقوانين الدولة التي تنظم التعامل مع هذه الآثار، مؤكدا على أن الآثار المصرية ملك لمصر فقط، وحتى في حالة إيجاد شخص لأي آثار موجودة تحت منزله فهي ليست حقاً له فهي ليست ميراث من والديه بل هي أمانة يجب أن يردها لمالكها الوحيد وهو مصر.

وعن ظاهرة التنقيب عن الآثار أكدت الدكتور سامية خضر، أستاذ علم الإجتماع بجامعة عين شمس، أن البحث عن الآثار مشكلة خطيرة يجب أن يتم إدراجها ضمن جرائم الأمن القومي والخيانة العظمي، وأن يعامل المشاركين فيها معاملة الجواسيس والخائنين، موضحة أنها أكثر انتشارا لدى الأشخاص القريبين من المناطق الأثرية وخاصة تلك البعيدة عن العاصمة.

وأشارت "خضر" إلى أن غياب التوعية التاريخية بأهمية الآثار المصرية وأهمية الحفاظ عليها سبب رئيسي فى مثل هذا النوع من الظواهر فالكثير من الأشخاص خاصة البسطاء الذين يسهل السيطرة عليهم وإقناعهم بمثل هذه الأفعال لا يفقهون شيئاً عن أهمية الحضارة وكل ما يبحثون عنه هو الحصول على المال، مستنكرة أن يتم تدريس مادة خاصة بالتعريف بالحضارة المصرية بأغلب المدارس الاوربية وألا يحدث هذا في مصر.

وشددت على أهمية وسائل الإعلام وخاصة المرئية لما لها من تأثير خطير جداً في التوعية بخطورة مثل هذه الظواهر لقدرتها على الوصول لجميع الفئات وخاصة الأميين وغير المثقفين بأبسط الطرق، فهي تتسلل للنفوس والوجدان فتستطيع أن تغير من الأفكار وإعادة تشكيلها بسهولة، مطالبة علماء الآثار و المسئولين عنها بضرورة الاهتمام بعمل برامج تؤكد على عظمة تاريخ وحضارة مصر وأن يكون هناك تواجد قوي لهم على الساحة مثلا كان يحدث من قبل وأن يقوموا أيضاً بحصر لجميع المناطق الأثرية وتسجيل الأثار الموجودة فيها لحمايتها من السرقة والتهريب.

واتفقت معها فى الرأي الدكتورة هناء أبو شهدة، أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر، والتي أكدت أن التنقيب عن الآثار حالات فردية لبعض الأشخاص الفاقدين للوعي والقيم والأخلاق، وليست ظاهرة يمكن تعميمها فمهما كثر عدد الحالات يظل أغلب المصريين متمسكين بتاريخهم وثقافتهم ومحترمين لها، موضحة أن السبب في ظهورها هو هوس الحصول على المال والرغبة في الثراء السريع والتي غالبا ما يظن الكثير من الأشخاص أنه لا يمكن تحقيقه إلا بالاعتماد على الطرق غير المشروعة كالبحث عن الآثار وتهريبها وغيرها، متناسين أن لكل مجتهد نصيب.

وأردفت "أبو شهدة" أن الحل الأمثل للقضاء على مثل هذه الحوادث هو تغليظ العقوبات على المجرمين المشاركين فيها، والتركيز على ذلك إعلاميا حتى يتضح أمام الجميع إنها جرائم محرمة قانونا ويعاقب المسئولين عنها بأقصى العقوبات.

ومن الناحية الدينية أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والنائبة البرلمانية السابقة، أن التنقيب عن الآثار والاتجار فيها حرام شرعا، ويدخل في نطاق السرقة والاستيلاء على ممتلكات الغير لأنها ليست ملك لأي شخص بل هي مال عام وبالتالي فهي ملك لمصر الدولة فقط.

وتابعت "نصير" الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة والتي يساعد انتشارها على ضياع هوية مصر الحضارية- كما جاء على حد وصفها - أن يتم تشديد العقوبات الموجودة بالقوانين الخاصة بالتنقيب عن الآثار والإتجار فيها وأن يتم التوسع في تطبيقها والإعلان عنها حتى يتعظ أي إنسان تسول له نفسه سرقة هذه الآثار أو الإتجار فيها، مشددة على أهمية زيادة حملات التوعية سواء التوعية الدينية بحرمانية مثل هذا الأفعال وتجريمها، أو التوعية الثقافية باهمية الآثار لمصر وللمصريين.

وبرغم وجود الكثير من العقوبات الخاصة بالتنقيب عن الآثار والإتجار فيها، إلا أن أغلبها قوانين غير رادعة والعقوبات فيها بسيطة، وفقاً لما أكدته الاستاذة أمل محمد متولي المحامية والخبير القانوني والتي قالت إن العقوبة المقررة لأي شخص يشترك فى البحث عن الأثار أو قام بسرقة أثر أو تشويهه وفق قانون رقم 117 لسنة 1984 هي الحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبعة مع غرامة مالية لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف، موضحة أنها عقوبة غير رادعة ولا تجعل المجرمين يتعظون.

وطالبت بضرورة تشديد العقوبة وجعلها متساوية مع عقوبة الاتجار في الآثار وهي السجن المؤبد والغرامة المالية التي لا تقل عن 2 مليون جنيه، لأن مثل هذه العقوبة كافية لأن تخيف أي شخص يفكر في البحث عن الآثار أو الاتجار فيها، خاصة إذا كان هناك توسع في تنفيذها فعليا على المخالفين والإعلان عنها حتى تكون واضحة للجميع.