الطريق
الإثنين 6 مايو 2024 06:56 مـ 27 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

دور السلاح والسياسة في أكتوبر.. «هيكل» يكشف أسرار النصر العظيم

هيكل
هيكل

يحل علينا شهر الانتصار العظيم الذي حظي على اهتمام كبير من العالم العربي كافة، ذكرى حرب أكتوبر المجيد، لذلك يستمر المواطنون فى قراءة أهم ما كتب عنها من مختلف الاتجاهات والمشارب.


ذكرى حرب أكتوبر

فقد كتب عن هذه المعركة الكثير من القامات الجليلة، وأفرد لها البعض مئات بل آلاف الصفحات، لكن يظل الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الأقرب إلى القارئ المصري والعربي والأجنبي حينما يريد أن يعرف ماذا جرى على أرض المعركة، وما الذي دار داخل المكاتب والقاعات المغلقة.

سطور تاريخية عظيمة على يد هيكل

فكان هيكل قريبا من دوائر صنع القرار، وكان شاهدًا على الأحداث، بل يمكن اعتباره مشاركًا فى صنع بعض القرارات المهمة والخطيرة، لذا تظل كتبه التي قدمها للمكتبة العربية شاهدة على عصر كامل وهى الأقرب إلى الحقيقة بشكل من الأشكال.

تفاصيل كتاب أكتوبر 73 السلاح والسياسة


فجاء كتاب "أكتوبر 73 السلاح والسياسة" الذي تناول اللحظات الحرجة سياسيا وعسكريا منذ وفاة عبد الناصر وتولى السادات المهام الجسيمة للتحضير لمعركة الحسم، ذلك بالإضافة إلى تضمنه وثائق وكواليس السياسة الخفية لإحلال السلام قدر الاستطاع، دون اللجوء للحرب، بجانب المشاكل مع الاتحاد السوفيتي.


يحكى الأستاذ في مقدمة الكتاب أنه حصل على بعض هذه الوثائق من الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى أعقاب الواقعة الشهيرة والمعروفة بمراكز القوى، وبعضها عثر عليها بطريقة أو بأخرى وهى مراسلات دارت بين الرئيس السادات ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هنرى كيسنجر خلال عام كامل، وهو عام 73 الذي شهد حرب أكتوبر.

كانت هذه الوثائق سببًا لغضب الرئيس الراحل أنور السادات من الأستاذ عندما علم في أثناء زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر عام 1975 أن هيكل حصل عليها.

ويسرد هيكل في كتابه بعض التفاصيل عن هذه الأيام:


في صباح يوم 6 أكتوبر عرف الرئيس السادات أن إسرائيل قد وضحت لها نية مصر للحرب، وكان واضحًا بالنسبة له أنه حقق سبقًا على الأرض، ولكن الخطر الأكبر خلال الساعات المقبلة، حتى ساعة الصفر هو أن ينقض من الجو على شكل محاولة ضربة إجهاض يقوم بها سلاح الطيران الإسرائيلي.

وكان هذا الهاجس همًا ثقيلًا على فكره ولم يكن يعرف أن هذا الاحتمال قد استبعد، وأن هذه الضربة الجوية الوقائية لن تقع، لأن مجرى الحوادث في هذه الساعات كان يتخذ مسارًا آخر في تل أبيب وفى واشنطن.


وبين الساعة الثامنة حتى الساعة العاشرة إلا الربع من صباح يوم السبت 6 أكتوبر كان الرئيس السادات في قصر الطاهرة وليس فى رأسه إلا سؤال واحد: هل توجه إسرائيل ضربة إجهاض بالطيران ضد الجبهة المصرية قبل الموعد المقرر لبدء الهجوم وبقصد تشتيت وبعثرة صفوفه؟

وفي تمام الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر وصل الرئيس أنور السادات إلى المركز رقم 10 مقر القيادة الرئيسى للعمليات، وتوجه فور وصوله ومعه الفريق أول أحمد إسماعيل على إلى مكتب القائد العام وهناك قضى بضع دقائق ألقى فيها نظرة على خرائط التخطيط.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر كانت الأنظار فى القاعة كلها متجهة إلى الجزء الخاص بالقوات الجوية.


وحينما حل منتصف الليل تماماً كانت هناك خمس فرق كاملة من المشاة والمدرعات على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكانت معظم مواقع خط بارليف الحصينة قد حوصرت، ونصفها تم اقتحامه.كان الرئيس السادات فى الساعة السابعة تماماً، ومعه كل الذين أتاحت ظروفهم أن يتواجدوا فى هذه القاعة المجيدة فى حالة من النشوة لا تكاد تصدق.


وقد تأكدوا جميعًا أن أخطر عملية في الحرب كانوا يتحسبون لخسائرها قد تمت بنجاح تعدى خيالهم، وكانت أروع لحظة في حياتهم هي التي تلقوا فيها أول تقدير مبدئي عن حجم الخسائر المصرية فى العملية حتى الآن.

وكانت الخسائر في عملية العبور هى استشهاد 64 رجلًا إلى جانب 420 جريحًا وقد أصيبت 17 دبابة، وتعطلت 26 عربة مدرعة، وكان ذلك لا يصدق فقد كانت كل التقديرات العلمية عن الخسائر المحتملة فى عملية العبور تصل بها إلى عشرات الألوف من الشهداء والجرحى.

وكان الرئيس السادات ومن حوله القادة يتبادلون النظرات وهم لا يكادون يتصورون واقع ما جرى أمام عيونهم. كان بكل المعايير ضربًا من المعجزات.


وفى الساعة السابعة مساء، كان الرئيس «السادات» قد اطمأن بأكثر مما راوده فى أوسع أحلامه جموحاً- إلى أن هناك شيئًا عظيمًا تم تحقيقه.فى قصر الطاهرة كانت هناك مكالمات تليفونية عدّة من الكثيرين في العالم العربي وصل إلى أسماعهم ما حدث، وأرادوا أن يتصلوا به تهنئة وتبريكا.


وفى الساعة الثامنة مساء كان محمد حسنين هيكل في قصر الطاهرة لموعده مع الرئيس أنور السادات وقد لاحظ عند دخوله إلى الصالون الذي كان يجلس فيه الرئيس أنور السادات ويتلقى منه ما يختار من الاتصالات التليفونية أن هناك مجموعة من رجال التليفزيون والإذاعة بميكروفوناتهم وعدساتهم.


وعندما تقدم هيكل إلى الرئيس السادات كان باديًا أن موجة من الفرح تتراقص بصالون القصر، وبدأ يسأل عن المزيد من التفصيلات، ولكن السادات كان له مطلب عاجل، هو إعداد كلمة قصيرة ولو من عشرة سطور تقول للناس ما معناه "أن حرب الساعات الست قد تحققت".


وفى ليلة السادس والسابع من أكتوبر، كان السادات فى لحظة فاصلة وفارقة من حياته شكلت على وجه القطع مفترق طرق، قبلها كان واحداً من زعماء العالم العربي مثل غيره كثيرين وبعدها أصبح نجمًا يلمع فى آفق عالٍ وشاهق.


وقبلها فإن رجلاً مثل هنرى كيسنجر كان يتهرب منه ويصفه بأنه بهلوان سياسي، وبعدها فإن لم يعد فى مقدور أحد بمن فيهم هنرى كيسنجر إلا أن يعترف له بأنه "داهية سياسى".

وسجل في تاريخ العرب نصرًا عسكريًا على مستوى لم يكن ينتظره أحد، وإنما كان شاغله ما يراه أمام عينيه: فلقد تم العبور العظيم، وهو الآخر عبر من مكان إلى مكان، ومن ضفة إلى ضفة، ومن حال إلى حال، ولقد اختلط العبوران معًا، فأصبح عبور القوات عبوره.. وعبوره عبور القوات، وفى واقع الطبيعة البشرية فإن ذلك كان محتملًا، وربما كان مفهومًا.