الطريق
الإثنين 10 فبراير 2025 08:35 صـ 12 شعبان 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
النيابة تعاين موقع جريمة مقتل شاب بالمحلة الكبرى القبض على المتهم بقتل شاب وإصابة آخر إثر مشادة بينهما فى المحلة الكبرى الصين تبدأ فى رسوم جمركية علي البضائع القادمة من أمريكا موقع الكرملين: آخر اتصال رسمي بين ترامب و بوتين كان في 2020 الجيش السودانى يسيطر على منطقة المسعودية شمال الجزيرة فارسين اغابكيان: السلطة الفلسطينية بدأت دراسة آلية دخولها إلى قطاع غزة ترامب: ملتزم ”بشراء غزة” وامتلاكها.. وسأهتم بالفلسطينيين وسأتأكد من أنهم لن ”يقتلوا” خبير عسكري فلسطيني: نتنياهو يخلط الأوراق السياسية والعرب لن يقبلوا التهجير رئيس مصلحة الضرائب تكشف حجم تأثر حصيلة ضرائب قناة السويس بأحداث البحر الأحمر مقتل شاب بطلق ناري في الغربية والأجهزة الأمنية تنجح في القبض على الجاني الخارجية المصرية ترفض تصريحات نتنياهو وتؤكد دعمها للشعب الفلسطيني فيديو| خبير علاقات دولية: القمة العربية الطارئة نقطة انطلاق لترتيب قضايا المنطقة ودعم فلسطين

الشيخ سعد الفقي يكتب: شهر شعبان وفضائله

الشيخ سعد الفقي
الشيخ سعد الفقي

فِي شهر شعبان نَزَلَتْ فَرِيضَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي النِّصْفِ مِنْهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ». هَذَا حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» سنن النسائي/ حسن
ثانيًا/ ليلة النصف من شعبان: دعوة لإصلاح ذات البين ووحدة الأمة
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ) ابن حبان، والطبراني، وابن شاهين فى الترغيب، والبيهقي فى شعب الإيمان ، وابن عساكر عن معاذ.
إصلاح ذات البين أعظم درجة: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» سنن أبي داود.
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) البخاري– الفتح، وتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم(وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فمن منا يبدأ أخاه ويجود عليه بالسلام حتى يكون خيرًا من أخيه عند الله وعند الناس.
ثالثًا: تحويل القبلة وتحوّل القلوب:
نحن في منتصف شهر شعبان المبارك، شعبان الخير ورفع الأعمال، «سفير رمضان»، هذا الشهر الذي كثرت فيه أحداث الدين، فما بين فرض للصيام، والزكاة وبيان لأنواعها ومصارفها، وفرض للقتال، وتحويل للقبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، زادها الله تشريفًا وتكريمًا.
ويعد حادث تحويل القبلة حدث عظيم اهتزّت له قلوب الموحدين والمحبين لله ولرسوله، وبسببه انتقلت الأمة من مرحلة إلى مرحلة جديدة في التميّز والتوازن، كما سعد قلب النبي محمد r بهذا الحادث أيّما سعادة؛ لا سيما وقد أرضاه الله تعالى فيما كان يهواه قلبه، ويحنّ إليه فؤادُه عليه الصلاة والسّلام.
1- سفير رمضان وتعامل النبي – صلى الله عليه وسلم:
من المعلوم أنّه لو جاء سفير إلى بلدٍ مّا، يتم إحسان استقباله والترحيب به، وإكرام وفادته، وهذا شعبان، سفير من رمضان إلينا، أنّ أيام الخير قد اقتربت، ولذا فقد أحسن النبي إكرامه، والاهتمام بشأنه؛ فلقد كان النبي r يكثر فيه من الصيام؛ وما كان ذلك إلا تفسيرًا لقوله حين سئل عن ذلك، فقال عنه r: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [رواه النسائي في سننه، وقال عنه الألباني: حسن]. ومن هُنا ينبغي على العقلاء المخلصين أن يهتمّوا بما اهتمّ به الرسول محمّد r، فيكثروا في هذه الأيام من الصيام وقرآءة القرآن الكريم. وقد كان السلف الصالح y إذا دخل شعبان انكبُّوا على مصاحفهم وأكثروا من قرآءة القرآن، حتى أنّ كثيرًا من أئمة السُّنّة كانوا يوقفون دروس الحديث ويتفرّغون فقط لختم القرآن وقرائته وتدبّره.
2- دروس مستفادة من تحويل القبلة:
وتأتي حادثة "تحويل القبلة" لنتعلّم منها دروسًا كثيرة، والقبلة هي علامة بارزة على أمتنا العزيزة، وبسببها يحسدنا أعداؤنا، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أم المؤمنين عائشة: «إِنَّهُمْ لا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ».
ومن بين دروس تحويل القبلة ما يأتي:
قدر النبيّ r عند ربّه سبحانه، وبيان علوّ مكانته ومنزلته؛ فلقد كان قلب النبيّ يحنّ إلى الكعبة بعد أن هاجر من مكة إلى المدينة، وقد كان يصلي إلى بيت المقدس (القبلة الأولى)، توجّه نحو بيت المقدس حوالي سنة ونصف تقريبًا، لكنه ما زال يتلهّف شوقًا للكعبة، وكأنّه ينادي: ياربّ .. ياربّ .. أريد الكعبة قبلةً، وما زال يدعو ويرجو مولاه أن يلبي له دعاءه، ويدعو وهو موقن بأن الله لن يخذله، وسيلبي له ما يريد، إلى أن جاء الفرج والجواب بأن توجّه يا محمد نحو الكعبة، وقد كان النبي r في صلاته يصلي، قيل أنها كانت صلاة الظهر ومنهم من قال أنها كانت صلاة العصر، قال تعالى: ]قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[ [البقرة: 144].
أدب الصحابة في الاستجابة السّريعة لأمر الله ورسوله؛ لقد كان أصحاب النبي أشرف الناس وأكملهم، ولذا اختارهم الله لصحبة نبيه، وكانوا على قدر هذا الشرف، فحين جاء "عبّاد بن بشر" مبلغًا أنّ النبي r قد توجّه إلى الكعبة مستقبلا إيّاها في صلاته، استقبل الصحابة وهم في الصلاة "الكعبة"؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ» [رواه البخاري في صحيحه، والحديث متفق عليه].
وسطية هذه الأُمّة وتوازنها؛ قال تعالى: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[ [البقرة: 143]. أمّة الوسطية في القبلة، أمّة الوسطية في الفهم، في المشاعر والإنسانية، وهكذا....الوسطية في كل شيء.
وحدة القبلة وحدة لأبناء الأمة الإسلاميّة؛ لقد أراد الله تعالى وهو الإله الواحد الأحد أن يجمع أمّة حبيبه محمدًا r نحو قبلة واحدة، ودين واحد؛ ليصير للأمة قوّة وعزيمة أن تتغاضى عن خلافاتها، ولقول النبي r: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم في صحيحه].
قيمة المسجد الأقصى من قيمة المسجد الحرام؛ فعلى الرغم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلا أنّ المسجد الأقصى سيبقى قبلة المسلمين الأولى، وهو ملك لكل مسلم ومسلمة على وجه الأرض، وليس لأحد غيرهم ملكية فيه، ومن فرّط فيه يوشك أن يفرّط في الكعبة ذاتها.
3- تحول القلوب....بداية الطريق الصحيح:
إنّ حادث تحويل القبلة يبعث على تحويل القلوب من أحوالها السيئة الأسيفة إلى أحوال أخرى صالحة سليمة، تقود نحو الخير والحق والرشاد، وتحقيق الأمان النفسي والمادي في الحياة، ومن بين ما يجب أن يتم تحويل القلُوب مِنه، الآتي:
تحوّل القلوب من اليْأس إلى الأمل، ومن التشاؤم إلى التفاؤل.
تحوّل القلوب من الكسل والخمول إلى العمل والإنتاج.
تحوّل القلوب من اللاإنسانيّة إلى الإنسانيّة والأخلاق.
تحوّل القلوب من المعاصي إلى الطاعات؛ خاصة مع قدوم أيّام رمضان.