الطريق
الأحد 12 مايو 2024 08:49 صـ 4 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

منعت عشرات الأفلام.. ”الدين والسياسة والأخلاق” ثلاثي المنع لحماية المجتمع

الرقابة على الأعمال الفنية.. 140 عاما من الصراع بين ”الفن السابع والمقص”.. وسمير فريد: ”باقية ما بقت الدولة” و”أبو شادي”: تحمي النظام العام ولا تقيد الإبداع

منذ ما يقرب من 140 عامًا عرف المصريون لأول مرة كلمة "الرقيب"، إذ صدر أول قانون للرقابة على ما يقدم بمصر، خلال نوفمبرعام 1881، وهو ما أزعج القائد الثوري حينها أحمد عرابي والذي قال "إن الغرض منه إيقاف سيل الصحف الوطنية واندفاعها الثورى والقضاء على حرية الصحافة" حسبما قال المؤرخ سمير فريد في كتابه "تاريخ الرقابة على السينما صراع ديني أم سياسي".

وعام 1904، عدل القانون وأمتد الأمر للرقابة على ما يقدم من أعمال سينمائية، بعدما ظلت منذ 1896 خاضعة لرقابة جهاز الشرطة، وزاد الأمر تعقيدًا بصدور لائحة التياترات" عام 1911، والتي دعمت التشديد والرقابة.

ونصت اللائحة على وجود مكتب فني بوزارة الداخلية منوط بمهمة محددة ألا وهي "مراقبة دور السينمات والمسارح والصحف وأي مطبوعات أخرى".

ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف الرقيب أو مقصه في الإجتزاء من تاريخ الفن المصري، فتارة يكون السبب دينيًا وتارة أخلاقيًا وحتى سياسيا، وهو ما امتد لعشرات الأعمال الفنية وربما المئات، ويرصد "الطريق" أبرزها في التقرير التالي.


الزهور القاتلة

جاءت بداية سطوة الرقابة مبكرة إذ عمد عام 1917 إلى منع فيلم "الزهور القاتلة" الذي أنتجته شركة سينمائية إيطالية مصرية، ولعب دور البطولة فيه محمد كريم، وصوره كورونل، بسبب أن بعض مشاهده أحتوت صور للقرآن الكريم ولكنها مقلوبة بسبب عدم دراية منتجي العمل باللغة العربية وقواعدها أو شكل ظهورها.

الملوخية

كان ثاني الأعمال التي تمنع من العرض في مصر، إذ حاول المصور المخضرم محمد بيومي عام 1924 إنتاج عمل يبرز ملامح الأسر المصرية، من خلال حياتها اليومية ومن بين تلك المشاهد كان مشهد للأسرة تاكل وجبة "الملوخية" الشهيرة على "طبلية"، وهو ما أعتبر إساءة لصورة مصر الخديوية السياحية والتي روجت لها الحكومة حينها وسعت لان تكون واجهة مصر على المستوى الدولي.


لاشين

"يحمل إسقاط سياسية على الملك"، كانت هذه الجملة هي التعليل الرسمي من الدولة المصرية حين منعت فيلم "لاشين" من العرض الذي أنتج عام 1938، ولعب فيه دور البطولة حسين رياض، وحسن عزت، ونادية ناجي.

وللمخرج الألماني فيرتز كرامب، قصته تدور حول قائد جيش أحد الدول يرأسها حاكم ضعيف الشخصية يعرف بتعدد علاقاته النسائية، وأن "لاشين" العسكري هو من يدير البلاد، فأصدر الملك فاروق توجيها لرئيس ديوانه أحمد حسين، لوقف عرض العمل ظنًا منه أنه إسقاط على شخصه.

الشيخ حسن

عام 1952 وخوفًا من تأجيج الفتنة الطائفية في مصر، منع الرقيب فيلم "الشيخ حسن" من العرض، إذ تدور قصة الفيلم حول شيخ يهتم بنقل علوم الدين لأبناء منطقته ويقع في خلاف مع والده، فيترك منزله ويتنقل لمكان أخر فيرتبط بفتاة مسيحية تدعى "لويزا" ويتزوجها رغمًا عن أهلها، الفيلم لعب فيه دور البطولة حسين صدقي وليلي فوزي وهدى سلطان.



المتمردون

من بطولة شكري سرحان وزيزي مصطفى وتوفيق الدقن، ومن إخراج توفيق صالح وتأليف محمد عثمان، أنتج فيلم "المتمردون" عام 1968، ومنعته الرقابة ظنًا منها أنه يحمل إسقاطات على الحقبة الناصرية، ويسئ لسمعة مصر الدولية، رغم أن قصة العمل تدور حول طبيب يذهب للعلاج في إحدى المصحات العلاجية وسط الصحراء.

 ويكتشف أنها منقسمة لقطاعين الاول لمن يملك الثروة والمال وبالتالي تقدم لهم خدمات مميزة وعلاج مستمر، والثاني للعلاج المجاني وهو الغالبية العظمى، وتكون حياتهم في عنابر مكدسة دون المستوى الادامي.

حمام الملاطيلي

لإحتواءه على على مشاهد خادشة للحياء العام ومخالفته الذوق العام والأداب المجتمعية، منعت الرقابة فيلم "حمام الملاطيلي" الذي يناقش قصة المثلية الجنسية، عام 1973، وهو من بطولة يوسف شعبان ومحمد العربي وشمس الباردوي، وأخرجه صلاح أبو سيف.

البريء

عام 1986 أنتج أحد اكثر الأفلام إثارة للجدل، منذ بداية الإعلان عن تصويره، وحتى خروجه للنور، إذ رفضت وزارة الدفاع المصرية تصويره إذ تردد أنه صور داخل أحد المعتقلات المصرية وهو ما يعد إفشاء لأسرار عسكرية، كما أن أبطال العمل أرتدوا ملابس جنود الأمن المركزي وظباطه وهو ما رفضته وزارة الداخلية المصرية، إلا أن منتجوا العمل تمكنوا من تصويره، وهنا كانت العقبة الثانية إذ اعترض الرقيب على العمل وتدخل في تغيير نهاية الفيلم وهو ما أدى لتصوير نهايتين.

 لم تعرض النهاية الأصلية لـ"البرئ" إلا عندما أذاعته بعض القنوات الفضائية، قبل أن يقرر وزير الثقافة فاروق حسني عام 2005 السماح بعرض النسخة الأصلية على شاشات السينما في إفتتاح مهرجان السينما القومي، العمل من بطولة أحمد زكي ومحمود عبد العزيز وممدوح عبد العليم وجميل راتب، وألفه وحيد حامد وأخرجه عاطف الطيب.

العقرب

لإحتواءه مشاهد خارجة لا تتناسب مع المجتمع المصري وعادته وتقاليده، منعت الرقابة عرض فيلم "العقرب" الذي انتج عام 1990 وهو من بطولة كمال الشناوي وصلاح قابيل وشريهان وأخرجه عادل عوض.

وتدور قصة "العقرب" حول فتاة يتبناها رجل وزوجته من أحد الملاجئ، لتعيش حياة ثرية بدل التشرد بالملجئ، إلا أنها تقيم علاقة مع السائق الخاص بهما، ويخون الأب زوجته مع زوجة صديقه فتطلب الطلاق منه، بينما تريد الطفلة المتبناه قتل ناهد بعدما اكتشفت أنها ابنتها بالتبني وتحرض السائق على قتلها، ليتم اتهام صديقها الرسام بالجريمة، قبل أن تكتشف أن الرسام هو والدها الحقيقي، وأن والدتها الحقيقية هي من السيدة التي تبنتها من خلال علاقة غير شرعية.

حلاوة روح

في فيلم أحدث حالة من الجدل الواسع، منعت الرقابة عرض فيلم "حلاوة روح" الذي تدور أحداثه في إطار إجتماعي رومانسي، إذ يعجب أحد الأطفال بجارته التي تسكن في حارة مع والدة زوجها المسافر.

وتدور الأحداث حيث يتمكن الولد من إقامة علاقة مع تلك الجارة الجميلة، العمل الذي أنتج عام 2014 صدر قرار منعه من رئيس الوزراء، ولعب دور البطولة فيه الفنانة هيفاء وهبي وباسم سمرة ومحمد لطفي.

الكنز 2

طالبت هيئة الرقابة من القائمين على فيلم الكنز2، تعديل مشاهدين الاول يتعلق بالفنان محمد رمضان والفنان روبي، والثاني بالفنان أحمد مالك الذي يجسد شخصية نجل هند صبري خلال أحداث العمل، لاحتوائها على مشاهد خارجة، والأمر الثاني هو وضع علامة +12 على بوستر الفيلم، وهو ما حدث وعرض الفيلم بالفعل.

أراء وانتقادات

رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية الأسبق، على أبو شادي، قال إن قانون الرقابة يشترط الالتزام بعدة أمور أساسية قبل الموافقة على الأفلام والعروض الفنية، أبرزها عدم الإساءة للأديان والعقائد وحماية النظام العام والآداب العامة وحماية المصالح الأساسية للدولة، وجميعها تخضع لتقيم الرقيب وحده، ذو الدور المزدوج في حماية المؤلف والإبداع وحرية التعبير وغيرها مع الإلتزام بالقانون.

وأضاف "أبو شادي" أنه للموافقة على ترخيص أي عمل يجب مراعاة عدم المساس بقيمه الدينية والروحية والأخلاقية، ولا يجوز منح الترخيص إذا تضمن الفيلم ما يدعو للرذيلة أوالترويج للمخدرات أوالجريمة والحض على ممارسة الجنس أوالتعرض للأديان، وحال عدم الترخيص سواء كان الرفض كلي أو جزئي يجب أن يكون مسبب ويخطر المنتج والمؤلف.

وتابع في حوار إعلامي سابق، إذ طبقنا تلك القواعد ستجد أن أغلب الأفلام الممنوعة ترجع لإحتواءها واحدة من المحظورات السابقة، والهدف هنا حماية المجتمع وأدابه العامة وأخلاقياته والنظام العام، وليس مصادرة حرية الإبداع أو تضيق الخناق على المؤلف.

أما الناقد فريد سمير، فيرى أن الرقابة بمختلف أشكالها وأنواعها ستظل تعبيرًا عن السلطة السياسية الحاكمة أيًا كانت هذه السلطة من نهاية القرن الـ19 إلى بدايات القرن الـ21، وهو ما شرحه بإستفاضة في في كتابة ذو العشر فصول، كيف أن هناك صراعًا ظاهرًا بين الرقابة والفن السابع أساسه الطابع السياسي، إلا أنه في بعض الأوقات تخللها الخلاف الأخلاقي والديني.

ويضيف "فريد" في كتابة الذي أعيدت طباعته مرة أخرى، إن الرقابة كما وصفها المخرج الفرنسي جان-لوك غودار، ذات يوم "جستابو على الروح"، والجستابو هو قطاع الشرطة السرية الألمانية خلال فترة الحكم النازية، وسوف يظل كل مبدع فى العالم يرى فى الرقابة أيًا كانت قيدًا على حريته فى التعبير، مضيفًأ، لكن الرقابة سوف تظل قائمة طالما أن هذا المبدع أو ذاك يعيش فى دولة، وسوف يظل الصراع بين المبدعين وبين الرقابة ما بقى الإبداع وما بقيت الدولة.