الطريق
السبت 20 أبريل 2024 02:24 مـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

أعمال روائية تدفع القارئ لإعادة قراءة التاريخ

التاريخ ماضي لا نمل الرجوع إليه، وما بين حضارة ضائعة نعض أناملنا من الندم حين نقرأ عنها، وبين أمل يتجدد فينا حين نروي بطولات الأجداد؛ يظل التاريخ نبع من الحكايات لا يجف، وأرض خصبة لخيال الكتاب حين يدمجون الواقع بالخيال ويغزلون خيوط الحكايات حول أشهر الأحداث التاريخية أو تلك المسكوت عنها، فتتجدد الحكاية بالكتابة.
هذه الكتابات أثرت عالم الأدب بالعديد من الأعمال الروائية التي تجولت بين أروقة التاريخ وتعتبر توثيق لا يقل قيمة عن الكتب التاريخية، وتعتبر هذه الأعمال هي جسر يعبره القارئ لتلك الكتب الوثائقية..

ومن أهم هذه الأعمال الروائية:

واحة الغروب

تدور أحداث الرواية في عام 1882 حين هزم الجيش المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي، وأحكم الاحتلال الإنجليزي قبضته على مصر، وألصقت الاتهامات برجال الجيش، وأجبر محمود عبدالظاهر أحد الضباط المشاركين في الثورة على الاعتراف بأن عرابي خائن وهو من سلم مصر للإنجليز دون مقاومة.

بالرغم من هذا الاعتراف لم يستطع محمود عبدالظاهرأن يخفي تعاطفه مع رجال الثورة وإيمانه بمبادئها؛ فقرر قادته إبعاده عن القاهرة بنقله مأمورا لواحة سيوة، وبهذا الحدث يبدأ الكاتب «بهاء طاهر» أحداث رواية «واحة الغروب» الصادرة عن دار الشروق عام 2006، والتي توجت بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر في دورتها الأولى عام 2008.

بمجرد أن تبدأ رحلة محمود عبدالظاهر وزوجته كاثرين، السيدة الأيرلندية المولعة بالبحث في تاريخ الإسكندر الأكبر، يجد القارئ نفسه أمام ثلاث حكايات للتاريخ المصري القديم والحديث.

الحكاية الأولى هى تاريخ الإسكندر الأكبر وأمجاده التى امتدت إلى حكم مصر وزيارته الشهيرة لواحة سيوة، وصولا إلى رحيله الغامض ومقبرته التى أضنت علماء الآثار بحثا وما زالت مفقودة حتى الآن.
الحكاية الثانية هي واحة سيوة التى تحمل من مظاهر التاريخ والحضارة ما يربط بين الماضي والحاضر، وعادات وتقاليد أهل الواحة الرجعية الناتجة عن ضعف التعليم وسياسة الحكومات التي لا ترى فيهم سوى مجرد مصدر لجباية الضرائب.

الحكاية الثالثة حكاية الثورة العرابية وذكرياتها التي ظلت تؤرق محمود عبدالظاهر، بالإضافة إلى محاولاته في التغلب على عداء أهل الواحة للسلطة الحاكمة، فلا يجد نهاية لهذه المشكلات سوى التحرر من حكايات الماضي التي لم نرث منها سوى التندر بما تحمله من أمجاد، ولكن كيف الخلاص من الماضي وكل من مروا من هنا تركوا أثر خلق منه الأحفاد قيود تحول بينهم وبين مستقبل أفضل.

بنهاية أحداث الرواية يفتح الكاتب آفاق جديدة لمزيد من البحث أمام القارئ، حين يشير على هامش الرواية إلى أهم الأعمال التي استعان بها كمراجع أثناء رحلة الكتابة، الأمر الذي يضيف مصداقية أكبر للمعلومات والأحداث، كما استطاع خلق جدال يتجدد مع كل قراءة جديدة للرواية؛ فطالما طالبت كاثرين بترميم المنزل، وبالعودة إلى المصادر نجد أن مصير مأمور الواحة مجهول لم يذكر عنه شيء سوى أن حجارة المعبد قد استخدمت في بناء سلم جديد في قسم الشرطة وفي ترميم مسكن مأمور الواحة!

هل يعني ذلك أن حكاية محمود عبدالظاهر بالتحديد حقيقية، وإن كانت حقيقة فأين خيوط حكايته داخل المصادر التاريخية وبخاصة تلك التي تخص تاريخ واحة سيوة؟!

الموريسكي الأخير

الموريسكيين هم من وقع عليهم قرار التنصير الإجباري، بعد أن سقط ملك بنى الأحمر وتم تهجيرهم من الأندلس بقرار من الملكين الكاثوليكيين «إيزابيلا وفرناندو» عام 1499..

في «رواية الموريسكي الأخير» يروي الكاتب «صبحي موسى» هذا التاريخ من خلال قراءة يوميات «مراد» أحد أحفاد الموريسكيين الذين عاشوا على أرض مصر وما يعانونه من تشكيك في هويتهم الدينية وانتماءاتهم الوطنية.
يكتب مراد عن ثورة 25 يناير2011 التي تتزامن أحداثها مع قراءته لمذكرات الجد «محمد عبدالله بن جهور» الذي عايش التهجير، وشهد محاولات القيام بالثورة للاحتفاظ بملك الأندلس.

ومن هذه القراءة تتنقل الرواية بالقارئ من خلال سرد جاء بالتناوب بين حقبة تاريخية مضت تمثلها مذكرات الجد، وحاضر سوف يصبح مراد شاهدا هو الآخر على أحداثه، لتنطلق الأحداث فى سرد شيق ومتناغم، يثير بداخلنا تساؤل هام؛ من هو الموريسكي الأخير وبطل الرواية الحقيقي؟ مراد أم الجد آخر من عاصر الثورة فى الأندلس؟

يعتبر الزمن هو البطل الرئيسي فى الرواية؛ فقد استطاع الكاتب أن يمزج بين أكثر من حقبة تاريخية مليئة بالأحداث دون أن يشتت القارئ، فهو لم يتناسى أن يذكر رحلة أجداد «مراد» من شفشاون بالمغرب حتى أستقر بهم الأمر فى مصر أثناء حكم المماليك، كما ذهب الكاتب أيضا إلى فترة ما قبل سقوط الأندلس؛ لعرض الأسباب التي أدت إلى سقوطها، وكان لهذا الجزء بعد آخر؛ أن يشير من خلاله إلى الاتجاهات التي تنازعت حول الحكم فى مصر عقب ثورة يناير، وانشقاق الشعب بين مؤيد ومعارض حتى انتهى الحكم فى يد الجماعة الإسلامية.

ما بين حكايات الثورات القديمة وأحداث ثورة 25 يناير، نجد أنفسنا أمام السؤال الأدق الذي تعتبر إجابته هي الهدف الرئيسي من الرواية؛ سواء انتصرت الثورة أم لم تنتصرألا يستحق أصحابها أن نتذكرهم ونروى بطولاتهم وأمجادهم حتى لو كانت محاولات؟!

الأزبكية

تبدأ أحداث رواية «الأزبكية» بحدث تاريخي هام؛ حين ذهب السيد عمر مكرم والشيخ عبدالله الشرقاوي ومحمد أنور السادات إلى بيت الضابط محمد علىيعرضون عليه أن يتقدم لتولي حكم مصر عام 1805.

لم يقف الكاتب «ناصر عراق» طويلا أمام هذا المشهد وسرعان ما انتقل بالأحداث مسلطا الضوء على محاولات مجموعة من الشباب رفض هذه الزيارة ورغبتهم في البحث عن حاكم مصري للبلاد.

يبحر الكاتب من خلال "أيوب" بطل الأحداث ورفاقه في فترة حكم الحملة الفرنسية لمصر ليرصد أهم بطولات الشعب المصري في مقاومة الاحتلال الفرنسي، كما سلط الكاتب الضوء على سياسة الحكم في ذلك الوقت،التي أدت إلى الوقوع في قبضة الاحتلال، تلك السياسات كانت تمثل إسقاط روائي هام على كافة أنظمة الحكم الظالمة في كل زمان ومكان.

وبعيون أيوب المقاومة للاحتلال، وعيون فناني الحملة الفرنسية الذين اهتموا بالتعايش مع الشعب المصري ورسم أهم اللوحات التي تعد أحد وسائل التوثيق للتاريخ المصري في تلك الفترة، استطاع الكاتب أن يقدم نموذج حى لمظاهر الحياة اليومية وأهم العادات والتقاليد التي تميز بها الشعب المصري في ذلك الوقت.

بنهاية أحداث الرواية يدرك القارئ حقيقة كامنة في هذا الشعب؛ وهي رغبته الدائمة في حكم ذاتي لو تحقق منذ ذلك الوقت لتغير مجرى التاريخ بالكامل.

موت صغير

فازت رواية «موت صغير»، للكاتب «محمد حسن علوان» بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2017، وتعد أول عمل أدبي استطاع أن يروي سيرة محيي الدين ابن عربي أحد أعلام الصوفية وشيخ الطريقة الأكبرية بشكل روائي مستندا إلى المخطوط الذي دونت فيه قصة حياة ابن عربي.

تبدأ أحداث الرواية وقد اختلى ابن عربي بنفسه ليكتب ويسجل قصة حياته في مخطوط سوف يرثه تلامذته من بعده وتلعب الأقدار دورهام يحدد مصير هذا المخطوط، ومن هذه النقطة ينتقل السرد إلى عام 2011 وبدايات حركة الثورات العربية التي سافرتبالمخطوط من مكان إلى آخر في رحلة يعقد من خلالها الكاتب مقارنة بين الأحداث التي ينطوي عليها المخطوط التي تبدأ من سقوط الأندلس وحتى حروب التتار، وبين ما نعيشه منذ اندلاع الثورات العربية؛ وإذا بالقارئ أمام حقيقة مرة أن التاريخ يعيد نفسه لأننا نعيد الأخطاء ذاتها.

لم تكن قصة حياة ابن عربي سوى فرصة استطاع من خلالها الكاتب أن يسلط الضوء على سبعون عاما من التاريخ العربي وهذا الأمر يتضح جليا في دقة الكاتب في تتبع الحركات السياسية وأنظمة الحكم بداية من مدينة مرسية التي شهدت ميلاد ابن عربي وصولا إلى القاهرة التي كانت أهم رحلاته، بدقة في وصف ملامح تلك العواصم العربية واسمائها القديمة وأهم عادات وتقاليد شعوبها ما بقي منها وما اندثر وكأنها صورة حية أمام القارئ.

رحلة الدم

لقد قتل أمير المؤمنين! هذا اللعين قتل علي بن أبي طالب!

- إنه عبدالرحمن بن ملجم!

بهذه الصرخة التي شقت هدوء الفجر في المدينة المنورة ينتهي أول فصول رواية «رحلة الدم» أول أجزاء ثلاثية «القتلة الأوائل» للكاتب «إبراهيم عيسى»، صرخة فاصلة في الأحداث وكانت البداية لسرد روائي مختلف؛ فحين بدأ الكاتب بمشهد القتل والقبض على القاتل، استطاع أن يتملك فضول القارئ ولا يفلته حتى آخر لحظة، وأضاف بعد آخر للصورة الروائية لدى القراء حين استخدم تقنية الفلاش باك بلغة أهل السينما داخل عائدا إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب حين قرر أن يرسل عبدالرحمن بن ملجم إلى مصر ليحفظ عنه الجنود القرآن الكريم!

يعرض الكاتب مرحلة من أهم مراحل الحكم الإسلامي ومفاوضات دخول القاهرة وأهم الخلافات السياسية التي حدثت بين الصحابة حول نظام الحكم في ذلك الوقت، إلى أن يصل بالأحداث إلى مرحلة هامة وهي عهد الخليفة "عثمان بن عفان" ذلك العهد الذي أثار الكثير من القيل والقال بين الصحابة، فقد كان نظام الحكم في عهد عثمان بن عفان تربة خصبة زرعت فيها جذور الفتنة والتشدد، وكانت النهاية المؤلمة لهذا الصحابي الجليل أول حصادها، وبرحيله بدأت نزاعات أكبر على الحكم لم تنته حتى الآن.

بالوصول إلى هذا الجزء يقف القارئ على أهم نقاط المصداقية في الرواية، حين جعلت من القارئ شريكا في الأحداث، فالكاتب يروى كافة الوقائع الشهيرة والمسكوت عنها في تلك الفترة مجردا أبطالها من هالة القدسية، معتمدا على الجانب الإنساني في شخصيات تاريخية وضعوا قواعد لأنظمة حكم اختلفوا حولها ومازلنا ندفع ثمن أخطاء بعضها حتى الآن ، الأمر الذي يدفع القارئ مرغما لمزيد من القراءة والبحث للتأكد من صحة هذه الوقائع ومعرفة المزيد عنها؛ لهذه الأسباب ستظل هذه السلسلة الروائية تحدث ضجة كبيرة مع كل قراءة متجددة لأحداثها.

ألف شمس ساطعة

بالرغم من انتماء مريم وليلى إلى مجتمع واحد؛ رأت كل منهن وجه مختلف لهذا المجتمع، عرفت ليلى الحياة المتحررة في ظل أب لا يشغله سوى سعادتها وتثقيفها، وعلى العكس تماما عاشت مريم ضحية للعادات والتقاليد التي منعت عائلتها الثرية من الاعتراف بوجودها.

جمع الكاتب «خالد حسيني» بين مريم وليلى تحت سقف منزل واحد في رواية «ألف شمس ساطعة» ليرصد معاناة شعب كامل من خلال يومياتهن تحت سطوة الحرب، ومن هذا المنزل يتجول داخل مدن أفغانستان؛ يقارن بين ما كانت تحياه هذه الأرض فى زمن ليس بالبعيد من تقدم وتحضر كانت نهايته باشتعال نيران الثورة عام 1978، وتبعها حركات الجهاد التى عرفت بالحرب الأهلية فى ذلك الوقت، وتدخل القوات السوفيتية، وصولا إلى دخول قوات طالبان فى سبتمبر عام 1996، التي أساءت لتلك الحضارة وانتقصت منها ومن كرامة أهلها.

كما عرض الكاتب من خلال حياة مريم وليلى معاناة المرأة فى أفغانستان التي تتعرض للإهانة والحرمان حتى من الرعاية الصحية، وكيف تتعرض يوميا للضرب والاغتصاب إذا خرجت وحيدة، تلك المرأة التى كانت فى زمن قريب تتمتع بكامل حقوقها فكانت تعمل معلمة وأستاذة جامعية.

لم تقتصر أحداث الرواية على معاناة الشعب الأفغاني فقط، فقد أصر الكاتب أن ينهي الرواية بخيط من الأمل وهو الحديث عن حركة إعمار أفغانستان التي بدأت عام 2003، كما أشار الكاتب أن هذا العمل كان أحد أسباب تعاطف القراء من حول العالم مع قضية أفغانستان وظهور فكرة تبني اللاجيء الأفغاني.

في النهاية هذه الأعمال السابقة ما هي إلا مثال للأعمال الروائية التي تناولت التاريخ بصورة أدبية، والتي تحتاج إلى عشرات الصفحات للحديث عنها، سوف يدرك من خلالها القارئ مجموعة من الحقائق؛ فهذه الروايات أكدت أن الحروب والنزاعات حول السلطة هم أبشع الجرائم التي ترتكب فى حق الإنسانية، وأن التاريخ الحقيقي هو حياة الشعوب اليومية في ظل هذه الأحداث التاريخية، قد تنصف هذه الحكايات البعض منا على حساب الآخرين، ولكنها دوما دافع للمزيد من البحث لمعرفة الحقيقة.