الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 08:20 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

اختيار تامر مرسي

طارق سعد
طارق سعد

دائماً ما تعرف الحرب بالمعارك القتالية والجيوش والأسلحة، ضرب النار والقذائف، قتلى وجرحى وما تخلفه هذه الحروب من خراب كبير يمكن إعادة إعماره مقابل نفقات باهظة ولكن....

أقوى وأشرس وأخطر الحروب هى التى تقام على العقول والنفوس البشرية، للسيطرة عليها واستخدامها فى تنفيذ المخططات التخريبية على المدى البعيد، لتفادي الحروب القتالية المعتادة، وهو ما تم تخطيطه وتطبيقه فى خطط الحروب الجديدة فى السنوات الطويلة الماضية.

أحد أهم الأسلحة الخطيرة والمؤثرة تأثيراً بالغاً فى هذه الحروب هي القوة الناعمة، وعن طريقها يتوغل إليك العدو متخفياً فى أفكار مسمومة وتوجيه للوعي والعقل بما يناسب مساره، وهذا الاختراق هو الأسهل عن طريق الفنون من الدراما والسينما، وأفكار البرامج والغناء، وهو السلاح الأخطر على الإطلاق.

سلاح القوة الناعمة الذى تم استخدامه عكسياً ظهرت آثاره فى السنوات الماضية، وكانت نتيجة هذا الاختراق من أفكار تهدم قيم وثوابت المجتمع وتشوه مكوناته، واضحة بشدة ورائحتها تزكم الأنوف، وهو ما وصل بنا إلى حد الاستغاثة من آثار هذا السلاح الذى عادلت آثاره التشويهية آثار السلاح النووي.

كان لا بد من السيطرة على هذا السلاح وتطويعه كسلاح إيجابي دفاعي، يحمي المجتمع ويواجه إعادة هيكلة العقول والنفوس التى حورب بها لسنوات طويلة، وكانت الكلمة العليا باتخاذ هذا القرار لرأب المركب المصدوع وإعادة توجيهه فى مساره السليم.

ولأن لكل حرب رجالها، فكان يجب اختيار أفضلهم لإدارة معاركها، وتحقيق أهداف تلك الحرب بضربات قاضية دون خسائر بمواصفات خاصة، يواجه بقوة وثبات ويحقق النجاحات التى تساعد فى استكمال المعارك على نفس الخط للنهاية.

اختيار "تامر مرسي" وتكليفه بإدارة شئون الدراما والإعلام، على رأس أكبر شركة على مر التاريخ فى هذا المجال لم يأت صدفة ولا اختيار عشوائي، فالمنتج المخضرم صاحب الخبرات الكبيرة والمتنوعة رغم صغر عمره مقارنة بتلك الخبرات، استطاع فى سنوات قليلة منذ بدايته القفز فوق كل المنافسين وأعتاهم، وتحقيق نجاحات خاصة ببصمته الشخصية، ففي مجال الإعلانات استطاع منافسة رجل الإعلان الأول فى تلك المرحلة، وأصبح منافساً شرساً تشار لإعلاناته بالبنان، وتتعرف على إنتاجه من اللقطات الأولى دون انتظار ظهور اسم شركته، وهو قمة النجاح والتميز، فيدعمه مع مرور الوقت لإزاحة منافسه صاحب الامتياز الإعلاني الأول لسنوات طويلة، والتربع على القمة، وهو ما ماثله فى الإنتاج الدرامي الذى حقق به نجاحات مدوية، على رأسها إعادة الزعيم "عادل إمام" للدراما مرة أخرى بعد مرور عمر كامل مكتفيا بالسينما والمسرح، لتتأكد أنك أمام رجل حاد الذكاء ويملك مهارات خاصة تؤهله لخوض معارك العمليات الخاصة.

لا شك أن المنتج "تامر مرسي" صنع بصمة واضحة منذ اعتلاءه رأس المجموعة بنجاحات خاصة ومحددة، أبرزها تطوير المحتوى الدرامي خاصة فى شهر رمضان، وهو من المآسي التى أرقت المجتمع فى السنوات الماضية، وتعالت صرخات الاستغاثة من الحشو المدمر فى تلك الأعمال، من إسفاف وعري وتشويه صورة المرأة المصرية والمجتمع ككل، فاستطاع "تطهير" هذا المحتوى بما يناسب سياسة المرحلة، وأصبحت الدراما تميل إلى الاجتماعية بشكل أكبر بما لا يحرض على النفور منها أو الاقتداء السيء بأبطالها، ليقضي تماماً على أسطورة مقولة "الجمهور عايز كده".

نجح "تامر مرسي" المكلف بإدارة شئون الشاشة، فى علاج المرض الإعلاني المزمن الذى أصاب فواصل المسلسلات لسنوات طويلة، بما كان يسبب انهياراً للمشاهد عندما كانت تصل مدة الفاصل الإعلاني الواحد لما يعادل مدة الحلقة كاملة، وهو ما كان يضاعف مدة عرض الحلقة ثلاث وأربع مرات، فتضيع الأحداث ويتوه المشاهد وتذهب الأعمال معه إلى الجحيم مقابل العائد الإعلاني، وهو ما تم ترشيده وتهذيبه وإصلاحه، فأصبحت تشاهد المسلسل بشكل مقبول فى شهر رمضان كما تشاهده خارجه، بعد أن كان يلتهم السعار الإعلاني مسلسلات رمضان، وهو ما يعتبر أكبر النجاحات التى احترم بها المشاهد وقيمة العمل أيضاً.

على مستوى الأعمال الوطنية، استطاع "تامر مرسي" كمنتج من إنتاج وتنفيذ أعمال ثقيلة تحتاج لخبرات ومهارات خاصة فى دقتها، تشفق على المسئول عنها وتتأكد أنها تحتاج لعقلية بمواصفات خاصة، فيخرج للجمهور من السينما فيلم "الممر"، ومن الدراما مسلسل "الاختيار"، يجسدان بطولات القوات المسلحة ويبرزان تضحياتها، وبينهما استكمال مسلسل "كلبش" الذى رصد دور رجال الشرطة وأهمية الأجهزة الأمنية فى مواجهة أعداء الدولة من الداخل قبل الخارج، جعلت جموع الشعب إلا شرذمة القطيع يلتفون حول الشاشة ويحتفون بجيشهم وشرطتهم ويفتخرون بهم، وهو ما امتد لخارج حدود البلاد لتجد، الأشقاء العرب يهتفون مع الجيش المصري ويجددون فخرهم به واستنادهم على قوته وهيبته.

هناك تطور واضح فى شكل ومضمون ومستوى الشاشة، والمنتج الذى يقدم للجمهور ويشكل به وعيه، فيكفيك انتهاء ظاهرة أعمال البلطجة وقدوة البطل البلطجي وتقليده، واستبدال هذا الفساد الفني بالقدوة الحقيقية التى تستحق هذه المكانة، ليغلق ملف البطل البلطجي بالضربة القاضية.

كل هذا التطور لمسه المشاهد العادي ورجل الشارع البسيط، خاصة فى إدارة أزمة "كورونا"، ويتحدث عنه وهو من أكبر علامات نجاح تحقيق الهدف المطلوب، بعدما تم استخدام سلاح القوة الناعمة بكل مهارة وذكاء، وهو ما كان يستحيل تحقيقه بشخص عادي يمضي شيكات لينتج أعماله، ولكن يحتاج لصاحب عقلية إنتاجية وفنية احترافية، ومهارات قتالية خاصة تناسب هذه المعركة من الحرب، تستطيع تحديد الهدف وإصابته متحركاً من أضيق زاوية وبأقل حركة ومجهود، فيستفزك لتصفق وتهلل له احتفاءً، وهو ما حققه "تامر مرسي"، ووقع على استمارته الجمهور باقتدار مع مسلسل "الاختيار".

مؤكد أن الكمال لله وحده، وأن هناك من الأمور قد تكتمل مع الوقت، وأمور أخرى قد يتم علاجها ومراجعتها، وما سبق يجعلك تثق فى قدرات هذا الرجل لتقديم أفضل ما فى جعبته، خاصة في ظل السخاء على مستوى الإنتاج، أو الدعم المقدم لنجاح الأعمال، وهو ما يضع عبء ومسئولية على صناع هذه الأعمال، وألا يخذلوه أمام كل هذا الدعم بشكل من الجحود.

تقييمك للوضع الحالي حتى الآن يجعلك تشعر بنوع من الفرحة والفخر بالشكل المتطور الذى وصلت إليه الشاشة بشكل عام، وبإعادة تطوير سلاح القوة الناعمة واستخدامه بمنتهى الإتقان والاحتراف، لتوجيه ضربات موجعة للأعداء والمتربصين، وهو ما جعلهم يستشيطون غضباً بعدما حقق التعامل بهذا السلاح نجاحات كبيرة متتالية.

ننتظر فقط مع كل ما هو جديد، ظهور عمل خاص ببطولة جهاز المخابرات المصرية، ليكتمل التوثيق للأجهزة الأمنية، مع ضرورة وجود عمل وطني كل عام، وهو ما أثبت أهميته مسلسل "الاختيار".

أيضاً تطوير تطبيق "Watch it" ودعمه بإنتاج خاص، وعدم الاكتفاء بعرض الأعمال المعروضة على الشاشة، وهو ما سيحقق فارقاً كبيرا فى المتابعة والمنافسة.

اختيار "تامر مرسي" أثبت بما حققه حتى الآن أن لكل مرحلة رجالها، وأن الرجل المناسب للمكان المناسب، لتبقى فقط المهمة الأهم الأدق والأصعب، وهى.. "الاختيار".