الطريق
الخميس 2 مايو 2024 04:24 صـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

وصفوه بمجدد دين الأمة واتهموه بسرقة الساعات.. 56 عاما على رحيل فاروق مصر الأول (صور)

الملك فاروق
الملك فاروق

• ما سر صورة المرأة العارية في قصر أنشاص؟

• ناظر مدرسة وصفه بمجدد دين الأمة.. وكاتب بريطاني اتهمه بسرقة ساعة تشرشل

• فاروق زار مصابي الكوليرا في بيوتهم رغم مرضه.. وأمر بالقضاء على ظاهرة الحفاء

• الملك السابق فارق الدنيا بعد أكلة دسمة في ملهى إيطالي

 

بعيدا عن بلده في منفاه، وبعد 13 سنة من عزله عن الحكم، فارق الحياة الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وهو في عمر 45 عاما، وصاحبت وفاته ظروفا غريبة ومثيرة بحسب ما نشرته العديد من الصحف وقتها، حيث توفى بعد وجبة عشاء مكونة من المحار واللحم والفاكهة، تناولها في ملهى "أبل دو فرانس" بالعاصمة الإيطالية روما.

 

تناول ملك مصر السابق وجبته الدسمة ثم سقط مغشيا عليه وسط ذهول من في الملهى، قبل أن تنقله عربة الإسعاف إلى مستشفى "سان كاميلو"، لكن القدر لم يسعف الأطباء هناك لإنقاذه، لتفارق روحه جسده بعد دقائق قليلة من وصوله المستشفى في تمام الساعة الثانية صباحا و8 دقائق بتوقيت روما.

خبر وفاة الملك فاروق

خبر وفاة الملك فاروق

ورغم أن المتحدث باسم المستشفى صرح لوكالات الأنباء وقتها مؤكدا أن الوفاة حدثت نتيجة أزمة قلبية، إلا إن عدم تشريح الجثة لبيان السبب الحقيقي للوفاة فتح الباب أمام العديد من التكهنات عن تدبير عملية اغتيال للملك بالسم، وهو ما ذكرته ابنته الأميرة فريال قائلة إن والدها قتل بواسطة "سم خاص بالمخابرات الأمريكية" يتسبب في حدوث سكتة قلبية، لكن ذلك الأمر ما لم يتم إثباته حتى يومنا هذا.

وفي الذكرى الـ 56 لرحيل ملك مصر السابق، يبحر "الطريق" في صفحات تاريخ فاورق الأول من واقع بعض الوثائق النادرة، وما كتبه عنه العديد من رواة التاريخ من معاصريه، حيث انطبقت بكل دقة على سليل عائلة محمد علي مقولة "عاش الملك.. مات الملك"، فهناك من وصفه وهو متربعا على عرشه بالرجل الذي بعثه الله لتجديد دين الأمة، بينما صوره أكثر من كاتب بعد حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952 في صورة الشيطان الرجيم.

اقرأ أيضا: صاحب أقدم مصبغة بالدرب الأحمر: اشتغلت خوفا من الملك فاروق

 

الملك فاروق وتجديد دين الأمة

 

لا يخفى على أحد من متابعي تاريخ مصر في أولى فترات جلوس الملك فاروق على عرش مصر، حب جموع الشعب للملك الصغير، والتفاؤل بكونه سيحقق لهم ما تمنوه من حرية وعدل، لذلك كانت الألسنة تلهج بالدعاء له، ويتمنى الجميع له النجاح والتوفيق، ولم يخل الأمر بالطبع من مبالغة في إظهار التأييد تبدو لمن يراها اليوم وكأنها نفاقا صارخا تخطى الحدود.

 

ولما كانت سمة ذلك العصر هي البلاغة وحلاوة اللسان والتمكن من اللغة العربية ومفرداتها، لم يكن مستغربا على مثقفي مصر وقتها نظم الأشعار في مديح الملك، وكتابة المقالات في تعظيم شأنه، ومن الصحف النادرة التي تبين ذلك الأمر، صحيفة مدرسة بني سويف الابتدائية التي كان يتولى نظارتها الأديب عبد الحميد فهمي مطر، وصدرت بعد عام واحد من تولي فاروق الأول مقاليد الحكم، وفي صدرها صورة الملك مع أبيات بحروف اسمه جاء فيها:

فاروق يا زين الملوك وفخر وادينا الأميـن

أنت المفدى بالنفوس وحبكم فرض ودين

رب الكنانة حاطكم باليمن والنصر المبين

وغدت بكم مصر تتيه على جميع العالمين

قرت بملكك عينها يا ابن الملوك الأكرمين

اقرأ أيضا: حصل عليها الملك فاروق .. طرح عملة أمريكية نادرة للبيع بـ 15 مليون دولار

أبيات مجلة مدرسة بني سويف عن الملك فاروق

أبيات مجلة مدرسة بني سويف عن الملك فاروق

وعلى صفحات الصحيفة كتب الأستاذ محمد عبد الله أحد أساتذة المدرسة، وصفا لزيارة الملك إلى بني سويف في الثالث من يناير عام 1937 جاء فيه ما يلي:

"ظلت بني سويف صادية لهذا اليوم، تعد له الأوقات وتحسب له الساعات ... ولم يكن هذا اليوم كباقي أيامها، بل كان غرة شهورها وأعوامها، قد شق على الطبيعة فيه أن ترى الإنسان يختص بهذا الصنيع، وينال ذلك الشرف ... فبعد أن كان الزمهرير شديدا والبرد قارسا والسحاب متراكما، أصبحت السماء صافية، والشمس مشرقة، والطبيعة ساحرة فاتنة، ليس هنالك من ضباب ولا غمام، ولا برد ولا قتام، بل كنا جميعا في طمأنينة وسلام".

اقرأ أيضا: في ذكرى تنازله عن العرش.. الملك فاروق في عيون السينما والدراما المصرية

أما ناظر المدرسة الأديب عبد الحميد فهمي مطر، فخصص مقالا مطولا عن الملك تحت عنوان "فاروق الأول في تلمذته"، راح فيه يمدحه بشدة، قائلا: "لا شك في أن الذي يعني بالعظيم ويستلهمه، لا بد أن يحظى بالوصول إلى المأرب الذي يقصده، والموضوع الذي نطرقه اليوم لا يتعلق فقط بملك شاب ذي آمال كبار ونفوذ وسلطان، بل هو فوق ذلك يتعلق بملك صالح، قوي الإيمان صادق الوجدان، بلغ حب شعبه له ما يقرب من العبادة بسبب عظيم نبله وشدة حدبه، وبفضل ما أولاه الله إياه من رضى الطباع وعظيم الخلق".

جزء من مقال ناظر المدرسة

ولم يكتف مطر بتماديه في الثناء الذي جعله يصف حب الشعب للملك بالعبادة، فراح يشبه فاروق بمجدد إيمان الأمة، حيث كتب في مقاله: "وإذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله قال: (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد دين هذه الأمة، فإن في فاروق مصر ما يبشر بأنه هو المبعوث إن شاء الله لهذا العمل الجليل والخير الجزيل".

 

ثم استمر ناظر المدرسة في الثناء على الملك وذكر نبوغة وعبقريته في طلب العلم وتلقيه، حيث كتب "أما دراستنا لطفولة هذا الشاب وتلمذته، فالغاية السامية التي نرمي إليها بذلك هي أن نتخذ هذه النشأة العالية، وتلك الروح القوية، مثلا يحتذى به في تكوين الأبناء، ونبراسا يقتدى به في تنشئة رجل المستقبل ... فقد تابع الفاروق التعليم بهمة لا تعرف الكلل، ونشاط لا يتطرق إليه ملل".

 

أسرار الملك وسرقة ساعة تشرشل

 

تماشيا مع مقولة "عاش الملك.. مات الملك"، كان من الطبيعي أن تنقلب الأقلام من المديح إلى الذم، والألسنة من الثناء إلى ذكر المساوئ، خصوصا مع بعض السقطات في أيام فاروق الملكية الأخيرة في الحكم، فلم تكن هناك صحيفة أو مجلة إلا وتتغني بمساوئ الملك السابق.

 

وظل الحال على ما هو عليه من ذم ملك مصر والسودان كثيرا، حتى بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واختفاء العديد من مراكز القوى بعد ما عرف بثورة التصحيح على يد أنور السادات في 15 مايو سنة 1971، والتي نشرت مجلة الهلال بعدها بست سنوات ترجمة لكتاب الكاتب الإنجليزي "هيوج ماكليف" بعنوان "الملف السري للملك فاروق"، حيث تناول أسرارا كثيرة عن الملك السابق وقتها.

كتاب أسرار الملك فاروق

ترجمة كتاب أسرار الملك فاروق في مجلة الهلال

اقرأ أيضا: في ذكرى ميلاد ليلى مراد.. كادت تقتل الملك فاروق وصلة قرابة تجمعها بتامر حسني

ونظرا لكره الإنجليز للملك فاروق الذي رغم سقطاته لا ينكر عليه أحد وطنيته وبغضه لمحتلي بلاده، لم يكن مستغربا أن يخصص الكاتب الإنجليزي كتابه للحديث عن مساوئ الملك، وكان من ضمن ما تناوله "ماكليف" في كتابه، قصة هواية السرقة التي تملكت فاروق في أربعينيات القرن الماضي، حيث جاء في الكتاب الذي ترجمته دار الهلال عام 1977، ونشرته على صفحات مجلتها أيضا، أن الملك كان مولعا بسرقة جيوب الآخرين، خصوصا بعد أن عفا عن أحد السجناء ليعلمه فنون النشل، وهو ما تم بطريقة تشبه تلك التي كان يتعلم بها محمد صبحي السرقة في فيلم "الشيطانة التي أحبتني"، فتعلم فاروق على بدلة مزودة بجرسين صغيرين يصدران الرنين حين يلمسها، وبحسب الكاتب الإنجليزي، تفوق الملك الشاب على اللص في فن النشل، للدرجة التي مكنته من سرقة جيب بدلة المجرم دون أي يصدر أي جرس صوتا.

ويستكمل "هيوج ماكليف" في كتابه أنه في تلك الفترة زار مصر رئيس وزراء بريطانيا "ونستون تشرشل"، ولبى الرجل الوقور دعوة فاروق على حفل عشاء، ليكتشف بعد بدايته أن ساعته لم تعد في جيبه، وهنا تملكه الغضب لمعرفته المسبقة بهواية ملك مصر الغريبة، وهنا قال له مهددا: "يا صاحب الجلالة إن الساعة المشهورة التي أعطتها الملكة آن لجدي الاكبر دوق مارلبورو بعد أن انتصر في معركة بلنهايم قد اختفت تماما، وإنني أود أن تعود بأسرع ما يمكن"، ليرد عليه فاروق بأنه لم يشاهد ساعته، وإنما يعتقد أن أحد مسؤولي القصر هو السارق، ثم غادر قاعة العشاء وعاد بعد عشر دقائق والساعة في يده، وأخبر "تشرشل" ضاحكا أنه سرقها من سارقها دون أن يشعر به.

الملك فاروق في رحلته التعليمية

وعلى عكس ما ذكره الأديب عبد الحميد فهمي مطر في صحيفة مدرسة بني سويف الإبتدائية من نبوغ ونشاط الملك فاروق في التعليم، كتب "ماكليف" في كتابه أن ملك مصر السابق كان بطيئا للغاية في تقبل العلوم، وأن تقدمه أكاديميا كان متواضعا جدا، حيث رفضته كلية "إيتون" البريطانية، ما سبب حزنا للملك فؤاد والده وأدهشه كثيرا، لكنه صمم على إلحاقة بالأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية، والتي وافت على قبوله لكن كطالب زائر فقط، وحتى ذلك الأمر لم يتمه فاروق بسبب وفاة والده التي استدعت تركه الكلية ورجوعه إلى مصر.

 

الملكة فريدة تروي قصة الصورة العارية

 

علاقات الملك فاروق النسائية الكثيرة كانت حديث الجميع قبل ثورة يوليو وبعدها، ولعل أشهرها قصته مع الممثلة اليهودية ليليان كوهين الشهيرة بـ"كاميليا"، لكن قصة عشقه للسيدة ناهد رشاد زوجة طبيبه الخاص يوسف رشاد كانت هي الأخرى من القصص المثيرة للغاية، والتي ذكرتها الملكة فريدة زوجة فاروق السابقة وأم بناته، وأوردها على لسانها الكاتب فاروق هاشم في كتابه "فريدة ملكة مصر تروي أسرار الحب والحكم".

اقرأ أيضا: الملك فاروق هدد رشدي أباظة بالقتل بسبب كاميليا.. وكمال الشناوي رفض تقبيلها

ففي ذلك الكتاب روت الملكة فريدة بكل مرارة، قصة فاروق مع زوجة يوسف رشاد، حيث تقول إنه تعرف عليها بعد تعيين زوجها طبيبا خاصا له، وأصبح مفتونا بها وبجمالها، لدرجة أنه عينها وصيفة للأميرة فوزية، واختار غرفة نومها داخل القصر في مكان قريب منه، ووصل تأثيرها عليه لدرجة جعلت الجميع يتهامس سرا بأنها ملكة أخرى داخل القصر، وأنه لم يكن يستطيع فراقها ووضع صورة عارية لها بالحجم الطبيعي في قصر أنشاص، ظلت معلقة على جدرانه إلى أن قامت ثورة يوليو.

الملك فاروق والملكة فريدة

الملك فاروق والملكة فريدة

أما عن المتسبب في تحول الملك من الشاب الهادئ العاقل المتزن إلى ذلك الأرعن اللاهث وراء نزواته، فقالت الملكة فريدة إن البداية كانت عن طريق أحمد حسنين باشا الذي عينه الملك فؤاد رائدا لابنه فاروق في رحلته الدراسية في بريطانيا، حيث علمه الكثير من تلك الأمور المشينة، وهو ما أغضب الفريق عزيز المصري وجعله يترك إنجلترا عائدا إلى مصر ليعتذر عن وجوده في بعثة تعليم ولي العهد، ثم جاء الدور على الأميرة شويكار طليقة الملك فؤاد، والتي حاولت بكل الطرق إفساد فاروق، ولجأت لإقامة حفلات ماجنة في القصر تظهر فيها النساء أكثر مما تخفي، فذهبت تلك الحفلات بلب الملك الشاب، واندفع وراء ملذاته متناسيا دوره الوطني.

 

الوجه الآخر لفاروق مصر

 

رغم كل ما كتب عن الملك فاروق في أيام سطوته وجبروته، وبعد عزله عن العرش وحتى بعد وفاته، والذي كان ما بين الثناء والمديح الذي يصل إلى حد النفاق، والذم والتفنن في ذكر كل ما هو مشين عن الرجل، إلا إن كتاب الدكتور حسين حسني السكرتير السابق للملك فاروق تناول وجها آخر لملك مصر الراحل لم يكن يعرفه أحد قبل طباعة كتب "سنوات مع الملك فاروق".

 

فعلى صفحات الكتاب تناول الدكتور حسين حسني علاقته بالملك من البداية وحتى تركه مصر على متن اليخت "المحروسة"، ومن القصص التي ذكرها عنه، قصة عودته إلى القاهرة بعض وعكة صحية ألمت بع نتيجة حادث مروري في الإسماعيلية، وكيف أنه بمجرد أن استكمل فترة النقاهة التي نصحه بها الأطباء، عاد سريعا ليبلغ الحكومة أنه سيزور بعض المناطق التي أصابتها نكبة وباء الملاريا عام 1944، وبالفعل ذهب الملك فاروق إلى قنا وأسوان، وحرص على زيارة المواطنين هناك في منازلهم والتحدث عن أحوالهم، وبعد عودته إلى القاهرة أمر الحكومة بضرورة الاهتمام بإسعاف المناطق المنكوبة بذلك الوباء اللعين، وسرعة القضاء على ما يتكبدونه من شقاء بسبب نقص الأموال والتموين أيضا.

الملك فاروق شابا

الملك فاروق شابا

كما برهن الدكتور حسين حسني في كتابه على اهتمام الملك بكافة شئون شعبه، ضاربا المثل باهتمامه الشديد بمكافحة الحفاء الذي كان منتشرا بين العامة، مؤكدأ أنه كلفه بزيارة مصنع "باتا" لبحث إمكانية إنتاج احذية بأسعار تكون في متناول أفقر طبقات الشعب وبكميات تكفي حاجتهم جميعا، حتى لا يكون في مصر حافيا واحدا، وخصوصا بين العمال والفلاحين، ولم يكتف فاروق بذلك، بل تابع الأمر عن كثب حتى توصل من كلفهم به إلى أنه كي يتم القضاء على تلك الظاهرة عليهم أن ينشروا الوعي بين المواطنين، ويشرحون لهم أضرار الحفاء على صحتهم الشخصية، من أجل أن تؤتي تلك الحملة ثمارها.

 

واليوم، وبعد مرور 56 عاما على وفاة الملك فاروق، ما تزال حياته مثيرة لمن يريد البحث عنها، ورغم ما قدم من أعمال فنية وكتب شتى عن الرجل، إلا إن أوراقه ستظل أرضا خصبة للعديد من الكتابات والأعمال الفنية مرة أخرى لتناول جوانب حياة ملك مصر الخفية، الإيجابية منها والسلبية.