3 سنوات على رحيل العراب
محمد صادق: نداهة أحمد خالد توفيق جذبتي لعالمه منذ حداثتي
• العراب أفني عمره في الكتابة فأفنى عشاقه مشاعرهم في محبته
• تأثرت بأسلوبه الساخر في الكتابة وكسر القوالب المعتادة
• قصاصات قابلة للحرق عبرت بصدق عن شخصيته
لم يكن دكتور أحمد خالد توفيق كاتبا لروايات الشباب فقط، كما لم يكن إرثه في الدنيا عبارة عن أبطاله رفعت إسماعيل وعبير عبد الرحمن وعلاء عبد العظيم فحسب، بل امتدت تركته لما هو أبعد من ذلك.
فهناك العديد من الكتاب الذين خطوا خطواتهم الأولى من خلال عوالمه الساحرة، فبهرتهم شخصية العجوز العصبي النحيل ومواجهاته مع أساطير ما وراء الطبيعة، ثم تعرفوا على أساطير الكتابة الأدبية من نافذة عربة قطار فانتازيا بصوت قلم مرشده المميز "تك.. تتك!"، قبل أن يجوبوا قارة إفريقيا ليتعلموا بعض المصطلحات الطبية في رحلات سافاري مختلفة، ليصبح كلا منهم بعد بصمات عراب الجيل كاتبا يتوقع له الجميع النجاح المبهر.
ومن بين تلاميذ أحمد خالد توفيق النجباء، خرج لعالم الأدب الكاتب الشاب محمد صادق، والذي أصبح في فترة قليلة واحدا من أكثر الكتاب الشباب شهرة وتأثيرا، خصوصا بعد تحويل عمله الروائي "هيبتا" لفيلم سينمائي نال إعجاب الجميع، وفي الذكرى الثالثة لرحيل الرجل الذي جعل الشباب يقرأون، تحدث محمد صادق لـ"الطريق" عن بدايات معرفته بكتابات أحمد خالد توفيق، وكيف تأثر به وندهته النداهة ليدخل عالمه ويبحر فيه إلى ما لا نهاية.
اقرأ أيضا: كورونا وميعاد موته.. نبوءات أحمد خالد توفيق تثير الجدل بعد رحيله
محمد صادق ونداهة العراب
بدأ محمد صادق رحلته مع روايات أحمد خالد توفيق وهو في سن 11 عاما، حيث جذبه غلاف العدد الأول من سلسلة ما وراء الطبيعة، والذي حمل اسم "مصاص الدماء والرجل الذئب"، ووقع في أسر بطلها الطبيب العجوز العصبي النحيل، ورغم أن السلسلة صدر منها وقتها ما يقرب من 20 عددا، إلا إنه فضل أن يدخل عالمها من بدايته، ليستمتع بأسلوب كاتبها الجديد على جيل القراء الشباب وقتها، ويقرر الاستمرار في اقتنائها العدد تلو الآخر، ولم ينتظر طويلا حتى يسحبه ذلك العالم بشدة، ففي العدد الثاني من السلسلة والذي حمل اسم "النداهة"، ندهته نداهة أدب أحمد خالد توفيق "كنت بحس إني سامع صوتها وهي بتنده عليهم في أحداث الرواية".
ويضيف صادق إنه أصبح يبحث عن كل ما هو جديد لكاتبه المفضل في مراهقته، حتى ظهرت سلسلة فانتازيا العبقرية التي أدخلته عوالم تولستوي ودوستويفسكي وعمر الخيام، وعرفته إلى المتنبي وسيبويه، وغيرهم من عباقرة الأدب والإبداع العالمي، وفي الوقت نفسه كان منجذبا لسلسلة سافاري بأجوائها الإفريقية المثيرة والبعيدة عن مصر تماما، وغموضها الطبي الممتع، ومن شدة تعلقه بتلك الروايات كان يضعها في كتاب المدرسة ليقرأ ما بها خفية حتى لا ينهره أبويه، مثله مثل العديد من أبناء جيله.
أحمد خالد توفيق ونور العقل
وعن سبب تعلقه الشديد بأسلوب أحمد خالد توفيق، يقول محمد صادق إنه كان يحرص على عدم توجيه الشباب لأمر معين، وكذلك عدم تقمص دور الأستاذ الذي يعطي دروسا باستمرار "كان ديما بينور في عقلك حاجات وبيخلي عندك فضول تعرف أكتر، من غير ما يديك دروس تقليدية مملة، وعرفني يعني إيه أحب الكاتب نفسه مش بس اللي بيكتبه"، مضيفا أنه يشعر بشرف كبير جدا عندما يقول إن هذا الرجل الرائع شكل جزء منه، "تأثرت جدا بأسلوبه الساخر في رواياته، وتعلمت كيف أكسر القوالب ولا أعتمد على قالب واحد في الكتابة".
اقرأ أيضا: في ذكرى وفاته.. هل نجح أحمد خالد توفيق في مهنة الطب؟
وعن أكثر أعمال أحمد خالد توفيق التي أعجبته خارج سلاسل روايات مصرية للجيب، يقول محمد صادق إنه بالطبع تأثر بروايته الشهيرة يوتيوبيا، لكنه عندما قرأ كتاب قصاصات قابلة للحرق أحس وقتها أنه يرى روح العراب الحقيقية فيها، وشعر معها بمعاناة الكاتب التي تؤلمه، أما الرواية التي قرأها له وتمنى لو أنه هو من كتبها، فكانت "حكاية ثقب" من سلسلة سفاري، حيث ربط فيها ببراعة فلسفية بطريقة السهل الممتنع بين تأثير ثقب الأوزون على العالم، وخطر ثقب في قلب مريض يعالجه بطل السلسلة، ثم ثقب في جورب البطل بين له أن هناك فجوة كبيرة بينه وبين زوجته، فكانت رحلة ممتعة في النفس البشرية تشير بعبقرية إلى أن كل منا في حياته ثقب ما يغفل عنه أو يتناساه لكنه قد يؤثر عليه بشدة.
وبعد خطواته في كتابة السيناريو، يرى الكاتب الشاب أنه لو فكر في اختيار أحد أعمال العراب لتحويلها إلى فيلم سينمائي سيختار سلسلة سافاري دون تفكير، فقصة الطبيب الذي يحارب الأمراض في أدغال إفريقيا الفقيرة مع منظمة عالمية، ومدى اختلاف الثقافات بين أعضائها، وصراعه مع طبيب العيون الإسرائيلي الذي فرضت ظروف العمل عليه التعامل معه تصلح بشدة لعمل سينمائي من عدة أجزاء، خصوصا قصة مثل "تسي تسي" التي تدور بعض أحداثها في قرية مصرية بسيطة، أو قصة "الحريق" المثيرة التي شغلت الجميع في البحث عن مشعل النيران في وحدة سافاري.
صدمة وفاة أحمد خالد توفيق
وعن لحظة سماع خبر وفاة أحمد خالد توفيق، قال محمد صادق إنه شعر بصدمة لا يستطيع أن يصفها، فرغم أنه لم يلتق به سوى مرة واحدة فقط، إلا إنه وقت وفاته أحسس بالتوهان، وخاطبه في عقله بتأثر قائلا "إنت تمشي وتسيبنا كده؟ هو أنا هنا بعمل إيه بعدك؟"، وتملكه حزن شديد جدا، لأنه كان يرى أنه في سن أصغر من أن يموت فجأة هكذا، وعندما علم بحالة قلبه ومرضه أدرك كيف كان هذا الرجل يأخد من عمره حتى يمتع القراء بمشاعر تلمسهم جميعا، لذلك جعله ألم الفراق يمكث منفردا بنفسه لمدة ثلاثة أيام بأكملها لم يقدر فيها أن يتعامل مع أحد، ولم ينعه على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه أحس أنه كلمات النعي جميعها لن توفي العراب حقه.
اقرأ أيضا: "الحياة كوم سوداني".. هكذا تحدث أحمد خالد توفيق عن الموت
واختتم محمد صادق حواره مع الطريق بأمنية يحلم أن يحققها الله له "حلم عمري أنه عندما يحين أجلي أن أكون محبوبا من الناس ربع تلك المحبة الصافية التي رأيناها في القلوب لدكتور أحمد خالد توفيق، فكما أفنى هو عمره في الكتابة، أفنى عشاقه مشاعرهم في محبته.