الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 05:30 مـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد الجليل يكتب: نضرب ولا نستنى؟ 

محمد عبد الجليل
محمد عبد الجليل

تتعالى كثير من الأصوات في هذه الأثناء مطالبة القيادة السياسية بضرب سد النهضة الإثيوبي، حفاظًا على مصالح مصر في مياه النيل، وحفظًا لحياتها ووجودها.

ولا يمكن اعتبار الأصوات المطالبة بحرب إثيوبيا على مسافة واحدة جميعًا، فبعضها يصدر بحسن نية ممن يخشون من الآثار التي سيخلفها سد النهضة على الحياة في مصر، لكن هذا لا يمنع من إغراض كثير من هذه الأصوات وخبث نواياها لـ"جرجرة" البلاد إلى التورط في حرب قد تكون سببًا في استعداء المجتمع الدولي، وفرض عقوبات اقتصادية على مصر، وإرغامها على دفع فاتورة لا تتحمل نفقاتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا.

وليس التاريخ ببعيد عما يحدث الآن، ويجري تصويره من بعض القوى الغربية التي يظن فيها الساذجون خيرًا ويستغلها الخبثاء لدفع البلاد إلى فخ الحرب، وما أشبه الليلة بالبارحة، عندما حرَّضت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأب الرئيسَ الراحل صدام حسين على ضرب الكويت واحتلالها، ثم سرعان ما تنصلت من "ضوئها الأخضر" ورجعت على من اعتبرته صديقًا، فغزت بلاده ودمَّرتها في معركة "عاصفة الصحراء" الشهيرة، وفرضت على بغداد عقوبات قاسية وتدخلت في شؤونها، وما زالت العراق للآن تدفع ثمن هذا القرار المتهور الذي كان نتاجًا للثقة العمياء في الأمريكان.

أقول هذا لثقتي بأن مصر -قيادة وشعبًا- أذكى من أن تنجرَّ إلى هذا الفخ دون وعي وحكمة، فالضربة العسكرية تحتاج في تنفيذها إلى "صنايعية" سياسة ودبلوماسية في المقام الأول، بمعنى خلق حالة من التعاطف العالمي مع الملف المصري في أزمة سد النهضة، واستقطاب الدول إلى الإيمان بعدالة المطالب المصرية، وليست الحرب مجرد قرار أهوج بـ"دك" أديس أبابا ومساواتها بالتراب، فهذا أسهل ما يكون على جيش ببسالة الجيش المصري وقوته، وإذا أردنا الحق، فإن إثيوبيا كلها لن تأخذ في يد جيشنا "غلوة" وقت أن نريد تدميرها وسدها، لكن الأمور لا تدار بهذه الخفة والتسرع عند اتخاذ القرارات المصيرية.

الحرب وسيلة وليست هدفًا في حد ذاتها، وطالما نجحنا في تجنب آثارها فهذا هو الأولى وعين العقل، أما إذا اضطررنا إليها مرغمين ولم يبق سواها حلًا مصيريًا، فإنها تحتاج إلى تحضير وصنعة ودعم دولي يؤمن بقضيتك العادلة، وهذا ما يفطن إليه تمامًا الرئيس السيسي، بل وينفذه "بمعلمة".

النقطة الأخيرة التي أريد لفت الانتباه إليها والتحذير منها هي الفحيح الإخواني الكريه الذي ينفخ في نار الحرب ويجعجع بضرب طبولها، فالإخوان جنَّدوا لجانهم وأبواقهم وفلولهم الخائنة للمطالبة بضرب سد النهضة وتحدي القيادة المصرية واستفزازها، من أجل إحراجها أمام الشعب، وهذا وحده كفيل بالتشكيك في صدق الدعاوى الإخوانية للحرب، والحذر من سمومهم الزاعقة بالكراهية والرغبة في التدمير.

قرار الحرب من أصعب القرارات على أي قائد أو زعيم، ناهيك برئيس في حجم عبد الفتاح السيسي، وليس علينا في هذا التوقيت الحرج، إلا الثقة الكاملة فيه، وهو الحريص على مصلحتنا وأمننا القومي، والإيمان بحكمة القيادة السياسية ودعم قرارات الدولة، وأن نرجو لهم التوفيق في هذا الملف الشائك، دون تشنج أو "تسخين" وترديد كلام ليس لنا به علم، ولا نعرف من يقف وراءه.

حفظ الله مصر وشعبها.