الطريق
السبت 20 أبريل 2024 01:58 مـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

لعنة محفل الجونة

طارق سعد
طارق سعد

لا يحل موعد مهرجان الجونة السينمائي سنوياً، إلا ويصاحبه صخباً أصبح مميزاً ومن علامات هذا المهرجان، ولكن في هذه الدورة تحديداً كان الصخب مختلفاً وله أبعاد أخرى، فكانت البداية قبل انطلاق الدورة بأيام قليلة بنشوب خلاف كبير حاد بين النجمة "يسرا" -أحد أعمدة المهرجان- و"انتشال التميمي" مديره، بعدما تعمد الأخير تهميش "يسرا" واستبعادها من أي تكريم، واضعاً مبرراته، لتنفجر الأزمة وتشتعل النار بينهما ويتدخل أصحاب المهرجان قبل البداية بساعات لمحاولة إنقاذ الوضع، لينجحوا في إعلان الصلح بينهما حتى ولو كان شكلياً!

لم تكن هذه النار الوحيدة المشتعلة ولكنها طالت جزء من المكان المخصص للمؤتمر الصحفي بشكل حقيقي، بعدما طاله حريق كبير تمت السيطرة عليه وخلف خسائر ليست بقليلة، ومع ما تركه من رماد وعد أصحاب المهرجان بعودة كل شيء كما كان، وبالفعل .. في ساعات معدودة يتفاجأ الجميع بعودة قاعة المؤتمر لحالتها وكأن ما حدث لم يكن بعد أن نجح العمال في تنفيذ مهمتهم.

فساتين المهرجان أزمة سنوية معتادة ومدعواته أيضاً، فهذا المحفل له طقوسه الخاصة والمميزة التي يباركها أصحابه ويدافعون عن استمراريتها بكل قوتهم، فعليك أن تتقبله كما هو بلا أي تأفف، أو تدير وجهك عنه.. هكذا كان كلام أصحابه بالثبات على طقوسهم الرسمية، وعليك فقط التفاعل معها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن تسليط الضوء بقوة على شخصيات غريبة وإفراد مساحات واسعة لهم للتحرك والظهور الإعلامي، لتصدر واجهة المهرجان و "ترينداته" بكل الأفعال الغريبة والتي ليس لها أية علاقة بالأجواء، سوى محاولة الظهور بالسماجة وثقل الظل الذي ضاقت به صدور المتابعين، أما ما أثار الانتباه هو ظهور المدعو "أبو الروس" مخططاً رأسه بشكل واضح وصريح بشعار الماسونية الرسمي في هذا المحفل!

الأزمة الكبرى كانت عرض فيلم رأى الكثير من المتابعين على اختلاف تخصصاتهم أنه يضر بصورة مصر، لتعمده تقديم صورة مشوهة متعمدة على خلاف الحقيقة، وتصديرها للخارج بشكل يسيء للدولة المصرية وإدارتها، وذلك بسبب محتوى الفيلم الذي يصور حياة عشوائية مهملة ومهمشة من الدولة وهي تعاني تحت خط الفقر، في الوقت الذي أزالت فيه الدولة معظم العشوائيات وحل محلها تجمعات سكنية فاخرة، يسكنها الآن ساكنو العشوائيات المزالة في حياة آدمية تليق برؤية إدارة الدولة لشعبها، ولم يخل هذا الفيلم من الإسقاطات ذات المعاني المحفزة ضد إدارة الدولة، في الوقت نفسه التي قدمت فيه هذه الإدارة كل الدعم الممكن من مبادرات ودعم مادي للفقراء، مع تطوير الأحياء وشوارعها ومرافقها لتتناسب مع حياة كريمة توفرها لهم.

اللافت للنظر أن الفيلم تمويل أجنبي من 3 جهات، وحصل على تمويل من إدارة مهرجان الجونة، وتم إهداؤه جوائز بالخارج ليأتي محمولاً على الأعناق محصناً من أي نقد أو رفض، لتحتفي به إحدى القنوات الإرهابية التي تُبث سمومها من الخارج وتصفه بـ "الفيلم الذي هز أركان الدولة المصرية"!

والغريب أن منتج هذا العمل الخبيث هو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي.. المهرجان الرسمي للدولة! ولا تندهش عندما تعلم أنه قدم 3 أفلام سابقة من نفس النوعية كلها تستنفر الجمهور ضد الدولة وإدارتها!

أما مخرج الفيلم "عمر الزهيري" الذي استعان بأبطال يحملون الديانة المسيحية لغرض أخبث، فتدور الأسئلة حول انتماءاته الأيدولوجية بعد تداول معلومات تثير اللغط حوله وحول الدائرة التي ينتمي إليها!

الأغرب هو تكريم هذا العمل من وزيرة الثقافة التي يجب مساءلتها عن هذا القرار.. هل شاهدت الفيلم وقامت بتقييمه فكرمته أم تم دسه في "البوسطة" وجاءها بترشيح من أهل الثقة فكان التكريم "عالسخان"؟!

يبدو أن المحفل لم يتحمل سخونة الأحداث، وضاق بهذا الهجوم المبرر بدافع وطني يجب تقديره واحترامه ولكنه لا يستهويه، فكان هجوم الأحباب على كل من يهاجم محتوى الفيلم ووجهوا أسلحتهم في هذا الاتجاه، وبدم بارد قاموا بذبح النجوم التي غادرت قاعة العرض غاضبة بأقذر السكاكين المسمومة، ورفع رايات الإرهاب في مواجهتهم، ليصبح من يدافع عن صورة وطنه مجرماً والمجرم الحقيقي يعيث في الأرض فساداً!

الحقيقة أنك ستندهش وأنت تحاول ربط الأحداث لاستيضاح الصورة، فتكتشف أن في المهرجان نفسه يُعرض فيلم "كباتن الزعتري"، عن مخيم لاجئين سوريين في الأردن يحلمون بتكوين فريق كرة قدم باسم "أحلام سوريا"، ويحلمون باحتراف الكرة فينتقلوا إلى "قطر" التي تحقق لهم هذا الحلم، وتصويرها بأنها جنة المأوى! فلا تتعجب عندما تعلم أن الحاصل على حقوق توزيع هذا الفيلم هو نفسه "محمد حفظي" منتج الفيلم السابق الذي يسوق لصورة عشوائية لمصر، ويتردد أنه مساهم في تمويله عدة جهات، وحصل على جوائز عالمية أيضاً، وجاء لمهرجان الجونة ليحصل هو الآخر على الإشادة والتكريم والجوائز في هذا المحفل الذي يقدر أبناؤه.

حتماً ستلمح أن الأمر لا يمت بأية صلة للإبداع الفني والسينمائي، ولكنه متعلق باستخدام سلاح القوة الناعمة وتطويعه لتحقيق أهداف خبيثة لن تنتهي، ويحارب أصحابها من كل صوب واتجاه لتحقيقها دون النظر للجثث التي سيمرون فوقها عبر الأجيال في حروبهم المتقدمة.

نثق تماماً في أجهزة المعلومات التي قطعاً تفرز وتنقح وتعلم مسبقاً وتميز أيضاً بين الحُر .. والمدعي.

المسئولية الأكبر الآن على كيان الدولة الإنتاجي الضخم، فقد بُح الصوت فيما لفتنا إليه الانتباه من قبل بضرورة وأهمية تصوير أعمالاً فنية في المدن الجديدة بديلة العشوائيات، وتسويق هذا الإنجاز في السياق الدرامي ليشعر به الجمهور من الشعب متغلغلاً داخله، فيكون هو حائط الصد أمام أي محاولة للعبث بالتشويه أو الإدعاء، ويظل توثيقاً ثابتاً يعاد عرضه تلقائياً باستمرار، وهو الاستخدام الأمثل لسلاح القوة الناعمة الذي ما زلنا نحتاج لإدارة خاصة به تديره وتقوم بالتدريب على استخدامه الفعال!

هذه الأزمة فضحت وجوهاً قبيحة كما كشفت مِن المغيبين والجهلاء مَن هم أخطر على هذا البلد من أعدائه!

قد تظهر الجونة أنها لا تبالي .. ولكن الحقيقة أن هناك لعنة ضربت المحفل هذا العام وأصابته إصابات بالغة.

موضوعات متعلقة