الطريق
الجمعة 29 مارس 2024 01:57 مـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

«رجعنا عمرنا اللي ضاع».. حكايات المتعافين من الإدمان أمل وألم وعبرة

صورة تعبيرية لـ شخص تعافى من الإدمان- المصدر: فيسبوك
صورة تعبيرية لـ شخص تعافى من الإدمان- المصدر: فيسبوك

هنا الأمل والتحدي، بيد أنه مكانا تغلق أبوابه بـ«الضبة والمفتاح»، إذ الهدوء يسكن العنابر، والظلام يسود أرجاء الغرفة، الجميع نائمون، فالمسكنات والأدوية بدأت مفعولها، وغدا تتبدل الأحوال ليعم الصراخ لكنهم مجبرين على البقاء، ولا حديث بين الحاضرين سوى عن حقنة المخدر.

في عالم المتعافين من الإدمان، نجد حكايات ممزوجة بالأمل والألم، تدعونا للتوقف لحظة أمامها، إذ الذكريات المؤلمة نستخلص منها العبر، ونجاة لكل نفس غرست أقدامها في براثن المخدرات، فجميعهم يرددون «لازم نرجع عمرنا اللي ضاع».

الخوف من سرد الماضي يهزم عقل الأشخاص أحيانا، إذ السفر في رحلة تفكير عميقة يدور في باطنها الخجل والعار الذي لحق بها، لكنها فجأة تتحول إلى فخر وإصرار وعزيمة.

في هذا الملف، نرصد قصصا واقعية من عالم المتعافين في الإدمان، وكيف استطاع تحويل المحنة التي عاشها شباب في مقتبل العمر إلى منحة، يحكوا عنها لأبنائهم في المستقبل عما لحق بهم من أذى، وما أصابهم من فرح.

«مسلم» من مدمن لـ مدير مصحة ومؤسس جروبات لدعم المتعافين

لم يتخيل «مسلم»، الشاب الثلاثيني، أن المعاناة التي عاشها ستكون عبرة وعظة للآخرين، وأن يتحول من إنسان مدمن إلى حاضن للمتعافين والمتعاطين، وداعما لهم باستمرار، عن طريق السوشيال ميديا، قائلا: «محستش أني عندي مشكلة غير لما ملقتش فلوس أجيب مخدرات».

وبعبارات يكسوها الحسرة والندم، ذكر «مسلم» أنه تخرج في كلية خدمة اجتماعية، وبعدها عمل في وظيفة مرموقة كان يتقاضى منها راتبا ضخما، ومشواره مع الإدمان استمر لمدة 18 عاما: «بدأت بالحشيش ثم قررت خوض تجربة الهيروين مثل صديقي».

وبنظرة أمل، قال: «أنا حاليا باحث في مرحلة الماجستير، ونفسي أحقق حلم أمي كانت عايزاني أبقى دكتور مش لازم أبقى طبيب هحصل على الدكتوراه في مجالي»، مضيفا أنه أنشأ مجموعات على السوشيال ميديا لمساعدة الآخرين على العلاج والتعافي من الإدمان.

«باسم».. 14 عاما إدمان و3 مرات انتكاسة

ملائكة الرحمة التي تعانق رقبته يوميا، وضحكاتهم التي ترتطم بأذنيه، كانت سببا في أن يرفع الشارة الحمراء عدة مرات لينقذ نفسه من السقوط في الوحل، إذ استمرت رحلته مع الإدمان 14 عاما: «عندي 4 بنات اتشوهت سمعتهن بسببي».

خوف الأب على أسرته، يزداد يوما بعد يوم، وليس بيده حيلة، فهو واحدا من المدمنين الذين سيطرت عليهم المخدرات وصارت تسيل في عروقه بدلا من الدماء: «المخدرات ضيعت كل حاجة حلوة في حياتي، اتعالجت كذا مرة وانتكست تاني لحد ما أخدت قرار أبطل خالص وقابلتني صعوبات كتير ولكن في النهاية بطلت من 8 أشهر»، موضحا أنه واجه ضغوطات كثيرة خلال مرحلة العلاج، ولكنه أصر على التعافي وتغيير مسار حياته بعد تدميرها بفعل المخدرات، إذ فقد وظيفته وبيته وسيارته.

التعامل مع مراكز العلاج التابعة لصندوق مكافحة المخدرات والإدمان، كان يسير دون أي صعوبات، خاصة أنه كان لديه رغبة في التعافي، موضحا أنه توجه إلى المستشفى وجرى عرضه على إخصائي حوله إلى مركز لعلاج الإدمان استمر به قرابة 3 أشهر حتى تعافى من الإدمان: «أخضع حاليا لجلسات دعم حتى لا أنتكس وأعود للإدمان مرة أخرى»، مشيرا إلى أنه تعافى وعاد للمخدرات 3 مرات من قبل.

الإحساس بالفشل وإهمال الزوجة سبب اتجاه «محمد» للإدمان

محمد منصور، بكالوريوس إدارة أعمال ونظم معلومات، قال إن سبب اتجاهه للإدمان هو الإحساس بالفشل وإهمال زوجته له ولبيتها: «أنا من طبقة ميسورة الحال، متزوج من 8 سنوات، وكان معي 90 ألف جنيها ميراثي من والدي، وأحببت عمل مشروع بجانب عملي لكن للأسف فشلت ونصب علي وخسرت أموالا كثيرة حينها شعرت بالفشل وطمع الناس».

وتابع: «كنت بحمد ربنا أني موظف ليا دخل ثابت، لكن إحساس الفشل والخسارة خلاني أتشد لأصحاب السوء، وبقيت أسهر بره البيت وكمان عشان أهرب من إهمال زوجتي ليا رغم أننا عرسان جداد، ومن هنا بدأت حكايتي مع الإدمان»، مضيفا أن المعاناة كانت كبيرة بقدر الخسارة المادية والنفسية والجسدية.

الحنين لمصر والعودة للوطن

الحنين لمصر، إذ المعاملة الحسنة والخدمة الجيدة المقدمة في مراكز علاج الإدمان التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، كانت سببا أن يعود «محمد» لوطنه مرة ثانية، بعد أن ترك أسرته وسافر للخارج: «سبت مراتي وبنتي لحمة حمرا عندها 6 شهور وقعدت بره البلد 3 سنين».

«قبل السفر كان في تحاليل، وصديقي الصيدلي إداني برشام مايخليش حاجة تظهر في التحاليل، وبالفعل سافرت وفضلت أسبوع مش عارف أنام لأني مش معايا مخدر، وعانيت في بلاد غريبة عني، ابتديت أفوق واحدة واحدة وقعدت 3 سنين ما بشربش غير السجاير، طبعا المشكلات في الفترة دي زادت مع زوجتي علشان مالحقناش ناخد على بعض ونفهم طباع بعض ده غير إن والدتها توفيت ووالدها برضه ولما رجعت حاولت نتفاهم مع بعض ولكن اختلاف الطباع والعادت والتقاليد مسمحش بده».

وأشار إلى أنه بعد 6 أشهر من عودته إلى مصر قابل أحد أصدقاء السوء، وعرض عليه سهرة لتغيير موده، فوافق وعاد للإدمان من جديد: «رجعت أشرب أكتر من الأول وخسرت صحتي وفلوسي وبيعت عفش بيتي، وزوجتي سابت البيت، وأمي أخدت مني مفاتيح الشقة عشان ما أعرفش أبيع حاجة تانية، وبعدها اتفصلت من شغلي ووقتها والدتي خدت قرار أني لازم أتعالج».

وأوضح أن العلاج كان مكلفا لأنه دخل مركز سحب سموم، وبعده هاف واي 6 أشهر، ودخل برنامج NA «زمالة المدمنين المجهولين»، تخرج فيه وواجه الحياة وتعرض للإغواء من أصدقاء السوء وخصوصا البنات ولكن البرنامج علمه كيفية التصدي لذلك وتعافى تماما من الإدمان منذ عاما ونصف.

وتابع: «اللي ساعدني في رحلة العلاج ربنا وأمي، ومعالج الهاف واي ومشرف الخطوات، ولحد النهارده بشارك مشرفي بأي أفكار تجيلي أو تسيطر عليا خصوصا السلبية، وبحضر اجتماعات NA في المراكز العلاجية والغرف الخارجية للاستفادة من تجارب الآخرين ومشاركتهم تجربتي».

يوسف رمضان، خريج حقوق جامعة القاهرة، قصته من أروع الحكايات الممزوجة بالأمل والتحدي، فلم يهاب أو يخشى الماضي، بل إنه يواجه كل شيء بفخر وكبرياء لأنه استطاع مقاومة الخطر الذي كان ينتظره وأسرته، قائلا: «أنا مش هتكلم عن فترة أول الإدمان، لأنها كلها نشاط وسعادة مع غفلة، لكن هتكلم عن أول مرة اعترفت فيها أني مدمن، طبعا أي مخدر ممنوع مستحيل تقدر تحصل عليه طول الوقت، أما إخفاء المادة نفسها من أول البائع والحالة المادية».

«في الوقت ده بدأت أحس بأعراض انسحاب جسدية صعبة جدا مع تغيير في المزاج العام والتصرفات وردود الأفعال، وبدأت أواجه مشكلة في أعراض نفسية، أثرت تلقائيا على حياتي، وعلاقتي بأهلي وأصدقائي، ده غير السلف والسرقة».

وعن سبب الإدمان، ذكر «يوسف» أن النشاط المفرط لبعض المخدرات تجعل المتعاطي يعمل لمدة 3 أيام في يوم واحد، وسهولة الحصول على المخدر: «لما لقيت دايرة المعارف بتتغير للأسوأ، بدأت أدور على اللي زيي علشان نسهل لبعض الحصول على المادة المخدرة، وعلشان بقيت منبوذ من الناس كلها اللي كانو حواليا، قررت أكمل في الإدمان».

وأضاف أن الألم الحقيقي في قصته هو الأهل وخاصة الأم، قائلا: «كانوا بيشوفو ابنهم بيموت بالبطيء وكل الناس بتكرهه ورافضين وجوده، ذل وإهانة الله لا يعودها»، وعن سبب التوقف، قال «يوسف» إن الفضل يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.

وتابع: «اللي ساعدني أبطل ربنا ثم أهلي، واجهتهم بمشكلتي وبكل جوانبها، وأنا ولد وحيد أهلي ومركزي في المجتمع الحمد الله كان كويس نوعا ما، لأني كنت محامي ومستشار قانوني وموظف سفارة إحدى الدول العربية، وطبعا أهلي محدش كان يعرف موضوع إدماني بعد المواجهة، طلبو مني تحليل مخدرات لأنهم مع الوجهه الاجتماعية اللي كنت فيها مستحيل كان حد يصدق إن سبب مشاكلي الإدمان».

خرجت من البيت ودمي دون مخدر بعد 3 أشهر

وأكمل: «بعد تحليل المخدرات طبعا النتيجة إيجابية طلب منهم يحبسوني في غرفتي ويقفلو عليا من بره وطلبت بعض الأدوية المسكنة، ومحدش يفتحلي نهائي غير بعد التأكد أني في حالة هادية طبعا لأنه من أعراض الانسحاب الهياج الشديد، وعدم الوعي بالزمان ولا التصرفات ومحدش يسمح لي أخرج من البيت أبدا حتى تحليل المخدرات اللي طلبته منهم يكون دوري كل شهر فالبيت ومخرجش غير وأنا دمي خالي من المخدر والحمد لله مخدتش فتره طويلة تقريبا أقل من 3 أشهر».

وفاة والد «مصطفى» أحد أسباب الإصرار على التعافي

«مصطفى»، 40 عاما، دبلوم صنايع، كان يتعاطى البودرة مع أصدقائه في المدرسة، وبدأ رحلته مع الإدمان في عمر 14 عاما، عندما أراد تقليد أصدقائه في المدرسة الذين سبقوه إلى هذا الطريق.

وأشار إلى أنه عاش مرحلة صعبة خسر فيها كل شيء: «كان عندي عربية وجراج عربيات وتوكتوكين ومكتب تسويق عقاري ومشارك في قهوة، كل ده راح»، بالإضافة إلى الأشخاص الذين خسرهم بسبب اتجاهه لهذا الطريق.

ورغم كل ما تعرض له مصطفى، ورجوعه للإدمان مرتين، إلا أن أسرته لم تفقد الأمل في علاجه: «أمي وزوجتي ساعدوني كتير عشان أبطل، وأكتر شيء دفعني للعلاج والتعافي نهائيا من الإدمان، وفاة والدي وتغيير نظرتي للحياة بدأت أخاف على ولادي من الإدمان ونظرة المجتمع لهم، ودلوقتي بقالي 11 شهر مبطل»، موضحا أن الجلسات والمتابعة المستمرة في المركز العلاجي لها دور كبير في عدم التفكير والرجوع للإدمان مرة أخرى.

«سارة» تتعافى بعد 6 أشهر بسبب حبيبها

«كنت بشوف صحابي بيشربوا وحبيت أجرب زيهم»، بهذه الكلمات كشفت سارة مراد، خريجة آداب فرنساوي عن بداية رحلتها مع المخدرات، التي استمرت أكثر من 6 أشهر.

وأضافت: «بدأت أجرب البودرة، وكنت عايزة فلوس كل يوم مش أقل من 500 جنيه، ومن هنا بدأت المعاناة خاصة لما بدأت أحتاج لكميات أكتر وصلت لألف جنيه في اليوم، وكمان الإنسان اللي بحبه طلب مني أننا لازم نتعالج عشان نقدر نكمل حياتنا»، مشيرة إلى أنها تعافت تماما منذ 3 سنوات و4 أشهر، بعد دخولها مراكز علاج الإدمان.

وعن تفاصيل رحلة علاجها، قالت: «طوال الست أشهر الأولى زهق وملل وخنقة بس كل حاجة كانت بتعدي في سبيل أني كنت عايزه أبقى كويسة، وكمان الإنسان اللي بحبه هون عليا حاجات كتير جدا».

اقرأ أيضا..

«بر أمان» تعيد الحياة لصائدات السمك.. و«التضامن» تمدهن بالحماية الاجتماعية