الطريق
السبت 20 أبريل 2024 09:04 صـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد الجليل يكتب: بعد فتوى الكهرباء.. لماذا تجرّأ المصريون على دار الإفتاء؟

محمد عبد الجليل
محمد عبد الجليل

للمصريين- كأي شعب- عيوب كثيرة، لم يكن من بينها أبدًا الاجتراء على المؤسّسات الدينية التي تمثّله، إذ إنهم "شعب متديّن بطبعه" كما اشتهر عنهم.

لكن الغريب حقًا أن يتغيّر كل هذا، ويأخذ أبعادًا حادة، وشبه جماعية، ومن فئات لم يكن أحد يتصوّر أن لديها هذا الميل، وهو ما يمكن أن تلاحظه بسهولة إذا تابعتَ أي فتوى صادرة من دار الإفتاء المصرية، إذ تجد في التعليقات كمية خروج على النص لا تُصدّق!

مثلُا، نشرت الصفحة الرسمية لدار الإفتاء أخيرًا فتوى بخصوص حرمانية سرقة التيار الكهربي، فماذا كان رد فعل المُعلِّقين؟!

الأغلبية تخالف دار الإفتاء و"تُفتي" بأنه لا ضير في السرقة، ويبررون ذلك بارتفاع أسعار الاستهلاك المبالغ فيه لدرجة كبيرة جدا ، آخرون يجرِّدون دار الإفتاء من حقها في إفتاء الناس ويقولون إنها مؤسسة عفى عليها الزمن ويجب أن تجد لها "شغلانة أخرى"!
بل إن أحدهم كتب لهم بالبنط العريض "انتو هتفتوا؟"!

آخرون سبّوا المسؤولين عن الفتوى بأقذع الألفاظ، غير السخرية والنكات والكوميكس التي تبرَّع الناس بوضعها في التعليقات، وبعضهم خرجوا عن الموضوع الأصلي وبدأوا يكيلون الاتهام لكل ما في البلد، ويروّجون لنظرية المؤامرة ويردّدون -كأنما باتفاق مسبق- أن هذا البلد قد ضاع إلى غير رجعة!

إنها حالة فوضى كاملة، ليس غرضها الوصول إلى الحقيقة، لكن تسفيه الآخَر والانتصار للذات ولو على حساب الصواب، أو الدين في هذه الحالة!

وهو أمر مُحيِّر يستحق الدراسة!
هل السبب قلة وعي ودراية بأمور الدين لم تمنع من التصدي لما لا يفهمون؟!

هل فَقَد رجل الدين هيبته وسطوته، بسبب تورط بعضهم في أحداث كشفت متاجرتهم، فأصبح من الهين على العامة الخوض في أعراضهم؟!
هل أزمات الناس المالية وارتفاع الأسعار تدفعهم لمحاولة الانتصار في أي معركة ولو كانت إلكترونية؟

هل غياب دور المدرسة والأسرة في قيادة عمليات التربية والتعليم آتت أُكُلها أخيرًا، وأصبح لدينا هذا الجيل الذي لا يحترم كبيرًا ولا يوقِّر صغيرًا ولا يعرف حدودًا لما ينبغي أن يخوض فيه أو يتوقف عنده!

هل وجد الناس من دار الإفتاء، فتاوى مستفزة في وقت بالغ الخطورة من الغلاء الفاحش، وأنها افتقدت الكياسة والحكمة في تحديد وقت الفتوى، ولم تنظر بعين الاعتبار لظروف الناس، أو تترفع عن نشر الفتاوى التي ربما تثير حفيظة بعضهم، أو يمكن تفسيره بأنه انحياز لجهة بعينها؟ إذ يجب أن تظل الإفتاء أكبر من "الترند" والحسابات الشخصية، مترفعة عن الخوض في أي شيء إلا الفتوى، وألا تكون إلا صوت الحق والدين.

في النهاية، وأيًا ما كان السبب، فما يجري مؤشر خطير، وعلامة ينبغي التوقّف لديها طويلًا، وعدم إغفالها أو تركها تمرّ مرّ الكرام، فإن الدين ورجالاته آخر حصن لهذا البلد، آخر حائط صد، إن تهدَّم، أو أصابه العوار وامتلأ بالثقوب، لم يكن بيننا وبين السقوط في الهاوية إلا خطوة واحدة!

ليحفظ الله مصر، ويجنّبها شر الفتن.

اقرأ أيضا..

محمد عبد الجليل يكتب: تعلموا من اليابان.. أخلاق القرآن