كريمة مختار.. ماما نونة تفوقت على الكبار وصنعت أسطورتها من ”الحفيد”

أداء سهل ممتنع وتلقائية تشعرك أنك أمام موهبة كبيرة، "حنية" تنفطر من شخصيتها الحقيقية جعلتها تجسد أدوار الأم في أعمالها بصدق وحرفية وبراعة شديدة، دخلت قلوب الجميع بلا استئذان وأصبحت "أم" لكل من يعرفها سواء على الشاشة أو في الحقيقة، هي "زينب" الأم الطيبة التي لم تنجو من مقالب "العيال كبرت"، و"بهية" في "الليلة المعودة" والأم المغلوبة على أمرها وتعاني من سبعة أبناء وتنتظر "الحفيد" هي التي جعلت الجميع يحسد "حمادة عزو" على "الدلع" المبالغ فيه من "ماما نونة"، هي الفنانة الكبيرة كريمة مختار.

لم تكن ليلة 16 يناير في 1834 عادية في منزل "علي البدري" الرجل الصعيدي الذي يقيم في ساحل أسيوط والمتشبث بتقاليد الصعيد وعاداته بعد مجيئ مولودته "عطيات" للدنيا، لم يدرك حينها الرجل الصعيدي أن ابنته تنتظرها شهرة كبيرة وسوف تصبح في إحدى الأيام واحدة من أهم الفنانات التي مررن على شاشة السينما.

ورثت الابنة الطيبة والحنية المفرطة من عائلتها لتضخها مباشرة على الشاشة وكأن القدر يؤهلها لأداء أدوار الأم في المستقبل بتلقائية وسلاسة دون عناء أو مجهود، بعد حصولها على البكالوريوس في الفنون المسرحية رفض والديها عملها في الفن ومن "بابا شارو" كانت البداية ببرامج الأطفال في الخمسينات حتى تقابلت مع المخرج نور الدمرداش في 1958 وتزوجته وعلى يده دخلت عالم التمثيل.

جاءت بدايتها من خلال فيلم "ثمن الحرية" 1964، وبعده شاركت في أفلام منها "ميرامار، ومضى قطار العمر، نحن لا نزرع الشوك"، ولكن المحطة الرئسية في مشوارها كانت في منتصف السبعينات مع فيلم "الحفيد" لترسي قواعد أدوار الأم في السينما وحققت بدور "زينب" شهرة كبيرة تليق بحجم موهبتها، وإفيهات مازالت حاضرة في أذهان جمهورها "لازم بوفتيك عشان نسايبك ميقولوش حاجة" و"العيل ينزل من هنا تحطي مكانه فرخة من هنا" و "أنا ولدت أخوكي وقمت طبختلكم العشا".

تعددت أدوار كريمة مختار والموهبة واحدة وفي كل عمل تترك بصمة من "وبالوالدين إحسانا" مرورا ب "الليلة الموعودة، رجل فقد عقله، سعد اليتيم"، ولكن في مشوارها علامات بارزة ففي السينما كان أبرز أدوارها "أم شطا" مع نور الشريف في "الشيطان" يعظ، و"كريمة" في "يارب ولد" مع فريد شوقي الذي شكلت معه ثنائيا في عدة أعمال كان أبرزها دور "حكمت" في مسلسل "البخيل وأنا".

"العيال كبرت" كانت من أهم المحطات في مشوار كريمة مختار وتألقت على خشبة المسرح وسط كوكبة من الفنانين حسن مصطفى، أحمد زكي، سعيد صالح ويونس شلبي وبرغم قدرات الكوميدية العالية صمدت أمامهم وانتزعت ضحك الجمهور بتلقائيتها المعتادة، لم تكن "كريمة" ممثلة عادية تؤدي دورها المكتوب على ورق السيناريو ولكن تغوص داخل أعماق شخصياتها حتى تخرج من لحم ودم على الشاشة، وتؤدي أدوارها بكل ما أوتيت من موهبة.

كان للتلفزيون حظ كبيرة من موهبتها وألقت في جبعتها العديد من المسلسلات أبرزها "بريق في السحاب، الحاوي، أدهم وزينات والثلاث بنات، الأبطال، العمة نور، أبو العلا 90"، ويبقى مسلسل "يتربى في عزو" أحد أهم المحطات في حياتها والتصق بها لقب "ماما نونة" وجعلت كل من يشاهد أداءها يتمنى أن يكون مكان "حمادة" بسبب اهتماهها الزائد له النابع من حب كبير.

خطفت كريمة مختار أنظار الجمهور المصري والعربي بأدائها شخصية "ماما نونة" وتفاعل معها وصدقها ومثلما انتزعت من الضحك جعلته يبكي في مشهد وفاتها ونالت عن دورها جائزة أفضل ممثلة من مهرجان القاهرة للإعلام العربي الثالث عشر في 2007، ودرع التكريم من مهرجان أوسكار السينما المصرية في 2008.

كانت تشتاق لشاشة السينما وتعود لها من وقت لأخر لتضيف إلي رصيدها الفني أدوار تمتع بها جمهورها، كان لا يهمها حجم الدور بقدر أهميته في العمل فتخطف بموهبتها الكاميرا التي أحبت وجهها من عدد كبير من "أتقل"الفنانين في فيلم "الفرح" في شخصية "أم زينهم" وتركت بصمة وإفيه "هتخشي النار يا منيلة" وهي تنصح الراقصة بترك الفرح واعتزال الرقص.

ضم فيلم "ساعة ونص" عدد كبير من النجوم، ولكن يبقى مشهد كريمة مختار من مشاهد "الماستر سين" في الفيلم عندما أدت دور "أم عوض" الأم الطيبة التي تركها ابنها في القطار ولا تحمل سوى ورقة يقرأها إياد نصار "بائع الكتب المتجول" ليخبرها بأن ابنها كتب فى الورقة أن من يجدها يلحقها بدار المسنين، وفي آخر جملة بالمشهد تقول للبائع بمنتهى الصدق والعفوية "هو انت ناوي ترجع ولا هتسيب لي ورقة زي عبده".

تعد كريمة مختار أم لكل الفنانين والمصريين، بينما تتكون عائلتها من 4 أبناء من زوجها المخرج الراحل نور الدين الدمرداش وهم "المهندس شريف الدمرداش والمخرج أحمد الدمرداش والإعلامي معتز الدمرداش، وابنة وحيدة هبة الدمرداش".

وفي خميس يوم 12 يناير 2007 رحلت كريمة مختار وتركت خلفها مئات من الأعمال الفنية ما بين السينما والمسرح والتليفزيون وإرثا فنيا لا ينضب ودعوات بالرحمة تلاحقها كلما ذكر اسمها أو مرت من على الشاشة.

اقرأ أيضًا..
”أخي الحبيب وصديقي العزيز”.. هاني شاكر ينعي الراحل ناصر الجيل بهذه الكلمات